اقتِصادٌ مُتجدِّد.. وحُلم الأمة الصّينية العَظيمة
موقع الصين بعيون عربية ـ
تمام محمد يوسف*
ليس غريباً هذا النمو المضطرد للاقتصاد الصيني والذي أصبح علامة مميزة خلال السنوات العشر الأخيرة. إن ما يجري من تقدّم في جمهورية الصين الشعبية، هو بلا أدنى شك ثمرة من ثمار النهج الحكيم للقيادة الصينية، التي جعلت من الشعب محور سياساتها، وبالتالي فإننا نرى الانعكاس الإيجابي والمباشر والسريع لهذه التطورات على حياة المواطن الصيني.
لقد بلغ الاقتصاد الصيني أرقاماً قياسية في مجال النمو السنوي في الوقت الذي عانت فيه كبريات الاقتصاديات العالمية سلسلة من الأزمات، كادت تطيح بأكثرها قوة، ألا وهو الاقتصاد الأمريكي، حيث لا زلنا نذكر تلك الأزمة المتعلقة بالرهونات العقارية، والقروض، والتي دفعت ملايين الأمريكيين إلى الإفلاس.
ومن المُلفت للنظر وفي عمليات إعمال التدقيق وإجراءات التمحيص في السياسة الصينية، هذا الانتقال السلس لاقتصاد الصين، من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة الجودة. هذه المرحلة التي تضعها القيادة الصينية نصب أعينها جاءت بدفع وتشجيع من الرفيق القائد شي جين بينغ – الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني لجمهورية الصين الشعبية، الذي سعى وما زال يَسعى إلى أن يَضع الصين في الموقع الذي يليق بها.
إن هذه المهمة تحتاج أولاً لرجال أوفياء وأكفّاء يبنون على الواقع من أجل المستقبل. إن هذا الطموح يتطلب تداخلاً وتناغماً بين حداثة التكنولوجيا وتطوير شبكات الإنترنت والذكاءات الصناعية، من أجل الولوج لمرحلة جديدة من مراحل الإصلاح الهيكلي، وتوفير البُنى اللازمة للوصول لمرحلة الجودة.
وهذا بدوره يتطلب تطوير المَكننة، وتطوير وهيكلة الصناعات التي تقوم على التنمية التعاونية المتوزّعة بين الاقتصاد الحقيقي والابتكار العلمي والتكنولوجي. إن عصب هذا التطور يتمثل في تطوير وتنويع البحث العلمي والذي تقوم به عملياً الجامعات ومراكز الأبحاث الصينية. هذه الجامعات التي حقّقت مراتب متقدمة في مقاييس ومعايير الجامعات العالمية.
إن مفهوم الجودة لا يشمل فقط تعزيز القدرة التنافسية العالمية فحسب، بل هو يَشمل كذلك تطوير المنظومات الداخلية، مثل وسائط النقل، وسكك الحديد، وانتاج الكهرباء، ومكننة الزراعة، وتطوير استغلال مصادر الطاقة والمياه.
إنها الصين التي آمنت ومنذ وقت طويل بنمط الانفتاح الشامل الذي يُشكّل مصدراً للتقدم، حيث الانغلاق في الجانب الآخر يؤدي إلى الانزواء والتخلف. وتأتي مبادرة ” الحزام والطريق ” التي أعلن عنها الرفيق “شي جين بينغ” في العام 2013، رُكنا أساسياً في تحقيق الجودة. أولاً لأنها تُشكّل البُنية التحتية للانطلاقة؛ وثانياً لأنها توفّر شركاء استراتيجيين للصين لا تلعب السياسة دوراً في تفريقهم.
إننا في العالم العربي ننظر بفرح لهذه الخطوات الصينية والتي ستجعل من دول العالم شركاء لا أعداء، كما تفعل بعض القوى في أمريكا وأوروبا. ليست مصادفة أبداً خلو الخطاب الصيني من تجارة السلاح العالمية، التي تُذكي الحروب بين الأمم.
الصين لا تُخفي تطوير قوتها العسكرية ولكن بهدف حماية منجزاتها في وجه أية أخطار وتهديدات خارجية. هذه هي الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تَبني وتُراكم البِناء لمصلحة رفاه الشعب الصيني ورفاه شعوب العالم أجمع بغض النظر عن عقائدها وأيديولوجياتها وأنظمتها الاقتصادية وملامحها الاجتماعية وتوجهاتها السياسية ونمط إقتصادها.
وبرغم التقدم المذهل الذي نالته الصين بفضل ذكاء قيادتها السياسية والاقتصادية، إلا أنها لن تتخلى عن كونها دولة نامية وتنتمي للعالم النامي رغبة منها بتأكيد هويتها المتساوية مع شعوب العالم النامي التي تشكل أكثرية البشرية.
كذلك، فقد أكدت غالبية الشعب الصيني ثقتها بأن الاقتصاد الصيني حتى في حال تجاوزه لاقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية وأصبح الأول عالمياً من حيث الحجم الإجمالي، فانه لن يغير فوراً هوية بلاده كدولة نامية، فالأهم بالنسبة للصين ليس لعبة القوة والأرقام والحجم وعرض القدرات في مواجهة الآخرين، لأن هذا هو آخر الهموم التي يفكرون بها في الصين، والهم الأول إليهم بقي على حاله وهو مدى توافر القدرات الصينية التي من شأنها توفير الرخاء الفعلي للمواطنين الصينيين في كل مناطقهم، بخاصة البعيدة عن العاصمة المركزية، ومديات مساهمات الصين في رفع قدرات شعوب العالم النامي وأوضاعها لتتمكن من اللحاق بالصين، لا سيّما وأن هذه الشعوب تكن للصين عميق الاحترام والتقدير وشساعة مشاعر الصداقة.
وتأكيداً على ما ذهبنا إليه، تُشير المراجع الصينية المحكمة والتي تم اعتمادها عالمياً، إلى أن إجمالي الاقتصاد الصيني يتوسّع بلا انقطاع، وهو يَعتبر الناتج المحلي الاجمالي أحد مؤشرات قياس القوة الاقتصادية للدولة. ويُعتبر التطور السريع للاقتصاد الصيني والارتفاع المستمر لترتيباته العالمية من المنجزات العظيمة الناتجة عن حركة الإصلاح والانفتاح (منذ 1978) على العالم. وقد إنكبّت المؤسسات الحزبية والحكومية الصينية على دراسة مختلف جوانب المسيرة الاقتصادية للبلاد، بهدف العمل باجتهاد مضاعف لمزيدٍ من معرفة تطلعات عامة الناس، لأجل العمل الأنفع لرفع مستوياتهم المعيشية والقضاء على بقايا الفقر.
وفي مؤشر التطور الصيني المذهل، تأتي الصين على قمة قائمة بلدان العالم من حيث عدد كيانات الأعمال، بفضل سنوات الإصلاح الخاص بدخول السوق الصينية. وقد بلغ عدد كيانات الأعمال عبر البلاد في آذار/ مارس العام الحالي 100.24 مليون كيان، من بينها مؤسسات أعمال وشركات الشخص الواحد، وذلك وفق إدارة الدولة لتنظيم السوق. وهذا العدد يجعل الصين أكبر بلد في عدد رواد الأعمال على مستوى العالم، ويؤكد حيوية السوق الصينية ومستقبلها القيادي.
وللتأكيد على قيادية الصين، على الأقل إقتصادياً في العالم، نقل الباحث والكاتب الصيني “أبو ليلى دو تشن” في عام 2011 عن مصادر أمريكية وغربية أقوالها التي نشرها في مقالته في وكالة أنباء “شينخوا” الرسمية الصينية، بعنوان “لعبة الأرقام الاقتصادية: الصين تتجاوز الولايات المتحدة في عام 2016″، وجاء فيها “أن حجم اقتصاد الصين (في عام 2010) بلغ 14.8 تريليون دولار أمريكي بالمقارنة مع 14.6 تريليون دولار للولايات المتحدة الامريكية عند حساب تكاليف المعيشة المختلفة في البلدين . في حين كان صندوق النقد الدولي آنذاك يُقدّر إجمالي الناتج المحلي في الولايات المتحدة، من حيث تعادل القوى الشرائية، بأنه يبلغ حوالي 14.6 تريليون دولار أمريكي، في عام 2010، فيما كان الرقم في الصين يبلغ10.1 تريليون دولار”.
وفي الاقتباسات الآخرى التي أوردها الباحث الصيني “أبو ليلى”، نقلاً عن “أرفيند سابرامانيان” في مقالته التي نشرت في ” صحيفة الشرق الأوسط ” السعودية، يوم 03مايو/أيار 2011، “إن الاقتصاد الصيني في عام 2010، والمُعَّدل في ضوء القوة الشرائية، قدّر بنحو 14.8تريليون دولار؛ متخطياً إقتصاد الولايات المتحدة .”
ويتساءل الكاتب أبو ليلى، هل في حقيقة الأمر، أن الصين باتت أكبر إقتصاد عالمياً منذ ذلك التاريخ (ويتم التعتيم على ذلك دولياً – “ت.ي.”)، أو أنها ستصبح أقوى الاقتصادات العالمية بعد بضعة أعوام ؟ أم أن تلك التوقعات ليست سوى لعبة أرقام ؟ يبدو أن أهم شيء هنا، ويهم جميع الدول في العالم، هو ماذا سيحدث لو تجاوزت الصين الولايات المتحدة من حيث حجم الاقتصاد الإجمالي في المستقبل؟
نحن كعرب على ثقة تامة بأن الصين التي اندفعت بخطوات واسعة لم يَسبق لها مثيل في تاريخ العالم، ستشهد خلال السنوات العشر القادمة ازدهاراً مُضاعفاً يَحمل بشائر تغيير عالمي في الفكر والسياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية.. كل هذا يحصل بفضل حكمة وشفافية وإخلاص الرفيق القائد “شي جين بينغ” والقيادة السياسية الملتفة من حوله والمتناغمة داخل الحزب الشيوعي الصيني، لكونها تستند إلى مفاهيم عميقة الجذور وبناؤها مكتمل للتفاني في خدمة الشعب والدولة ومن خلال تطوير آليات للرقابة والمحاسبة، التي لا تحمي الفاسدين والمُفسدين، مهما كانت درجاتهم الاجتماعية وسلطاتهم ومواقعهم الحكومية والحزبية.
…
*#تمام_محمد_يوسف: عضو مرشح لهيئة الإتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحلفاء) الصين، وصديقة قديمة للصين في فلسطين وناشطة فلسطينية.
تحية قلبية وحارة لفرع الضفة الغربية/ فلسطين للاتحاد الدولي.. مقالة مهمة وقوية..