اليمن والصين.. صداقة وثيقة عبر التاريخ
موقع الصين بعيون عربية ـ
صالح عيدروس علي*:
اليمن – البلاد الكاملة والشعب اليمني برمته، والصين الكاملة بلداً وشعباً، تـتمتعان بحضارة عريقة تشهد لها البشرية برمتها وتاريخها الألفي، وهما ترتبطان بعلاقات جذورها هي الأعمق، وشجرتها باسقة وعالية الى عنان السماء.
يقول التاريخ الكثير عن هذه العلاقات وبداياتها وكيفية شروع الطرفين فيها، لكن البحث أفضى بي الى العثور على أولى الاتصالات الصينية – اليمنية، إذ تقول بعض المراجع الموثِّقة بأنها تعود الى حدث كبير في التاريخ القديم، حين وصل رجال الأعمال اليمنيين الى الهند والصين، في القرن الثامن قبل الميلاد، واستمرت علاقاتنا اليمنية قوية وناشطة مع الصين إلى حقبة المئوية الأولى بعد الميلاد، لترتبط الحضارتان بعرى وثيقة من التبادلات الكثيرة لإفادة بعضهما البعض والبشرية قاطبة.
وفي العصر الذي نعيشه، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، نلمس بعمق أن علاقات بلدينا قريبة إلينا والى قلوبنا وعقولنا، لذلك نحن نعايش يومياتها ونقلاتها ونجاحاتها ونفرح لها. وقد كان الاتصال الثاني، المعاصر، بين اليمن والصين، من خلال مؤتمر باندونغ الأفرو أسيوي المسمى’’باندونغ’’، بإندونيسيا، في 18 إبريل نيسان عام 1955م، والذي أفضى بحسب المؤرخين الى آثار عميقة على العلاقات الصينية العربية عامة واليمن بخاصة، و “فتح الباب على مصراعيه لإقامة العلاقات الدبلوماسية الحديثة بين جميع الدول العربية والصين، والذي كان من أهم نتائجه أيضاً، إعلان الوفد الصيني المشارك في المؤتمر، فتح صفحة جديدة مع العرب ومدّ يد التعاون والصداقة لتسع دول عربية، كانت اليمن من أولى البلدان التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين في 24 سبتمبر أيلول عام 1956م، سبقتها بشهور مصر في 30 مايو أيار، وسوريا في الأول من أغسطس آب من العام نفسه.
وفي المؤتمر المشار إليه، التقى الوفد اليمني المشارك بالوفد الصيني بحرارة واضحة، مما عزّز التفاهم الثنائي وأرسى أساساً متينا ًلإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. فبمشاركة الصين في هذا المؤتمر أعلنت الصين عن اهتمامها بتطوير علاقاتها مع الدول العربية، كما كانت فرصة أمام الدول العربية لاستعادة الثقة وإقامة العلاقات وبعضها أقام التحالفات مع جمهورية الصين الشعبية .
بالنسبة لِـ “شمال اليمن”، فقد اعترف بالصين بتاريخ1956/9/24م، وأنتج هذا الاعتراف وقوف الصين الى جانب الثورة اليمنية “26 سبتمبر1962″، وفي زمن حصار صنعاء أعلنت الصين بكل وضوح أن الصين حكومة وشعبآ تؤيد اليمن في نضاله العادل من أجل حماية سيادة الدولة والاستقلال الوطني، كما ان السفارة الصينية في صنعاء ظلّت تواصل عملها، برغم انسحاب جميع السفارات العربية والأجنبية اثناء الحصار وحتى انتصار الثورة.
في ذلك الوقت كان “جنوب اليمن” أو “الجنوب العربي”، يرزح تحت الاحتلال البريطاني، وكان موقف الصين مشرفآ من خلال تأييد نضال أبناء الجنوب من أجل محاربة الاستعمار وتقديم كافة أشكال المساندة للحصول على الاستقلال الوطني انطلاقآ من المبادئ الخمسة التي تحكم علاقات الصين بالدول العربية، والتي أعلن عنها رئيس مجلس الدولة الصيني “شو ان لاي” في كانون الأول/ ديسمبر1963م أثناء زيارته الى مصر، ومنها تأييد الصين لنضال أبناء كافة الدول العربية من أجل تحقيق الاستقلال الوطني بدءاً بالاستقلال السياسي، ومروراً بالاستقلال الاقتصادي وتحقق الاستقلال لجنوب اليمن – الجنوب العربي في 30 نوفمبر1967م وإعلان جمهورية اليمن الجنوبية، مما أسهم في قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتوقيع على تبادل التمثيل الدبلوماسي في 31يناير 1968م.
كما ساهم اليمن، شماله وجنوبه، في دعم جمهورية الصين الشعبية لاستعادة مكانتها الشرعية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وفق القرار الأممي رقم 2758 في الدورة السادسة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر تشرين الاول 1971م. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية وإعلان الجمهورية اليمنية في 22مايو أيار1990، كانت الصين من أوائل الدول التي أيّدت وحدة اليمن واستقراره الوطني، مما عزز علاقات الصداقة المتينة بينهما.
كما أيَدت الصين المبادرة الخليجية لعام 2011م، ومخرجات الحوار الوطني اليمني. وفي ظل الأوضاع الراهنة التي يشهدها اليمن والحرب المستمرة منذ مارس أذار 2015م ظلت الحكومة الصينية على موقفها الثابت والمبدئي وقامت بحث جميع الأطراف للوصول إلى حل سياسي وفق المرجعيات الدولية والمرتكزات التي قامت عليها ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
كما قدّمت الصين الصديقة المساعدات الانسانية والمواد الغذائية ومساعدات عبر برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية. ونظرآ لموقع اليمن الفريد والمتميز وميّزاته المهمة في تاريخ طريق الحرير البحري، وبخاصة ميناء عدن، الذي يقع في ملتقى البحر الاحمر والبحر العربي، فإنه سيكون محطة مهمة في طريق الحرير البحري الصيني في المستقبل المنظور.
كما وكانت الصين سبّاقة في تقديم القروض السخية لليمن وإقامة الطُرق البرية بين المحافظات اليمنية، حيث نفذت الطريق الرابط بين الحديدة على البحر الاحمر والعاصمة صنعاء، بطول231 كيلومتراً، كما قامت بتنفيذ الطريق الرابط بين ’’امعين-ابين’’ والمكلاء-حضرموت بخبراتها الصينية المتقدمة، وهذه الطرق الهامة تفيض بالفوائد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على المجتمع اليمني.
كما قدمت الصين لليمن المساعدات المالية في مختلف الظروف وأحلكها وأدقها، كذلك إرسالها الفرق الطبية والادوية والآلات ومعدات الجراحة.
إن العلاقات اليمنية الصينية الراسخة تواصل تطورها يوماً بعد يوم، وها قد وصلت الى مستويات رفيعة في مجالات واسعة، وبعودة الاستقرار الى اليمن، ستتجذر هذه العلاقات بأعمق ما يمكن في التاريخ، لما فيه مصلحة البلدين والشعبين الصديقين.
*صالح عيدروس علي: ممثل رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين في اليمن، ورئيس منتدى قراء مجلة “الصين اليوم” في اليمن، ورئيس منتدى مستمعي القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI ومنتدى أصدقاء مجلتها “مرافئ الصداقة” باليمن، ورئيس نادي مشاهدي القسم العربي للفضائية الصينيةCCTV في اليمن.