زيارة ميركل الى مدينة شنتشن الصينية رسالة ذات مغزى ودلالات
صحيفة الشعب الصينية ـ
ترجمة وتحرير/ د.فايزة سعيد كاب:
تقوم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بزيارة رسمية إلى الصين يومي الخميس والجمعة تلبية لدعوة رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ، وتعتبر الزيارة الـ 11 التي تقوم بها ميركل منذ توليها منصبها، ويقال إنها أكثر المسؤولين الغربيين زيارة الى الصين، ما يدل على الاهمية الكبيرة التي تعلقها على العلاقات الصينية ـ الالمانية، لكن برنامج زيارتها الاخيرة يختلف عن الماضي في نقطتين مهمتين، أولا، لم يشمل توقيع اتفاقية تجارية ضخمة الحجم، ثانيا، زيارة شنتشن.
عادة ما يتم تفسير توقيع اتفاقيات تجارية ضخمة على أنها المحتوى الموضوعي للعلاقات الثنائية بين بلدين، وعلامة على نجاح بعض الزيارات الرسمية. وفي العلاقات الاقتصادية الوثيقة جدا بين الصين وألمانيا، عادة ما يكون توقيع الاتفاقيات برنامجا معتادا برغماتيا تهتم به وسائل الاعلام بشكل خاص. لكن، عدم توقيع اتفاقيات خلال هذه الزيارة اعطى انطباعا أن العلاقات الصينية ـ الالمانية تجاوزت العلاقات البرغماتية المختصة بالمعاملات التجارية وارتفع فحوى مناقشات المبادئ الاستراتيجية الى مكانة بارزة. وتولي الصين وألمانيا المزيد من الاهتمام بالقضايا الاستراتيجية العالمية في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من النظام الدولي الحالي.
يعتقد جيانغ فانغ، باحث في جامعة الدراسات الدولية بشنغهاي، أن فهم هذه المسؤولية من المنظور الاستراتيجي بحاجة الى التغلب على النوايا والتدابير الانتهازية، على سبيل المثال، لا يمكن حساب المكاسب والخسائر الخاصة، ولا يمكن استخدام كل الوسائل الممكنة للضغط على الاخرين في مواجهة ضغوطات الحمائية التجارية الامريكية. وكانت في أوروبا حسابات مماثلة، وقلق من أن تقوم الصين وإيران بمزيد من الاعمال بعد توقيع الاتفاقية النووية الإيرانية، وحاولت جاهدة لتحقيق التوازن والنظر الى القضية التي تهم الوضع الأمني الإقليمي والاوروبي بأنها مجرد مصلحة بيع وشراء دون أي حكم استراتيجي، لكن بعد قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاقية، استيقظت أوروبا سعيا اليوم الى التعاون مع جميع الأطراف للحفاظ على استمرار سريان الاتفاقية النووية الإيرانية على نحو فعال.
يقال عن الصين: “إذا أردت رؤية تاريخ الصين توجه إلى شانشي، رؤية حاضرها توجه إلى شنغهاي، أما مستقبلها فهي شنتشن”. ويعتقد جيانغ فانغ أن زيارة ميركل الى شنتشن له مغزى كبير جدا، حيث تعتبر شنتشن مكانا تتجمع فيه شركات التكنولوجيا الفائقة الصينية منها والعالمية، وغنية بمجالات الابتكار الحيوية. كما أصبحت ألمانيا ترى ” التكنولوجيا العالية ” كلمة حساسة في العلاقات الألمانية ـ الصينية في السنوات الأخيرة، نتج عن ذلك مطالبة وسائل الاعلام ومراكز الفكر تقييد صوت الصين ومنها من سرقة التكنولوجيا، كما قامت الحكومة الألمانية بصياغة او التخمين في إجراءات لتقييد دخول الشركات الصينية أيضا.
وتجدر الإشارة الى أن الصين بعد عقود من الإصلاح والانفتاح أحرزت تقدمًا هائلاً في مجال العلوم والتكنولوجيا وأنشأت العديد من شركات التكنولوجيا المتقدمة شكلت سلسلة صناعية عالية التقنية تتجذر في الصين وتتكامل على الصعيد الدولي، ما يجعل الصين بالفعل دولة ذات تقنية عالية ومساهمة هامة في العلوم والتكنولوجيا العالمية. وتظهر دراسة المانية أن الصين تحتل المرة الثانية عالميا بعد ألمانيا وتسبق اليابان والولايات المتحدة من حيث الابتكار في صناعة السيارات. وفي الوقت نفسه، يجب أن نعلم أن الانفتاح والتطبيق أساس الحيوية التكنولوجيا، وبدون دعم السوق سيتم القضاء عليها وفقدانها.
لا تزال التكنولوجيا العالية تتركز بشكل رئيسي في الولايات المتحدة في إطار التقسيم الصناعي العالمي الحالي. وقال جيانغ فانغ، أن “حادثة ZTE” لم تخلق صعوبات شديدة للشركات الصينية فحسب، وإنما ناقوس الخطر الذي يخيف الشركات الالمانية أيضا، حيث أن قطع الولايات المتحدة السلع على ألمانيا سيخلق صعوبات أمام تنفيذ الحكومة الالمانية خطة رقمنة المعلومات التي روجت اليها بقوة مؤخرا، ولا يمكن لألمانيا الاستغناء عن الرقائق الإلكترونية الامريكية. بالإضافة الى ذلك، يعي الأوروبيون أن معظم المنصات وشركات الانترنت الأكثر تأثيرا في المانيا وأوروبا هي في ايدي الولايات المتحدة. وأن قطع الولايات المتحدة لـ ” الرقائق الالكترونية” يفقد الثقة العالمية في التقسيم الصناعي العالمي الحالي. ويعتبر تأسيس ثقة استراتيجية متبادلة بين الصين والمانيا في ظل التعاون المفتوح بينهما تحدي ومسؤولية مشتركة لرجال الاعمال والسياسيين.
هناك نوعان من الأصوات المحيطة بميركل، أحدهما ينادي بالحرس من التهديدات الصينية، والآخر ينادي بتعزيز التعاون مع الصين باعتبارها فرصة تاريخية لا تتكرر. ويبقى السؤال .. ميركل تسمع أي صوت؟ يعتقد جيانغ فانغ أن الجواب عن هذا السؤال ليس بسيطا في ظل الوضع العالمي المعقد للغاية والقابل للتغيير، والعلاقات الصينية ـ الألمانية الغنية والمتشابكة. وأن الملاحظ هو أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تزور الصين للمرة الـ11 خلال فترة ولايته، ولديها موقفها واجابتها على الحكم في العلاقات الصينية ـ الألمانية، والمفتاح هو امكانية جلب هذه العلاقة منافع لكلا البلدين لزيادة رفاهية الشعبين، وجلب الاستقرار والازدهار والسلام للعالم في ظل تحول العالم اليوم بشكل متزايد نحو مجتمع مصير مشترك للبشرية.