بسام الخياطي، ممثل تونسي على عتبة النجومية في السينما الصينية
صحيفة الشعب اليومية أون لاين ـ الصين
د. وليد عبد الله:
أسهم النجاح الكبير الذي حققته سينما الحركة الصينية في الربع الأخير من القرن الماضي، خاصة مع النجمين بروسلي وجاكي شان، في نشر رياضة الكونغ فو في مختلف أنحاء العالم. حيث أقبل الشباب من مختلف الدول على تعلم هذا الفن القتالي، وبات القدوم إلى الصين حلما يراود كل محبّ لرياضة الكونغ فو. ممثل الحركة التونسي، بسام الخياطي الذي يعيش في الصين منذ أكثر من 10 سنوات، كان أحد الشبان الذين وقعوا في حب الكونغ فو من خلال أفلام الحركة الصينية. فقرر أن يتعلّم هذا الفن القتالي الصيني، ثم السفر إلى الصين.
بدأ بسام تعلّم الكونغ فو في سن السادسة عشر بتونس، حيث تدرّب 4 سنوات، حصل خلالها على الحزام الأحمر. وفي عام 2007 سافر إلى الصين لتعلم الكونغ فو في موطنه الأصلي، حيث إلتحق بمدرسة “شايونغ فاي” لتعليم فنون الووشو بمقاطعة خهبي، وحصل فيها على الدرجة الثالثة (الدان الثالثة) في الكونغ فو.
بعد عودة قصيرة إلى تونس، رجع بسام مجددا إلى الصين ليعمل ويستقر. لم يوفق في البداية في الجمع بين الهواية والعمل، فعمل في بعض المطاعم العربية ببكين، لكن بعد أن علم الزبائن العرب بأنه مدرب كونغ فو، طلبوا منه تعليم أبنائهم هذا الفن القتالي. وإلى جانب تلاميذه العرب، نال بسام إعجاب الصينيين أيضا، فأقبلوا عليه للتعلّم. وهكذا دخل عالم مسابقات الفنون القتالية في الصين، وقاد فريقه لإحراز ميداليتين ذهبيتين وفضيتين.
مثلما كانت السينما في البداية طريق بسام إلى ساحات الفنون القتالية، أصبح الكونغ فو لاحقا النافذة التي أدخلت بسام عالم السينما.
بدأ بسام تجربته السينمائية كمؤدي حركات خطرة بدلا عن الشخصيات البطلة، لكن سرعان ماجذبت مهارته القتالية وسرعة تعلمه للتمثيل إهتمام المخرجين، فأسندوا له في البداية بعض الأدوار الثانوية. حيث خاض عدة تجارب مع السينما الصينية والأمريكية والروسية، ومثّل إلى جانب نجوم عالميين في سينما الحركة، مثل جاكي شان، وأرنولد شوينيزينغر وبروس ويليس وغيرهم.
قريبا، سيصدر لبسام فيلمين يلعب فيهما دورين رئيسيين. كما يعكف في الوقت الحالي على تصوير فيلم حركة بتايلند يلعب فيه الدور الرئيسي إلى جانب ممثل الحركة الصيني المشهور هونغ جين باو.
يرى بسام أن عمله مع الصينيين قد منحه تجربة ثرية، حيث شجعه زملاؤه الصينيون ومنحوه الفرصة لتطوير مواهبه السينمائية. وإلى جانب دوره كممثل، يعمل بسام خلف الكاميرا في إخراج الحركات القتالية.
يقول بسام، إن أكثر ما تعلّمه من عمله مع الممثلين الصينيين، هو الإنضباط والحماس والمثابرة. وهوما يحفّزه على بذل كل ما في طاقته أثناء التصوير، ” ذات مرة، جرحت في حاجبي أثناء التصوير، لكنني واصلت العمل حتى السادسة صباحا، وكان زملائي الصينيون يشجعونني ويحفزونني على الإستمرار”، يقول بسام متحدثا عن صعوبات العمل السينمائي.
مع تطور تجربته السينمائية وإكتسابه المزيد من الخبرات والمهارات، أصبح بسام الآن يطمح إلى لعب دور البطولة، إلى جانب إختيار القصة المناسبة وتنويع أدواره في الأفلام الضخمة. ولتجسيد هذا الطموح على أرض الواقع، بدأ بسام مؤخرا التحضير لفيلم خاص.
مثل الكثير من أبناء جيله، كان بسام منذ طفولته مولعا بمشاهدة أفلام جاكي شان، ولم يتوقع حينها بأنه سيمثّل يوما ما مع نجمه المفضل. ” لقد دهشت حينما إلتقيته أول مرة، لأنه كان مثلي الأعلى منذ طفولتي”، يقول بسام.
مثّل بسام مع جاكي شان 6 أفلام، على غرار فيلم “شفرة التنين”، الذي أدى أدوار بطولته إلى جانب جاكي شان، كل من أدريان برودي وجون كوزاك. ويروي بسام، بأنه دخل هذا الفيلم في البداية كمؤدي حركات خطرة، لكن جاكي شان رشّحه للعب دور جنرال روماني. كما عمل مع فريق جاكي شان في تصوير فيلم “كونغ فو يوغا”، وعدة أفلام أخرى.
يقول بسام عن جاكي شان، بأنه مثابر ويتعب كثيرا أثناء التصوير، ورغم أنه ممازح ولطيف، لكنه في ذات الوقت منضبط وجدي في العمل. كما يقول بأن جاكي شان لا يغفل أي شيء أثناء التصوير، بما في ذلك جمع القوارير البلاستيكية الفارغة ورميها في سلّة المهملات. ويضيف “جاكي يحب فريقه كثيرا، هو يشجعنا دائما ويعاملنا بتواضع، ويمثل لنا القدوة في النجاح”.
العمل مع جاكي شان وغيره من نجوم السينما الكبار، أعطى بسام مزيدا من الثقة ليصبح هو أيضا نجما عالميا يوما ما. ” عرفت من عملي أن لا شيء مستحيل! من خلال المثابرة والإصرار يمكن أن نصل إلى ما نريد، هذا ما تعلمته من نجوم السينما العالميين، وقد زرعوا لديّ الإرادة وحب النجاح.”
شهدت أفلام الحركة الصينية في الربع الأخير من القرن الماضي رواجا عالميا واسعا، خاصة مع النجمين بروسلي وجاكي شان. ويرى بسام بأن أفلام الحركة الصينية هي التي أخرجت السينما الصينية إلى العالمية. حيث نجحت أفلام الكونغ فو في تلك الفترة بفضل طرق التصوير المختلفة وحركات الكونغ فو المثيرة والثراء الثقافي الذي يميز هذا الفن القتالي ومدارس الكونغ فو الصينية العريقة والمتنوعة.
يُرجع بسام شهرة أفلام الحركة الصينية في القرن الماضي أساسا إلى كل من بروس لي وجاكي شان. حيث يقول بأن بروس لي كان أسطورة في الكونغ فو وأفلام الحركة، وكان يتمتع بحركات سريعة ونظرات ثاقبة وشخصية قوية وجذابة تثير الهوس بالتقليد. أما جاكي فكان مختلفا، حيث إستطاع أن يجد لنفسه أسلوبا مغايرا لبروس لي، ونجح في الأدوار التي تجمع بين الهزل والحركات الخطيرة، التي كان يؤديها بشكل حقيقي.
من جهة ثانية، يرى بسام أن نجاح سينما الحركة الصينية خلال القرن الماضي يعود أيضا إلى الحاضنة الثقافية لرياضة الكونغ فو، فهذا الفن ليس مجرّد حركات قتالية فحسب، بل أسلوب فني يعبر عن فلسفة وأخلاق وإحترام بين الناس. “هذا ما تعلمته حينما كنت أتدرب الكونغ فو، فهو ليس مجرد قتال. وإنما أيضا تربية نفسية وروحية، تجعلك مختلفا نوعا ما. وهذا ما كان ينقص سينما الحركة العالمية في تلك الفترة.”
بالمقارنة مع أفلام الكونغ فو الصينية، يرى بسام أن فن الحركة في أفلام هوليود غالبا ما يكون بسيطا ومتكررا، إلى جانب إستعمال الأسلحة والملاكمة، بينما تتميز حركات الكونغ فو بالثراء والتنوع. “لذا كانت أفلام الحركة الصينية في تلك الفترة، تعطي للمشاهد شعورا مختلفا وثقافة مختلفة، وهذا ما جعل الناس في مختلف أنحاء العالم ينبهرون بالسينما الصينية في تلك الفترة. مثلا، جاكي كان يمثّل بشكل حقيقي، وكان يتحمل أضرار الحركات الخطيرة التي يؤديها، وهذا له دور في حب الناس للسينما الصينية أيضا،” يقول بسام.
بعد الشهرة الواسعة التي حققتها أفلام الحركة الصينية في الربع الأخير من القرن الماضي، تراجع إشعاعها بشكل ملفت للنظر في الوقت الحالي، ولم تعد أفلام الكونغ فو الصينية تحظى بنفس الإقبال من المشاهدين في العالم. وهنا، يرى بسام وجود إختلاف واضح بين أفلام الكونغ فو الصينية الحالية والأفلام القديمة، حيث تحولت الحركات القتالية في الأفلام الحالية إلى مجرد حركات إستعراضية، يتم تحضيرها لتصوير مشاهد السينما فقط. بينما كانت أفلام الكونغ فو القديمة تحتوي على قتال شرس وحركات حقيقية، ويرى بأن هذا التغيير قد أثّر على جودة وشعبية أفلام الحركة الصينية.
طريقة إختيار الممثلين، هي إحدى العوامل الأخرى التي يعيد لها بسام مسؤولية تراجع مكانة أفلام الكونغ فو الصينية في سوق السينما العالمية. “أدوار الحركة الآن، يؤديها ممثلون غير مختصون في الحركة. يتم إختيارهم وفقا لمقاييس المظهر والوسامة أو مقاييس لا علاقة لها بالكونغ فو. في حين كان الممثلون في السابق محترفون في القتال الحقيقي.”
غير أن بسام يعتقد بأن أفلام الحركة في الصين من الممكن أن تحقق قفزة جديدة في ظل تجارب التعاون الدولي، خاصة مع سينما هوليود.
بعد إكتسابه تجربة جيدة في رياضة الكونغ فو والسينما في الصين. بات بسام الآن يطمح إلى دفع التعاون بين تونس والصين في مجال السينما، حيث يسعى إلى تصوير فيلم مشترك تونسي صيني أو عربي صيني. كما يرغب أيضا في التعريف ببلده تونس من خلال السينما، ” السينما يمكن أن تكون نافذة للتعريف بتونس في الصين، لأنها آداة مهمة في مجال التبادل الثقافي بين البلدان، وتمتلك تأثيرا كبيرا.”
من جهة ثانية، يأمل بسام أن يرى مزيدا من التعاون العربي الصيني في مجال السينما. حيث يرى بأن السينما العربية يمكن أن تستفيد من السينما الصينية في تطوير سينما الحركة من خلال تصوير أعمال مشتركة. كما يرى بأن التعاون في مجال السينما بين العالم العربي والصين يمكن أن يدفع بالتعاون في مجالات أخرى. “فيلم “عملية البحر الأحمر” الذي عرض في بداية العام الحالي، تم تصويره في المغرب، ولا شك في أن هذا الفيلم سيؤثر بشكل إيجابي في التعاون والتبادل بين الصين والمغرب.” ويضيف بسام قائلا: ” أطمح إلى تصوير أفلام مشتركة بين الصين والدول العربية، لكن هذا عمل ضخم، لا أستطيع القيام به بمفردي ودون دعم من الأطراف الأخرى.”