رأي صيني: ماذا تستفيد روسيا من اللعب في الشرق الأوسط؟
صحيفة الشعب الصينية ـ
ترجمة وتحرير/ د. فايزة سعيد كاب:
جذب الشرق الاوسط اهتمام العالم مرة اخرى خلال شهر مايو الجاري، حيث شهدت المنطقة احداثا مختلفة من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني الى نقل السفارة الامريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس أدت الى مأساة. وتعتبر الولايات المتحدة بقيادة ترامب القوة الدافعة وراء هذه الفوضى، لكن المستفيد الأكبر في الوقت الحالي هو المنافس ـــــــــــــــــ روسيا في عهد بوتين.
إعادة فرض العقوبات على إيران تعود بالمنفعة الاقتصادية على موسكو
يعتقد بي هونغ يي، باحث بمركز أبحاث آسيا الوسطى بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية في تعليق نشر بصحيفة “وين خوي” أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووي الإيرانية سيساهم في تقوية التعاون الشامل بين إيران وروسيا، حيث تحاولان اليوم الدفع بنمط التعاون “4 + 1” (روسيا، الصين، الاتحاد الاوروبي يمثله فرنسا وألمانيا، المملكة المتحدة + إيران) لضمان استمرار سريان الاتفاق النووي الايراني.
كما ان تسريع إيران من شراء الأسلحة والمعدات من روسيا، لا يعني أن الأخيرة تكسب شريكا موثوقا في الشرق الاوسط فحسب، وإنما فائدة اقتصادية ضخمة لها ايضا. كما أن انسحاب الشركات الاوروبية من إيران سيجلب فرصا تجارية ضخمة للشركات الروسية في مجالات الطاقة والطيران المدني، ويمكن لطائرة “CR929″ الروسية الصينية أن تكون بديلا. علاوة على ذلك، تعمل روسيا وإيران على التسريع في بناء نظام دفع ثلاثي، والانتقال الى استخدام العملة المحلية في التبادل التجاري. وما ينبغي تذكيره أيضا هو توقيع إيران والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي (EAEU) الأسبوع الماضي اتفاقا مؤقتا حول إنشاء منطقة تجارة حرة، ومن المتوقع أن يتم التوصل الى اتفاق دائم لمنطقة تجارة حرة في غضون ثلاث سنوات.
ويعتقد بي هونغ يي أن ارتفاع أسعار النفط العالمية حدثا محتملا بعد إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، ما يعني ” أرباح ” إضافية لروسيا. واستفادة من ارتفاع اسعار النفط، حققت روسيا في الربع الأول من هذا العام أول فائض في ميزانيتها منذ عام 2011. ويفضي الانتعاش في أسعار النفط الدولية الى حالة الاقتصاد الكلي في روسيا، وهذا جيد للغاية ومناسب طموحات بوتين.
التناقض عبر المحيط الأطلسي يوفر فرصًا للعلاقات الروسية ـ الأوروبية
يرى بي هونغ يي أن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووي الإيرانية وسّع التناقضات والاختلافات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وخلق فرصا موضوعية للتقارب الروسي الاوروبي الذي سيساعد على تخفيف تدهور العلاقات الثنائية الناجمة عن القضية الاوكرانية وحادثة تسمم الجاسوس.
وقد زارت المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روسيا على التوالي في الوقت الذي يشهد فيه الصراع عبر المحيط الاطلسي تصعيدا، ما يظهر علامات كسر الجليد في العلاقات الروسية الاوروبية. وأن تجاهل ميركل لتحذير الولايات المتحدة ومواصلة التوافق في الآراء مع بوتين في مشروع “تيار الشمال 2” بلا شك سيوسع الفوارق بين الولايات المتحدة وأوروبا، ومع ذلك، وفرت فرصة لإصلاح العلاقات التالفة بين روسيا واوروبا، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
نقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس يزيد من التأثير الروسي في الشرق الاوسط
يشهد الصراع الاسرائيلي الايراني تصعيدا بعد اعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاقية النووية الإيرانية، كما قد تنضم المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المستقبل أيضا، ما يزيد صعوبة السيطرة على حجم الصراع. وفي الوقت نفسه، اثار نقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس موجة من الغضب في الشرق الاوسط، وفقدت الولايات المتحدة مصداقيتها كوسيط للسلام في الشرق الاوسط. حيث صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان علنا بأن الولايات المتحدة لم تعد مناسبة للعمل كوسيط في الشرق الأوسط. كما أعلنت منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية على التوالي أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا للمصالحة الفلسطينية الإسرائيلية.
يعتقد بي هونغ يي أن المشاركة الروسية القوية في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وروسيا في السنوات الأخيرة وموقفها المعتدل نسبيا تجاه تحقيق السلام بين فلسطين وإسرائيل ترك انطباعا جيدا لدى شعوب الشرق الأوسط يفوق الولايات المتحدة. ووفقا لموقع Axios الإخباري الأمريكي، اظهر استطلاع للوكالة العامة يستهدف الشباب العربي في وقت سابق من هذا العام، أن أكثر من 50٪ من الناس ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها خصم، وحوالي 30٪ منهم فقط يعتبرون حليف. في حين، أن نفس الاستطلاع اجري في عام 2016، أكثر من 60٪ من من شملهم الاستطلاع يعتبرون الولايات المتحدة حليفًا، ونسبة المعارضين ما يزيد قليلا عن 30 ٪. ويعتقد بي هونغ يي أن الانعكاس بشكل كبير في البيانات خلال عامين فقط له علاقة مباشرة بسياسة ترامب في الشرق الاوسط. وفي نفس الوقت، باتت روسيا أكثر نشاطا في الشرق الاوسط، ولديها علاقات بشؤون المنطقة وتعاون جيد مع دول الشرق الأوسط، منها المملكة العربية السعودية، مصر والدول العربية الأخرى، وكذلك إيران وتركيا وإسرائيل ودول أخرى.
ودعت روسيا مرارا أطراف القضية الايرانية الى ممارسة ضبط النفس، وحل المشكلة من خلال الحوار. وزار رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الخارجية الإيراني موسكو واحدا تلو الآخر، ما يبين اهمية موقف روسيا في المواجهة بين الجانبين. كما أن علاقات روسيا مع كلا طرفي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي جيدة بموقفها المحايد والخبرة التاريخية، ما يجعل روسيا الخيار الوحيد للتوسط في الحد من الصراع بعد التخلي التلقائي للولايات المتحدة من هذه المسؤولية.
ومالا يمكن انكاره هو الدور المرن والايجابي الذي تلعبه روسيا في منطقة الشرق الاوسط حاليا، وأن ترامب يستحق الشكر.