مكافحة الفقر في الصين… تجربة مثالية وقيمة لحوكمة البلاد تفيد العالم العربي
“إنها إنجاز غير مسبوق وتجربة نموذجية لحوكمة الصين”، هكذا اتفق المجتمع الدولي عند حديثه عن مكافحة الفقر في الصين. ووفقا لتقرير الأهداف الإنمائية الألفية للأمم المتحدة، تجاوزت نسبة مساهمة الصين في تخفيض الفقر العالمي 75 في المائة.
فمنذ نهاية عام 2013، حينما وضع الرئيس الصيني شي جين بينغ جدولا شاملا لها، أحرزت البلاد تقدما هائلا مع انتشالها أكثر من 60 مليون شخص من الفقر، وهذا ما يعادل إجمالي عدد سكان دولة ما في العالم.
–أرقام وحقائق تبشر بنقلة نوعية صينية في مكافحة الفقر
في نوفمبر عام 2013، طرح الرئيس شي لأول مرة عند زيارته مقاطعة هونان بجنوب الصين نظرية “مكافحة الفقر بشكل دقيق” والتي أشار فيها إلى وضع مخطط خاص لكل فقير نظرا لاختلاف الحالات المعيشية للأفراد من أجل التخلص من الفقر بشكل تام، وهو ما يكشف بوضوح توجه العمل الخاص بمكافحة الفقر مستقبلا ويرسي أساسا متينا لتحقيق الهدف المتمثل في القضاء على الفقر المطلق وإنجاز بناء مجتمع رغيد العيش على نحو شامل في عام 2020.
ووفقا للإحصاءات المنشورة حديثا، ففي الأعوام الخمسة الماضية، تم انتشال ما يقرب من 68مليونا من السكان الفقراء من الفقر وخفض نسبة حدوث الفقر من 10.2 في المائة إلى 3.1 في المائة. ففي نهاية عام 2012، كان هناك في الصين قرابة 98.99 مليون شخص تحت خط الفقر، ونجحت الصين في نهاية العام الماضي في خفض هذا الرقم إلى ما يصل إلى نحو 20.46مليون، أي تم انتشال أكثر من 13 مليون شخص من الفقر كل سنة.
إضافة إلى ذلك، شهدت إيرادات السكان المقيمين في المناطق الريفية الفقيرة ارتفاعا بالغا، حيث تظهر الأرقام أن معدل الدخل المتاح لهم ازداد بنسبة 10.4 في المائة سنويا منذ بداية عام 2013 ليبلغ 9377 يوانا في عام 2017، وهو ما يعادل قرابة 4 دولارات يوميا ويفوق بكثير خط الفقر الذي يساوي 1.9 دولار يوميا وفقا لمعيار المجتمع الدولي.
وطوال الأعوام الخمسة الماضية، ظلت الصين تبذل جهودا حثيثة في مجال مكافحة الفقر كون هذه المكافحة تمثل حلقة هامة في إنجاز عملية بناء مجتمع رغيد العيش عام 2020، وهذه الجهود شكلت تجربة الصين المثالية الخاصة في حوكمة البلاد ونالت إشادة واسعة من المجتمع الدولي.
وتكمن أحد أهم خبرات هذه التجربة في الدقة في مجال مكافحة الفقر لكي لا يترك أحدا في هذه العملية. ووفقا لإحصاءات لم تكتمل بعد، تم إجراء جولات عديدة من عمليات إعادة الفحص والتصحيح لتحديد قائمة السكان الفقراء بشكل دقيق، ونجحت الحكومة الصينية في إدراج 10.5مليون شخص تحت خط الفقر في القائمة، وحذف 9.3 مليون من السكان الذين لم يستوفوا المعيار خارجها، وهذا ما يضمن عدالة ومساواة المجتمع والإدارة الفعالة لعملية المحاربة.
وتتمثل الخبرة الهامة الأخرى في مكافحة الأمية قبل مكافحة الفقر وبذل جهود لخلق فرص عمل بدلا من مجرد رصد المبالغ، وهذا من أجل ضمان خروج الفقراء من خط الفقر بشكل كامل وعدم العودة إليه مجددا. فتظهر بعض الأرقام أن عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات الرئيسية من المناطق الفقيرة شهد تزايدا ملحوظا خلال الأعوام الخمسة الماضية على التوالي، وقد بلغ عددهم في عام 2017 قرابة 100 ألف، بزيادة نسبتها 9.3 في المائة. إضافة إلى ذلك، وصلت نسبة البطالة في عام 2017 إلى قرابة 3.9 في المائة، لتشكل بذلك أدنى مستوى لها منذ 15 عاما.
— خبرات الصين المثالية تقدم نموذجا للعالم العربي
إن مكافحة الفقر في الصين لا تعد محط إشادة المجتمع الدولي فحسب، وإنما تقدم خبرات قيمة لبعض الدول العربية التي تتشابه مع الصين في الظروف الوطنية.
وفي هذا الصدد، ذكر محللون صينيون أن مصر على سبيل مثال تبذل جهودها الحثيثة لتخفيض الفقر في البلاد مع وضعها جدولا شاملا للقضاء على الفقر المطلق في عام 2030 وفقا لخطتها للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030 ” كونها دولة متشابهة الظروف مع الصين.
يذكر أن مصر تسعى إلى إقامة عدة مشاريع عملاقة في البلاد من أجل الحد من الفقر وتحسين معيشة الشعب وإنعاش الاقتصاد القومي، وعلى رأسها مشروع المثلث الذهبي في محيط منطقة صعيد مصر الذي من شأنه أن يساعد في دفع النمو الاقتصادي وتخفيف الفقر في محافظات مثل قنا وسوهاج والمنيا، ومشروع الفرافرة الذي يتضمن استصلاح 1.5مليون فدان بهدف تطوير الزراعة على طول نهر النيل، فضلا عن مشروع محور قناة السويس الذي يسعى إلى مساعدة البدو الفقراء على التخلص من المشقات المعيشية.
“إن الصين ومصر لديهما العديد من أوجه التشابه في الإجراءات المتعلقة بتنمية البلاد”، هكذا علق داي شياو تشي الخبير الصيني المخضرم في الشؤون العربية والمصرية، مستشهدا بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تجد توأمها في الصين وهي مدينة شنتشن بجنوب الصين فضلا عن العاصمة الإدارية الجديدة التي تتشابه مع منطقة شيونغآن بمحيط العاصمة بكين من أجل حل مشكلات المدن الكبرى.
وأضاف أن خبرات الصين في مكافحة الفقر تستحق الدراسة من مصر مع وضع الصين لجدول زمني للقضاء على الفقر عام 2020، وهو ما يقدم تجربة مبكرة وقيمة يمكن أن يتقاسمها البلدان العربية في هذا المجال.
واقترح قائلا إن خبرات الصين في مكافحة الفقر التي يمكن لمصر دراستها تتجسد بشكل رئيسي في مواصلة مكافحة الأمية وحل مشكلة البطالة باعتبارهما من أهم جذور الفقر، علاوة عن زيادة التمويل وتطوير المشاريع المتعلقة بهذا المجال.
“من المؤكد أن مصر حققت إنجازا إلى حد ما في هذين المجالين من خلال زيادة التمويل التعليمي وجذب الاستثمارات الأجنبية التي توفر المزيد من فرص العمل، إلا أن النسبة لا تزال مرتفعة نسبيا ويتطلب ذلك بذل مزيد من الجهود لوضع نسبة الأمية والبطالة في حيز معقول”، هكذا قال داي مشيرا إلى أن مصر نجحت في تخفيض نسبة الأمية إلى 25.8 في المائة ونسبة البطالة إلى 11.8 في المائة وفقا لأرقام صادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء حديثا.