الصين تتحدى بالدبلوماسية العسكرية
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق:
يَعتَبِر أحد العلماء أنًّ “السياسة تتبع الاقتصاد”، ولكن من وجهة نظري “لا اقتصاد ولا سياسة من دون قوة عسكرية وجيش قوي”. إنَّ العالم اليوم في خِضم حرب عالمية ثالثة تشتمل على السباق إلى التسلح والصراع الاقتصادي والقدرة على الهيمنة والسيطرة على الموارد الطبيعية، وكل هذا يندرج تحت إطار الحرب الباردة أو الناعمة. فالقوة الاقتصادية الغير مُعززةَ بقوة عسكرية ستفشل وستكون لقمة سائغة للطامعين والمستعمرين.
تُعتبر الولايات المتحدة الأميركية قوة عالمية كبرى بسبب امتلاكها جيش قوي واقتصاد ضخم، لهذا السبب استطاعت بسط سيطرتها وفرض نفوذها على الكثير من دول العالم بالشكل السلمي تارةَ أو بالشكل العنفي طوراً. ولكنَّ أعظم قوة في العالم ظلَّت عاجزة أمام القوة الصينية الصاعدة بشكل سريع، فالصين اليوم هي “عاصمة الاقتصاد الدولي”، والسياسة الصينية الحكيمة تُعبّد الطريق للوصول إلى القمة، أما الجبش الصيني فهو واحد من أعظم وأقوى جيوش العالم على الاطلاق، وعوامل القوة هذه مجتمعة تحت إشراف الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ.
يُعتبر جيش التحرير الشعبي الصيني القوة العسكرية الأسرع نمواً وتحديثاً في العالم، ويتألف هذا الجيش من القوة البرية والقوة البحرية والقوة الجوية وقوة المدفعية. إنَّ جيش التحرير الصيني هو تحت إدارة اللجنة العسكرية المركزية التابعة للحزب الشيوعي الصيني، ويعمل الجيش الصيني على تعزيز وضع الحزب الشيوعي في البلاد وضمان سيادة الصين ووحدة أراضيها وأمنها الداخلي لمواصلة التنمية الوطنية وحماية المصالح الوطنية للصين والمساعدة في الحفاظ على السلام العالمي.
تنتشر قوات حفظ السلام الصينية التابعة للأمم المتحدة في كل من لبنان وجمهورية الكونغو والسودان وساحل العاج وهايتي ومالي وجنوب السودان. ويُعتبر الرئيس الصيني السيد شي جين بينغ “القائد العام لجيش التحرير الشعبي الصيني” و”الأمين العام للحزب الشوعي الصيني”. وقد شَهِدَ الجيش الصيني عملية من الاصلاحات في العام 2016؛ ففي 1 كانون الثاني 2016، أصدرت اللجنة العسكرية المركزية مبادئ توجيهية بشأن تعميق الاصلاح الوطني للدفاع والجيش، جاء ذلك بعد نحو الشهر من دعوة رئيس اللجنة العسكرية المركزية السيد شي جين بينغ إلى إجراء إصلاح شامل لنظام الادارة العسكرية والقيادة في اجتماع رئيسي. وفي 11 كانون الثاني 2016، أنشأ جيش التحرير الصيني “الأركان المشتركة” التابعة مباشرة إلى اللجنة العسكرية المركزية، وتمَّ حل المقرات العامة التابعة للجيش، وشهدت عملية إصلاح جذري لها، فقد تمَّ تقسيمها إلى 15 إدارة وظيفية، والتوسيع في عمل المكتب العام، الذي أصبحَ الآن إدارة منفصلة داخل اللجنة العسكرية المركزية. وقد اشتملت الادارات على المكتب العام ودائرة الموظفين المشتركة وإدارة العمل السياسي وقسم الدعم اللوجيستي وقسم تطوير المعدات ودائرة التدريب والإدارة وإدارة حشد الدفاع الوطني ولجنة تفتيش الانضباط ولجنة الشؤون السياسية والشؤون القانونية ولجنة العلوم والتكنولوجيا ومكتب التخطيط الاستراتيجي ومكتب الاصلاح والهيكل التنظيمي ومكتب التعاون العسكري الدولي ومكتب التدقيق ووكالة إدارة المكاتب.
تُقسم الصين إلى خمس مناطق عسكرية، وهي القيادة الشرقية والقيادة الغربية والقيادة الشمالية والقيادة الجنوبية التي تضم هونغ كونغ والماكاو والقيادة الوسطى. أما من الناحية الفنية، فإنَّ الخدمة العسكرية تعتبر إلزامية، فتنص المادة 55 من دستور جمهورية الصين الشعبية على التجنيد الإلزامي بالقول: “واجب مقدس على كل مواطن من مواطني جمهورية الصين الشعبية للدفاع عن وطنه الأم ومقاومة الغزو، وهو التزام شرف لمواطني جمهورية الصين الشعبية لأداء الخدمة العسكرية والانضمام إلى قوات الميليشا”. واعتباراً من عام 2016 أصبحَ قانون 1984 للخدمة العسكرية يلحظ التجنيد، ووصفَ الخدمة العسكرية بأنهُ واجب على “جميع المواطنين من دون تمييز بسبب العرق أو العقيدة الدينية”. ولم يُعدل هذا القانون منذُ دخوله حيز التنفيذ. ولم يكن التجنيد الاجباري موجوداً رسمياً منذ إنشاء الجمهورية الشعبية عام 1949، أما من الناحية النظرية، على كل مواطن صيني واجب أداء الخدمة العسكرية. كل مواطن صيني يتراوح عمره بين 18 و22 عاماً يدخل الخدمة العسكرية الاجبارية الانتقائية مع التزام خدمة مدته 24 شهراً، ويمكن للفتاة الصينية التي انهت دراستها الثانوية ويتراوح عمرها ما بين 18 و19 عاماً الالتحاق بالوظائف العسكرية. وعادةً ما تجري الخدمة العسكرية في القوات المسلحة النظامية، غيرَ أنَّ قانون عام 1984 قد سمحَ بتجنيد القوات الاحتياطية. ومعَ ذلك، يُعفى سكان هونغ كونغ وماكاو اعتباراً من عام 1997 وعام 1999 من الانضمام إلى الجيش.
الاصلاحات العسكرية التي شهدتها الصين في العام 2016 كانت مقدمة للحدث الأهم في التاريخ الصيني، حيثُ أحدثَ الرئيس الصيني شي جين بينغ زلزالاً عسكرياً بوجه كل القوى المستعمرة والمهيمنة على الشعوب الفقيرة خلال عرض عسكري مثير للاهتمام ضمَّ حوالي 7000 جندي في محافظة “هي بي” شمالي الصين، وقد خاطب الرئيس الصيني جنودهُ قائلاً: “لا يجب الخوف من المشقَّة ولا حتى من الموت”، وفي هذه العبارة الصريحة أعلنَ الرئيس الصيني استعداد بلاده لخوض أي حرب يمكن أن تتعرض لها. وقالَ الرئيس الصيني أنهُ “يجب على الجيش توليد قوات من النخبة تمتلك القوة وتكون على استعداد دائم للقتال، وقادرة على القتال والفوز من أجل إتمام المهام التي يعطيها الحزب والشعب في العصر الجديد”.
ظهرَ الرئيس الصيني باللباس العسكري وبملامح تُنذر بالدمار للأعداء، وخلال الكلمة التي ألقاها تجمعت القوات المسلحة الصينية في 4000 مكان مختلف من جميع أنحاء الصين من أجل سماع بيان القائد العام للقوات المسلحة. وفي حديث لصحيفة الغاردين البريطانية قال “شو قوانغ” وهو لواء صيني متقاعد “أنها المرة الأولى التي تصدر فيها تعليمات حول التدريب العسكري مباشرةً من قبل رئيس اللجنة العسكرية المركزية منذ تأسيس البلاد وتُظهر هذه الخطوة أنَّ تحسين الاستعداد القتالي يُعد حالياً مهمة استراتيجية للجيش الصيني”.
إنَّ دولة عظمى كالصين، تمتلك حق النقض الفيتو (VETO) وتمتلك أعظم اقتصاد متطور في العالم ولديها علاقات واسعة مع الكثير من دول العالم، من دون شك يجب أن تمتلك جيش قوي لحماية الأمن الصيني والمصالح الداخلية والخارجية، خصوصاً أنها تواجه العقبات في منطقة بحر الصين وساعة الصفر لاشتعال حرب الصواريخ النووية ما بين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية تقترب يوماً بعدَ يوم، هذا بالاضافة إلى الأطماع الخارجية بتحطيم هذا البلد وخلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار.
وقد جاءت رسالة الرئيس الصيني خلال العرض العسكري بعدَ أيام على تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد كوريا الشمالية حيث غرد “قال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون “أنَّ الزر النووي على طاولته بشكل دائم”. هل يمكن لأي شخص من حاشيته إبلاغه أنَّ لدي أيضاً زر نووي، ولكنهُ أكبر وأكثر قوة، وزري يعمل!” إنَّ الرسائل المتبادلة بشكل دائم ما بين واشنطن وبيونغ يانغ تُظهر ما تخفيه الصدور، ولعلَ الولايات المتحدة هي المستفيدة من هذا التوتر، ليس لإخافة كوريا الشمالية، إنما لتوجيه رسائل إلى الجارة الصينية بأنني مستعدة للدخول وضرب جارتكم وربما ضربكم إذا لزم الأمر.
ولكنَّ الصين ليست بالدولة المشاكسة أو من دعاة الحرب، إنما تطمح إلى مد شبكة تواصل بين الكثير من الدول، عبرَ مبادرة الحزام والطريق التي تخطت التجارة لتتعداها إلى التبادل الثقافي والعلمي والاجتماعي، وصولاً إلى السياسة الداخلية المبنية على تطوير الاقتصاد وخلق فرص العمل وتطوير البنى التحتية؛ كل ما استطاعت أن تصل إليه الصين اليوم بالطبع لن يرضي القوى الاستعمارية وسيغيظها، لأنَّ عقارب الساعة ترجع بهم إلى الوراء، فالقوى العظمى اليوم غارقة في الديون والأزمات المالية وتحاول أن تختلق الوسائل للتخلص من الجماعات والتنظيمات الإرهابية، ومما لا شكَ فيه أنَّ لعنة المهاجرين ستلاحقهم بسبب الحروب في العراق وأفغانستان وسوريا والصومال.
بالمقابل، فإنَّ الصين اليوم تعيش حالة من البحبوحة الإقتصادية والعالم بأسره يتطلع إلى هذا العملاق الإقتصادي الذي استطاعَ أن يُقدم نموذجاً ناجحاً عن كيفية التقدم اقتصادياً بالإعتماد على الموارد الطبيعية والبشرية والتكاتف الداخلي. وما كانَ هذا ليحدث لولا سياسة الصين السلمية التي أبعدتها عن المعارك المفتوحة في العالم، لا بل جعلتها مركزاً للتلاقي والحوار بين الحضارات والثقافات لما فيه خير وصالح العالم. فالسياسة الصينية اليوم تسعى وراء الربح ولكنها أيضاً تريد لدول العالم الربح والتقدم والازدهار معها.