رسالة منتدى “بواو” للعالم.. تشغيل وتنمية وسلام
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاديمي مروان سوداح*:
“بوآو” هي بلدة جميلة وغنّاء، تقع في مقاطعة “هاينان” الصينية، وقد أطلق اسمها على منتدى اقتصادي آسيوي دولي شهير لتعكس دلالاته العميقة، وقد شارك في المنتدى “النيساني” الأخير في البلدة، وعلى امتداد أربعة أيام متصلة هذا العام، أكثر من ألفي مشارك من مجتمع كبار المسؤولين والقادة الاقتصاديين، لمناقشة مستقبل القارة، وإلى جانبهم شارك أزيد من ألف صحفي تحدّثوا وأدلوا بآرائهم عن “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، والانفتاح والابتكار، وعملية الإصلاح الهيكلي، في 65 جلسة نقاش، وطرحوا مقترحات بنّاءة ذات بأبعاد أسيوية ودولية.
يَشتهر “منتدى بوآو” السنوي في هاينان بأنه “دافوس آسيا” برعاية الصين، ويَجمع في أعماله كبار المسؤولين الاقتصاديين الآسيويين والدوليين، ويَضع نصب عينيه مناقشة مستقبل القارة، واستعراض أهم الاقتراحات والأفكار التي يمكنها تحسين الأوضاع الآسيوية عن طريق الاقتصاد الفاعل والمُتقدّم.. كما ويُناقش المنتدى عادةً موقع الصين في السوق الاقتصادي العالمي، والتحدّيات التي تواجهها الصين وآسيا في مسيرة القارة، لتأكيد مكانتها عالمياً ومطالبها بالتنمية المُستدامة والآمنة، والعمل على توفير حياة رغيدة لشعوبها التي تتقارب لتجسير صِلاتها وبناء تعاون جماعي وتقاسم للمنافع والفرص المشتركة، ولإيجاد حلول ناجعة وذكية للتحدّيات الماثلة أمام مختلف البلدان والامم الآسيوية.
أما بشأن هاينان (خاينان و هياينان)، فهي مقاطعة وجزيرة تقع في الجنوب الصيني، وتتميّز بطبيعة استوائية ساحرة كما في الأساطير المِلاح، وأحرزت تاريخياً بجدارة لقب “هاواي الشرق”، ولذلك تُعتبر مَقصداً سياحياً عالمياً وصينياً مزدهراً. وتؤكد المصادر الصينية أن هاينان تختال دولياً بشواطئ جاذبة وخُضرة خصبة وهواء نقي، وتتميز بمناخ استثنائي يجعلها تتمتع بـ300 يوم مشمس في العام، تكون فيها درجة الحرارة بمعدل 25 درجة مئوية في الظل.
صادف انعقاد مؤتمر بوآو السنوي في نيسان هذا العام الذكرى ال (40) لبدء “حركة الإصلاح والانفتاح” في جمهورية الصين الشعبية (1978)، إلى ذلك أشار “تشو ون تشونغ”، الأمين العام للمنتدى، خلال مؤتمر صحفي عقده في هاينان، إذ أكد أن انعقاد المنتدى تزامن و”تحقيق إنجازات كبرى في تعزيز العولمة، وسط تنامي الشكوك في العالم”، بينما اتفق المشاركون في المنتدى على أن العولمة لا رجعة عنها، وبأن التجارة المفتوحة والحرّة والمتبادلة النفع تتفق مع المصالح المشتركة لآسيا وأوروبا وبقية العالم، وأيدوا “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، وأشادوا بها لأهميتها أولاً لآسيا وكامل المَعمورة.
ترى الصين أن منتدى بوآو يُقيِم أعماله ويُركّزها في آسيا التي أصبحت مؤخراً أكثر انفتاحاً والتي يقودها الابتكار اللافت والمُبهر بالذات، وبعدما صارت مركز الثقل العالمي والمصدر الذي لا يَنفد للقوة الدافعة للسلام والرخاء والتنمية المُبشر بالازدهار في العالم، بفضل القوى الحقيقية المُحرِّكة للتنمية.
ويُعتبر خطاب رئيس جمهورية الصين الشعبية الرفيق والمفكّر شي جين بينغ في المنتدى، الكلمة الأهم والرئيسة التي أشّرت إلى أهم أهداف المؤتمر ونقلاته وطبيعة أعماله في الزمن القادم. إلى ذلك كانت الكلمة تعريفاً صريحاً ومباشراً لموضوع المؤتمر والتحديات الاقتصادية ذات الصّلة، وقد ركّز الرفيق “شي” على إنجازات الإصلاح والانفتاح الصينية في السنوات الأربعين المنصرمة، وخبرات الصين وحكمتها في عملية لانفتاح والابتكار الآسيويين، وشدّد على “تعهّد” الصين بالتمسك بالإصلاح والانفتاح وتوسيع الانفتاح، وبَرز داعماً قوياً للعولمة والتجارة الحرة.
لفت الانتباه على وجه خاص تصريح وزير التجارة الصيني السابق، “تشن ده مينغ”، حين أكد أن سلسلة القيمة العالمية ستتأثر بشدة وتتدهور إذا ما أصرت الولايات المتحدة على توجّهها الأحادي في التعامل مع “الاحتكاكات” التجارية مع الصين”، ونوّه إلى أن مثل هذا التوجه هو “خطوة للخلف” بالنسبة للعولمة وسيؤدي إلى نتائج “لا يمكن احتمالها”، على خلفية “التعريفة المقترحة على ما قيمته 50 مليار دولار من الواردات الصينية التي ستحلق الضرر ليس فقط بمصالح الشركات الصينية، ولكن أيضا بمصالح الدول الأخرى في بُنية (سلسلة القيمة العالمية)”. وأوضح “تشن” أن العُرف المُتّبع هو أن أجزاء المنتَج يجري إنتاجها في عدة بلدان، ثم يتم تجميعها في مكان آخر، موضحاً “أن أكثر من 60 بالمئة من التعاملات التجارية العالمية تتحقق من خلال عمليات انتقال ما بين الشركات في إطار شركات متعددة الجنسيات، لذا سيؤدي هذا إلى أن تخسر الولايات المتحدة أكثر مما ستربح، إذا ما انتهكت “سلسلة القيمة العالمية” باستخدام الحمائية التجارية”.
المشكلة التي تواجه الصين وبلدان وشعوب قارة آسيا، وبخاصة البلدان الصغيرة والاقتصادات الصُغرى، هي طبيعة الأوامرية الأمريكية التي تتّسم بِ “فلسفة الكاوبوي” الذي يُطلق النار بدون نقاش مُسبق في كل الاتجاهات (!)، حتى وإن كان أمر المعركة التي يَفتعلها في غير صالحه (!)، فالحمائيات التي فرضها الرئيس الأمريكي مؤخراً تضر بمصالح العالم وأمريكا نفسها، ذلك أن التكنولوجيا وعمليات الإنتاج المصنعي أصبحت عالمية وأممية، ولا يمكن لبلد بعينه احتكارها وجعلها “وطنية بحت أو قومية خالصة!”.. فعَملانية الإنتاج وخطوطه تتسم بالعالمية والكونية والاتّساع الجغرافي المتداخل مع الجيوبوليتيكا، و”هي تتأثر بِـ “سلسلة القيمة العالمية” حتى عبر خلاف بين طرفين، لأن أطرافاً أخرى عديدة هي مشتركة وأساسية في هذه السلسلة”. ومن هنا نرى أن النزاعات المُفتعلة والتحديدات والتهديدات لفرض الأوامرية والحلول المُسبقة على اقتصاد أسيا واقتصادات العالم، تُشكّل ضرراً ضخماً بالأفراد العاديين والشركات الصغيرة والمتوسطة في مختلف المجتمعات، وهي تعرقل التشاركية والجماعية في الإنتاج التي هي سِمة العَصر ومستقبل البشرية. لكن الأوامرية والتهديدات لا مكان لها في المستقبل، لأنها تسير بعكس تطور التاريخ ولكونها على الضد من منطقه، لذا فإن هذه الأوامرية خاسرة لا محالة.
*رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) الصين – الاردن.
*مقالة خاصة بالنشرة النصف شهرية لموقع الصين بعيون عربية.