تجربة إصلاح الريف الصيني.. حزبية رائدة

موقع الصين بعيون عربية ـ
تسنيم الفرا*

تحتفل الصين حالياً بالذكرى الأربعين المجيدة لبدء حركة الإصلاح والانفتاح العظيمة، والتي كان لها الفضل في نقل الصين نقلة ثانية كبيرة وعريضة نحو ذرى التقدم والازدهار، بعدما كانت الصين قد أسست بزعامة القائد المُحرّر ماوتسي تونغ، القاعدة المادية – التقنية الأولى، بعد إحراز التحرير والاستقلال من الأجنبي الاستعماري.

وخلال أربعة عقود فقط من عمر حركة الإصلاح والانفتاح، جرى تعميق الإصلاحات وفتحت البلاد أبوابها ونوافذها على أوسع نطاق أمام كل العالم، فنما الاقتصاد الوطني بأسرع الوتائر، ليصبح اليوم ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمُحرّك الأول للاقتصاد العالمي، والذي يُساهم بأكثر من 30 بالمئة من النمو العالمي العام.
في حقبة الحركة الاصلاحية والانفتاحية، شهدت الصين تغيّرات تاريخية وليس اقتصادية فقط، وكانت هذه غير مسبوقة في تاريخها الطويل، إذ شملت المجالات الوطنية التنموية الاقتصادية والاجتماعية كافة. وبهذه الحركة، تمكنت الصين من إنشاء البُنية التحتية الشاملة والصناعات الأساسية، ووصلت سفنها الفضائية إلى خارج المدارات الأرضية، ونالت شأناً وشاواً عظيماً في علوم الفضاء.

وتأكيداً على ذلك التقدم وضرورات انبلاج “الحركة” ومفاعيلها في لحظة تاريخية نادرة الحدوث، نوّه الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني “شي جين بينغ” مؤخراً،  إلى إن “الشعب الصيني يمكنه الآن القول بكل فخر، أن الإصلاح والانفتاح، يمكن تسميته “بالثورة الثانية للصين”، حيث أنه لم يغيّر البلاد بشكل عميق فحسب، بل أثّر على العالم بكليته بشكل كبير أيضاً”.

يرى الأمين العام “شي” أن الإصلاح والانفتاح لأربعة عقود قد قدّم الكثير من الإلهام القيّم والاكتشافات الفكرية الجديدة، مُضيفاً أن الأهم هو أنه يجب على أية دولة أو أمة، لتحقيق التجديد، أن تّتبع منطق التاريخ واتجاه العصر في سعيهم للتقدم والتنمية”، ومؤكداً في الوقت نفسه، أن الإصلاح والانفتاح الصيني يُلبّي تطلعات الشعب الصيني في التنمية والإبتكار، وتطلعه إلى حياة أفضل، كما أنه يُلبّي التوجّه العالمي للتنمية والتعاون والسلام .

وهكذا نلمس، أن مسؤولية استمرارية اندفاعة حركة الإصلاح والانفتاح بثوبها المتقدم حالياً، وشعاراتها المزدهرة راهناً، ونجاحاتها بعد أربعين عاماً، أصبحت واقعاً متمكناً ولا رجعة عنه، برغم التحديات الكبيرة التي باتت الصين تراقب تصاعدها من جانب الولايات المتحدة، ومحاولات واشنطن تقويض التطور الصيني وتفشيل الإصلاح والانفتاح الصيني، ومحاولة إعادته القهقرى إلى أوائل عهده. لكن القطار قد فات الأمريكان، فنجاح الصين بات يرتكز قبل كل شيء على النجاح في تطوير كل الريف الصيني بدون استثناء، القريب من العاصمة والبعيد عنها، وتلكم الأرياف التي تقع في أبعد نقطة حدودية، في الغرب. وقد وظّفت الدولة الصينية أموالاً فلكية في الريف، لجهة تطوير الأعمال والاستثمارات فيه، وتنمية قدرات القوميات الصغيرة ـ التي تعيش على الزراعة هناك ـ على الإنتاج وسد حاجاتهم المادية بأنفسهم، وفتح مجالات جديدة أمام الريفيين للاستثمار، كالحياكة وصناعات النسيج وتوظيف البيئة النباتية الغزيرة القدرات في هذا المجال.

ومن أجل تعزيز مسيرة الإصلاح والانفتاح، وتفشيل التحديات الخارجية والإجراءات غير العادلة بحق الصين، نقرأ في الأدبيات الصينية أن الحكومة وضعت هدفاً لنمو الناتج المحلي الإجمالي عند 6.5 في المئة. ولتحقيق هذا الهدف، من المتوقع أن تظهر سوق صينية مفتوحة بشكل واسع، مما يسمح للصين بجذب المزيد من المستثمرين الأجانب بالإضافة إلى الاندماج بشكل أفضل مع السوق الدولية.

وستفتح الصين أبوابها كذلك أمام المستثمرين الأجانب بشكل أوسع، وتعزّز عملية تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، وفقاً لما ذكر لي كه تشيانغ، رئيس مجلس الدولة الصيني عند تقديمه تقرير عمل الحكومة خلال الدورة الأولى للمجلس الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني الذي أنهى أعماله مؤخراً. وأضاف لي أن الصين ستفتح بشكل كامل قطاع التصنيع العام وتعمل على توسيع الطرق أمام الاستثمار الأجنبي في قطاعات مثل الخدمات المالية والاتصالات والخدمات الطبية، وستوسع الصين كذلك من فضاء الواردات وتعمل على تخفض التعريفات الجمركية على الواردات في هذا العام 2018. وسوف تجلب الدورة الأولى للمعرض الصيني الدولي للاستيراد الذي سيقام في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، المزيد من البضائع الأجنبية إلى الصين، وستبقى الصين بالتالي على تنوّع عناوين الاستهلاك في المجتمع الصيني والمنافسة العادلة.

الريف الصيني هيأ الظروف أولاً في 1978 لانبلاج حركة الإصلاح والانفتاح بزعامة المصلح الشهير دنغ شياو بنغ الذي اقتنع بضرورات هذه الحركة، فهناك بالذات بدأت العملية زراعياً وبالاعتماد على الأرض، لتوفير الطعام الكافي للسكان، والنجاح كذلك في إنجاز قوة الصين، من خلال الفلاح الصيني القوي وليس الفلاح الفقير أو الأًجَراء. ولهذا نقرأ في الشعار الرئيسي آنذاك التالي: ضرورة “الاعتماداً على مقولة “الصين لا يمكن أن تكون قوية ما دام الفلاح الصيني فقيراً”, حيث شهدت أهداف ثلاثون عاماً الأولى من الإصلاح الزراعي في الصين تقدّماً تدريجياً، مثّلت النظرة العلمية الثاقبة لنقل عملية الإصلاح والانفتاح بشكل هادىء، لكنه ثابت، ومنطلقاً من أساسات وقواعد، إلى أعلى.

وعملية إصلاح الريف يمكن تقسيمها إلى ثلاث مراحل بحسب  المصادر الصينية ذات الصلة:

1/المرحلة الأولى: كانت تهدف إلى تعبئة النشاط الإنتاجي لدى المزارعين، إذ أثبتت الثورة والتنمية الصينية أن الريف والفلاحين مصدر القوة الرئيسية للإصلاح والتنمية، وكان الاعتماد على تلبية متطلبات المزارعين المتعلقة بالأراضي نقطة تحول لإخراج قوة الثورة الكامنة في الريف والريفيين.

ويُعد منح الحقوق وسيلة فعّالة لاستغلال القدرات الثرية لدى المزارعين، وقد كان النمو السريع للمنتجات الريفية في بداية الإصلاح نتيجة لمنح المزارعين حقوق الإدارة المستقلة للاراضي.

2/المرحلة الثانية: تأسيس نظام اقتصاد للسوق. إن “إصلاح توجيه السوق” هو أحد العوامل الرئيسية في التنمية السريعة التي حققتها الزراعة الصينية.

3/المرحلة الثالثة: وجود آلية لنظام يَجمع المدينة والريف ككيان متكامل، كانت الإجراءات المحددة لتلك المرحلة هي تحقيق المساواة في الخدمات العامة والأساسية في المدن والريف، ومن ثم التخلص من الفوارق في معدلات المردود بين الصناعات المختلفة، والفوارق في التطور بين المناطق وبعضها وبين المدن والقرى، والتخلص بأقصى سرعة من الفوارق في إمدادات السلع العامة والرعاية الاجتماعية بين القرى والمدن وبين المناطق المختلفة.

إن عملية التغيير والإصلاح شملت منذ البداية خطين رئيسيين واضحين هما:

1/ ابتكار الأنظمة؛ 2/تنمية السوق.

كما أن عملية تحوّل اقتصاد الزراعة والريف إلى نمط السوق، تكمن في عملية التحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الحديثة، الأمر الذي جعل تجربة إصلاح الريف تجربة “نفيسة” للغاية، حيث أنها لم تقف عند مغزى الإستمرارية الذي حملته تلك التجربة اتجاه الإصلاح المتقدم لاقتصاد الريف فحسب، بل حملت أيضاً مغزى مهماً لإصلاح مجالات الإقتصاد القومي الأخرى وإصلاح المدن.

كما أشارت الإحصاءات الى أنه قبل الإصلاح والانفتاح، كان عدد الفقراء 250 مليون في أرياف الصين. وبعد 30 سنة مضت ، شهد مستوى معيشة المواطنين الصينيين تحسّناً مَلحوظاً. فقد ازداد معدل نصيب الفرد من الدخل فى عام 2007 في المدن والبلدات الصينية 6.5 أضعاف مقارنة مع عام 1978 . وازداد معدل نصيب الفرد من الدخل للفلاحين 6.3 أضعاف .

لقد زرت منطقة قويتشو الريفية الصينية ضمن برنامج زيارتي للصين في إطار اتحادنا الدولي، وأود هنا أن أشهد على عظمتها ودقة تطورها ضمن الخطط البعيدة المدى، في كل المناحي، وتلبية الحزب الشيوعي الصيني مطالب وحاجات السكان هناك، وسهولة العلاقات وانسيابيتها ما بين المواطنين هناك والقوميات وقيادة الحزب في المناطق والأرياف والقرى والنقاط السكانية الضعيفة القدرات، بحيث تُنمّىَ مناطقهم الى أقصى حد، لتصبح جاذبة من خارجها، فتتهيأ أجواء جديدة لمداخيل تُغني السكان بتنوّع مصادر الدخل، وللحديث بقية في مقالات مقبلة.

لكن خير ما أختم به هذه المقالة، هو تصريح “هوانغ لي هوي”، نائب بالمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، الذي أكد أن سياسة الإصلاح والإنفتاح خلقت معجزات في الصين.. ولم تحفز الاقتصاد الصيني فحسب، بل عزّزت أيضاً العلاقات بين الصين والعالم، وضخّت الحيوية في التنمية الاجتماعية للبلاد .

…

ـ #تسنيم_ابراهيم_الفرا: شاعرة وكاتبة وناشطة في هيئة الاتحاد الدولي للصحفيين و#الكتّاب #العرب #أصدقاء #الصين.