الصين وكوريا الجنوبية على طريق السلام
ها هي العلاقات الكورية الجنوبية – الصينية ـ وبالرغم من بعض الظروف الصعبة والمراحل العصيبة ـ تعود اليوم إلى الواجهة من جديد عن طريق فتح صفحة جديدة قائمة على التعاون والاحترام. احتدمت العلاقات بين البلدين بعد أن قررت واشنطن تركيب منظومة صواريخ THAAD في كوريا الجنوبية بوجه الجارة الشمالية خوفاً من ترسانتها النووية، ولكنَّ الصين فهمت الخطوة بأنها رسالة أميركية ليست موجَّهة إلى كوريا الشمالية إنما إليها وتهديداً لأمنها وذلك يعود إلى تقنية الصواريخ العالية ومداها البعيد، وقد فرضت الصين مجموعة من التدابير ضد الشركات الكورية الجنوبية وقامت بحظر الرحلات السياحية من الصين إليها.
الرئيس الكوري الجنوبي “مون جاي إن” الذي قام بأول زيارة رسمية له إلى الصين مؤخراً أعرب عن رغبته بتطبيع العلاقات مع الجار الصيني العملاق وإصلاح هذه العلاقة الحيوية بالنسبة لكلا البلدين. فتعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر لكوريا الجنوبية، ولذلك لا يمكن أبداً التساهل في موضوع هذه العلاقة أو إغضاب الصين لأنَّ الخسارة ستكون فادحة على كوريا الجنوبية، وبخصوص التدابير الدبلوماسية الصينية مؤخراً فإنَّ وقع الخسارة جاء مدوياً على شركة (Lotte Group) التي قدمت الأرض للولايات المتحدة الأميركية من أجل زرع شبكة الصواريخ.
الاجراءات الصينية بحق كوريا الجنوبية أدت إلى الكثير من الخسائر التي لا تعوَّض، ولكن بالرغم من سحابة الصيف التي مَّرت على هذه العلاقة الثنائية، إلا أنَّ التصريحات مؤخراً جاءت متطابقة حول الرغبة المشتركة فى تحسين العلاقات، وقد طلبت بكين من سيول التعهد رسمياً بعدم السماح لأميركا بإنشاء قواعد صاروخية جديدة. وبعد زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى الصين، عبَّرت سيول عن رغبتها بتحويل العلاقة مع الصين إلى “ناضجة أكثر” عن طريق استعادة الثقة المتبادلة وتعزيز الصداقة بين الدبلوماسية الصينية والدبلوماسية الكورية الجنوبية. من جهتها صرَّحت كورية الجنوبية بوضوح بأنَّ الصواريخ لن تستهدف الصين، ولن تكون موجَّهة أبداً نحو الصين، وبهذا تهدئة للوضع بين البلدين وتطمين معلن للجار الصيني.
مباشرةً بعد إعادة العلاقات إلى طبيعتها ارتفع مؤشر (Kospi) ليسجل أعلى معدل له على الاطلاق، ومن المُرجح أنَّ يكون لخطوة مون هذه الأثر الايجابي على عملية الاصلاحات التي سيقوم بها في البلاد. والرئيس الصيني شي جين بينغ سيعزز من رصيده الدبلوماسي عند نسجه العلاقات الجيدة مع كل من “كيم جونغ أون” و “مون جاي إن” لأنهُ سيكون قد جَمَعَ في صداقته ما بين الدولة الحليف للولايات المتحدة الأميركية والدولة التي تقف بوجه التهديد الأميركي، والرسالة ستكون أنَّ الصين غير مهتمة بدخول صراع محاور إنما صراعها الأول هو اقتصادي ودبلوماسيتها مفتوحة أمام جميع الاحتمالات.
وفي جولة آسيوية قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخراً، نَعَتَ الرئيس الكوري الشمالي من سيول “بفتى الصواريخ الصغير”، ومن خلال السياسة هذه يريد ترامب كسب دعم اليابان وكوريا الجنوبية في سياسته العدوانية تجاه بيونغ يانغ ويطالب الصين بكبح جماح الصديق الكوري الشمالي.
السياسة الأميركية نجحت في وضع اليابان والهند مقابل الصين ولكنها لم تنجح إلى حد الآن مع كوريا الجنوبية والفيليبين، لأنهما يرغبان بدوام العلاقة مع الصين وعدم قطعها مع أميركا.