رسوخ الصين الدهري في حياتي وعقلي
موقع الصين بعيون عربية ـ
فاروق أيوب خوري*:
مما لا شك فيه، أن الحضارة الصينية هي إحدى أقدم وأعرق الحضارات في العالم، لذا نلمس ونرى ونتابع كيف أثّرت تأثيراً حاسماً على كل البشر، بكل قومياتهم وألوانهم وتوجّهاتهم، بحيث يمكن القول إن هذه الحضارة تلعب دور المُكتّل والجامع لثقافات العالم من حولها، لهذا هي حضارة إنسانية القسمات وسامية الأهداف.
كان تأثير الحضارة الصينية وما زال شاملاً لكل العالم، وهذا التأثير السلس اكتسب بُعداً أممياً وقسمات لطيفة، ولهذا بالذات عرفت أنا كغيري من البشر المنتشرين على مساحات العالم وفي زواياه الجُملة الشهيرة التي تقول: “أُطلبوا العلم ولو في الصين”!
يبدو لي أن غير العرب من أصحاب اللغات الكثيرة في مختلف القارات يعرفون هم أيضاً هذه الجُملة الشهيرة، تماماً كما يَعرفون عن ظهر قلب “مسيرة الألف ميل”، التي تميّز بها الزعيم العظيم ماو تسي تونغ وصحبه من الاستقلاليين الأوائل، حتى أضحت هذه أيضاً مَثلاً يُضرب في العالم كله ومن طرف الجميع، للدلالة على تذليل الصّعاب وإمكانية النصر بالقليل من الجهد الدؤوب، لكنه بالضرورة الجهد الذي لا يَعرف الانكسار ولا يجمعه جامع مع التراجع.
سار الزعيم “ماو”، كما درسنا وقرأنا في رحلة الألف ميل الطويلة، بين جبال الصين وعَبر حقولها، ومشى في قراها ومدنها مُبشّراً بخير الغد الآتي، وانبلاج النور المستقبلي وحلول الحرية والاستقلالية التي يَصنعها الشعب الصيني بيديه وعقول أبنائه البررة. يقيناً أن رحلة الألف ميل إنما تبدأ بخطوة واحدة، فقد عرفنا هذا في صِغرنا، في طفولتنا، وخبرنا ذلك في شبابنا وتقدّم أعمارنا بتلاحق السنين علينا، وعرفنا من المُعلم “ماو” أيضاً، أن “الإمبريالية نمر من ورق”، وهي الكلمات الأولى في الرسالة الاولى التي خطتها يدي، والتي أرسلتها في رسالة رسمية خلال شبابي (بين أعوام 1977/1978) إلى سفارة جمهورية الصين الشعبية في نيودلهي بالهند.
آنذاك كنت طالباً في جامعة مدينة جيبور الهندية، أدرس مادة العلوم، وبرغم وجودي في الهند كنت أحب الصين وأقرأ عنها، ومشتاق لزيارتها ومشاهدتها والتمتع بجمالياتها، وها هو ذلك اليوم وذاك الحلم قد تحقق لأزور هذه البلاد العظيمة، فقد تجلّت المعجزة التي طالما تراءت لي نهاراً وليلاً.. إنها لمعجزة حقاً، فالمعجزات تحدث.
لقد تحقق حُلمي وصار واقعاً بعد عشرات السنين، والمعجزة استحالت إلى حقيقة وإن بعد عقد من الزمن، وذلك بفضل جهود صديقي وأخي الأقرب وزميل الطفولة الأستاذ الصحفي مروان سوداح والجهات الحكيمة في القيادة الصينية الصديقة.
أذكر بأنني نشرت أول مقالة لي عن الصين في جريدة “الديار” اليومية الاردنية، وكانت تحت عنوان “الصين”، وذلك بتاريخ 06/12/2014، وبعدها تابعت نشر المقالات واحدة بعد أخرى، في الجريدة ذاتها ، وفي موقع “الصين بعيون عربية”، الذي يَنطق باسم الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء الصين، وكانت في تلك الفترة تتلاحق في عقلي لقطات متلاحقة، أتصور من خلالها وكأنني أجول في الصين، فتجلّى هذا اليوم الآن، برغم أن صداقتي للصين ولقائي بها عقلياً وذهنياً وروحياً حصل منذ عهد بعيد، فلم ينقطع هذا الوصال مع الصين وحضارتها وشذاها أبداً في حياتي، مذ كنت أتردد على جمعية الصداقة الاردنية السوفييتية والمركز الثقافي السوفييتي في عمّان/ الأردن سوياً مع زميلي مروان سوداح، إذ كانت الصين تشكّل لي وكما هي اليوم أيضاً، كمال العلوم والتقدم والحضارة والازدهار، الفكرة والرسالة والحب والحياة والرحلة والبندقية.
لقد حضنت الصين في ذاتي سنوات طويلة، فتابعت أخبارها بشكل جدّي، وتعدى الأمر ذلك إلى متابعة أنبائها في الصحف الأردنية، وحضوري مختلف الاحتفالات والفعاليات التي تنظّمها السفارة الصينية الموقرة في عمّان.
واليوم، وعلى بُعدِ خطوات قليلة من إنجاز اللقاء التاريخي الواقعي بالصين، لقاء الصين قيادةً حكيمة وحزباً وحكومةً وشعباً وأرضاً ووطناً، أترك نفسي في بحر جديد مضطرب جُلّه الأحلام، على أمل اللقاء والإبحار في محيط المعرفة الصينية العميق، وللتعرف على التقدم الذي حقّقته الصين في رفع مستوى المعيشة ومحو الأمية، وزيادة نسبة متوسط العمر المتوقع، وللاطلاع على الجهود الكبرى التي بُذلت للحماية من الكوارث الطبيعية الأخطر على الانسان، ومعايشة الحقوق الأساسية للمواطنين، كحرية الرأي، وحرية الصحافة، والحق بالمحاكمة العادلة والمكفولة، وحرية التدين والعبادة، وحق الانتخاب، وغيرها من الحقوق وواجبات المواطنين التي أود التعرّف عليها واكتناز الخبرات منها في جِعابي العديدة.
…
*م. #فاروق_أيوب_خوري: كاتب وصديق قديم للصين والقسم العربي لإذاعة #الصين الدوليةCRI، وعضو ناشط في الفرع الاردني للاتحاد #الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحُلفاء #الصين ومنتديات القسم العربي للاذاعة ,ومراسل لها، ومجلة “#مرافىء الصداقة” – التي يَنشرها القسم العربي لإذاعة #الصين الدولية CRI.