قراءات على هامش الدورتين التشريعية والاستشارية في الصين
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمود ريا:
طرحت وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا على مدير موقع الصين بعيون عربية عدة أسئلة تتعلق بالدورتين التشريعية والاسشارية اللتين انعقدتا هذا الشهر في بكين.
وهذه إجابات الأسئلة، والتي اقتطفت منها الوكالة عدة عبارات ونشرتها في تقارير موسعة ـ بعدة لغات ـ تتضمن آراء محللين من مختلف أنحاء العالم حول القضايا المطروحة في الصين.
أولاً: حول موضوع تعديل الدستور:
من طبيعة المجتمعات أن تسعى دائماً إلى الأفضل، ومن خلال تجاربها على مدى السنوات، تقوم بإحداث تغييرات في النظم والقوانين والدساتير لتتلاءم بشكل أكبر مع حاجات هذه المجتمعات من ناحية، ولاستيعاب التطورات الحاصلة على الصعد المختلفة في العالم.
ومع كون المجتمع الصيني مجتمعاً حيّاً ومواكباً لما يشهده العالم من تغييرات، كان لا بد من مراجعة القانون الأساسي، وإجراء التعديلات المناسبة عليه، بما يتلاءم مع حاجات المجتمع الصيني ومع ما تشهده الصين من تغييرات كبرى، بما يجعل قيادتها في موقع مسؤولية أكبر تجاه المواطنين الصينيين من ناحية، وتجاه العالم ككل من ناحية أخرى.
إن التغييرات المقترحة على الدستور الصيني تحمل الكثير من المعاني، فهي تضع الصين في موقع الدولة العظمى، وفي موقع الدولة التي تسير في خط الاشتراكية التي تحمل الخصائص الصينية، كما أنها تفسح في المجال أمام القيادة الصينية لأن تكون أكثر قدرة على تبني سياسات طويلة الأمد والسهر على تنفيذ هذه السياسات، من خلال إزالة القيد على عدد الدورات التي يمكن لهذه القيادة البقاء في الحكم.
كما أن هذه التعديلات تضع أفكار الزعيم شي جين بينغ في قلب الدستور، مع ما يعنيه ذلك من الاستفادة القصوى من الأفكار الجريئة والمتقدمة التي قدمها الزعيم شي، والتي جعلت منه واحداً من القادة العظماء الذين عرفتهم الصين الجديدة.
وما يلفت أيضاً في التعديلات المقترحة هو إعطاء عدد من المدن حق إصدار القوانين الخاصة بها، بما يتلاءم مع القوانين الصينية الوطنية، وهذا يؤكد على ثقة الصينيين بوحدتهم وتناغمهم فيما بينهم، ويسمح بالحفاظ على بعض الخصوصيات المناطقية التي تتلاءم مع طريقة عيش المواطنين في هذه المدينة أو تلك.
إن مناقشة هذه التعديلات التي جاءت بعد المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني، وما طُرح فيه من إجراءات للسير بالصين إلى مصاف الدولة العظمى، يعني أن الخطوات العملية لتكريس الصين دولة كبرى وقطباً عالمياً بارزاً قد بدأت بالظهور، بعد عقود من التركيز من قبل القيادة الصينية والإعلام الصيني على أن الصين “دولة نامية كبيرة”، ولا تأخذ موقع الدولة العظمى.
ولا شك أن هذا التغيير في التعاطي مع العالم، والذي يعكس ثقة كبرى بالنفس وبالإمكانات وبالمستقبل، ستكون له انعكاساته الكبرى على طريقة تعاطي الصين مع القضايا العالمية، بما ينعكس بشكل أفضل على هذه القضايا، ويحدّ من الظلم الذي تمارسه قوى كبرى معروفة في أكثر من منطقة من العالم.
ثانياً: حول تعديل القسم الدستوري في الصين:
يأتي قسم الزعيم الصيني شي جينبينغ اليمين الدستورية الجديدة ليشكل صافرة انطلاق العمل بالقسم الجديد الذي بات يشكل القسم المعتمد في مختلف أنحاء البلاد والذي ينبغي أن يؤديه كل المسؤولين الرسميين على مختلف درجاتهم عند تسلّمهم مهامهم.
إن التعديلات التي تم إدخالها على اليمين الدستورية صغيرة في الشكل، ولكنها عميقة جداً من ناحية المضمون، وهي تشير إلى تغيير في نبرة تعاطي الصين مع العالم، حيث تنقل الصين نفسها في وعي المسؤولين والعاملين في الشأن العام فيها من دولة نامية إلى دولة كبيرة، ودولة حديثة، تؤمن بالاشتراكية وتعمل على تحقيقها وفق الخصائص الصينية.
واللافت أن المسؤولين الصينيين يعتبرون أن “التعديل قد حدث لتوحيد القسم مع الهدف التنموي للبلاد الذي توخاه الحزب الشيوعي الصيني في مؤتمره الوطني الـ19 في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي”. وهذا الأمر يعني أن تعديل القسم ليس مجرّد هواية أو متعة لغوية، وإنما هو تعبير عن حركة متواصلة نحو المستقبل المنشود للشعب الصيني.
“إن تعهد الولاء للدستور أمر هام للنهوض بسيادة القانون ورفع وعي الجمهور بالدستور”، هذا هو التعريف الذي قدّمه مسؤولون صينيون لهذا التغيير الجديد في القسم، والذي ترافق مع تعديلات عديدة في الدستور الصيني ككل، ما يعني أن الصين تكيّف نفسها مع دور عظيم سيكون عليها أن تقوم به قريباً جداً، خدمة للشعب الصيني وللبشرية كلها، والأمة الصينية ـ بقيادة الزعيم شي جينبينغ الذي أقسم وأطلق الخطوة الأولى ـ جديرة بالقيام بمهمة قيادة قاطرة التطور والتحضّر على مستوى العالم.
ثالثاً: حول تعميق إصلاح مؤسسات الحزب والدولة:
شكلت انطلاقة حملة الإصلاحات التي بدأتها الصين قبل أربعين عاماً محطة تاريخية كبرى تُحسب إلى جانب قيام الصين الجديدة في العام 1949، لأنها سمحت للصين بإكمال مسيرتها التاريخية العظمى نحو استعادة مجدها واستيلاد حضارتها وتأكيد وجودها كأمة تستحق الاحترام وتتمتع بالهيبة وتحمل الأمل بالمستقبل.
والإصلاح عملية مستمرة، لا يمكن أن تتوقف عند مرحلة أو تتجمد عند إنجاز، بل لا بد من الاستمرار به والسعي لتعزيزه وإيجاد السبل المناسبة لتطبيقه بما يكفل استمراريته ونجاحه.
والصين بصفتها أمة حيّة وناهضة تعرف أن الإصلاح والتعديل والتغيير نحو الأفضل هو السبيل الوحيد لوضع الصين في المكانة التي تستحقها على مستوى التاريخ والجغرافيا، لذلك نجد هذه الهمّة العالية في تعديل هيكليات الحزب الشيوعي وإجراء التعديلات اللازمة على الدستور وعلى القوانين، في خطوات يُشهد بها للقيادات المتعاقبة، ولا سيما القيادة الحالية بزعامة شي جين بينغ، التي وضعت نصب أعينها إزالة كل العقبات من أمام تطوّر الصين وتقدمها وازدهار اقتصادها ورفاهية أبنائها.
من هنا تصبح كل خطوة في طريق الإصلاح المستمر والدائب هي دفعة أخرى للشعب الصيني باتجاه تحقيق أحلامه العظمى بالقضاء على الفقر والانطلاق نحو اقتصاد مزدهر ومتقدم.
إن العملية الإصلاحية الدائمة التي تشهدها الصيني كان لها آثار كبرى، فالصين أصبحت تملك ـ أو تكاد ـ الاقتصاد الأكبر في العالم. كما تكاد البلاد تتخلص من الفقر الذي عانى منه الناس على مدى فترات تاريخية طويلة. وكذلك أصبحت الصين أمة مهابة الجانب، تخشى القوى العظمى أي احتكاك بها، بعد أن مرّت على الصين مراحل مظلمة استعمرت فيها بعض الدول أراضي صينية، وفرضت إرادتها وهيمنتها على الصين. وبقدر ما كانت الدولة الصينية متأثرة بالخارج ومرتبطة به، باتت الآن فاعلة ومؤثرة في أكثر من منطقة في العالم، وصار القاصي والداني يحسب لها ألف حساب. وهذا كله من ثمار الثورة الكبرى التي قامت بها الصين منتصف القرن الماضي، ومن ثم إطلاق المسيرة الإصلاحية في نهاية السبعينات، والتي لا تزال مستمرة إلى اليوم، وها هي تأخذ زخماً أكبر وأبعاداً أعمق مع الأفكار الجديدة للزعيم شي جين بينغ.
رابعاً: حول مكافحة الفساد:
إن بداية طريق معالجة المرض تكمن في الاعتراف به وتشخيص أعراضه وتحديد أماكن تفشّيه. ولا يوجد مرض أخطر على الدولة واستمرارها ونهوضها وتقدمها أكبر من خطر الفساد.
إن الانطلاقة الكبرى التي شهدتها الصين خلال العقود الماضية حملت معها بعض الظواهر الفاسدة التي وجدت مكاناً لها في بنية الدولة، وهذا أمر طبيعي أن يحصل في أي مكان من العالم.
إلا أن الجرأة والحزم والاستمرارية التي تعالج بها الدولة الصينية هذا الفساد، بتوجيهات قوية وصريحة من الزعيم شي جين بينغ، تدل على مدى وعي هذه القيادة للخطر الذي يشكله الفساد على رؤية النهوض بالصين التي يحملها الزعيم شي والقيادة الصينية.
من هنا، فإن العالم كله ينظر بإعجاب كبير وتقدير أكبر إلى الحملة الوطنية الكبرى التي تشنها الصين للقضاء على الفساد بكل أشكاله، ولمحاسبة الفاسدين وإعادة مال الدولة ومال المواطنين الذي سلبوه إلى أصحابه الحقيقيين، أي إلى أبناء الشعب الصيني الذي ينبغي أن يتمتع بخيرات بلاده وأن يؤسس بها مشروع الأمة العظمى، بعيداً عن العوالق والطفيليات التي تمتص دماء هذا الشعب وتجعله ضعيفاً في مواجهة التهديدات الخارجية والاحتياجات الداخلية.
إن الإجراءات القوية التي تقوم بها الدولة الصينية لمكافحة الفساد هي إجراءات ردعية تستهدف بؤر الفساد الموجودة حالياً للقضاء عليها وتخليص البلاد منها، كما أنها إجراءات وقائية تعمل على منع حصول أي فساد في المستقبل وتقضي على إمكانية ظهور فاسدين يستغلون الدولة والشعب لمآربهم الخاصة. ومن هنا تأتي القوانين المتعددة التي تسنها الصين لخنق أي محاولة لاستخدام السلطة بشكل سيء أو للنفاذ من خلال القوانين لتحقيق مصالح خاصة على حساب الدولة والشعب.
بلا شك، إن تجربة ناجحة مثل تجربة الصين في مواجهة الفساد يمكنها أن تصبح ملهمة لكل دول العالم التي ترغب في تخليص نفسها من آفة الفساد المنتشرة في مفاصل معظم هذه الدول. وينبغي لهذه الدول دراسة الإجراءات الصينية الحاسمة في هذا المجال كي تستوحي منها أفكاراً فعالة يمكن مواءمتها مع ظروف كل دولة والسير بها للقضاء على الفساد الذي ينخر في المجتمعات البشرية ويمنعها من السير إلى الأمام.