في الصين: الإسلام دين للوسطية والاعتدال
موقع الصين بعيون عربية ـ
عبد القادر خليل*:
الصين دولة كبرى في العالم، تتميز بعدد سكانها الكبير وحضارتها العريقة وتقدّمها المُذهل، وبتعدد الثقافات القومية المنسجمة ضمن ثقافة الشعب الواحد، والديانات العديدة، ومن بين هذه نجد الإسلام الذي دخل إلى الصين في القرن السابع الميلادي وانتشر في ربوعها وبخاصة الغربية منها.
توفّر الدولة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي الصيني حرية الاعتقاد الديني لمواطنيها وتبيحها لهم وبالتساوي في الحقوق والواجبات، مما يوفر للمسلمين في الصين حياة عادية وانسجاماً ووئاماً مع باقي أبناء الشعب الصيني، حتى وإن كانت نسبتهم قليلة من إجمالي تعداد الصين.
وفي ظل سياسة الإصلاح والانفتاح التي بادرت إليها الصين منذ أربعة عقود، نرى تجسّد التناغم والعيش المشترك بين قوميات الصين، التي يعتنق أصحابها أدياناً مختلفة، وهنا تبرز وسطية الإسلام واعتداله في الحياة الرغيدة التي ينعم بها هؤلاء المسلمون في مختلف أنحاء الصين.
وأود أن أقف هنا قليلاً عند تجربتي الشخصية في هذا المجال، حيث زرت قبل سنوات مدينة شيآن الأثرية العريقة، شمالي غرب الصين، وعاصمة منطقة شآنسي، ولمست الحياة الجميلة والهادئة والتعايش المشترك والمتناغم بين المسلمين الصينيين وغير المسلمين، ورأيت بأم عيني الاحترام الذي يكنّه الجميع لأهل الكتاب والديانات السماوية، ودلفت إلى المسجد الكبير بهذه المدينة التي يعود تاريخ بنائها إلى ألفي سنة، ولفت انتباهي كيف يدخل السياح الصينيون والأجانب إليه بكل احترام وإجلال، وأخذت صوراً تذكارية مع بعض المسلمين الصينيين هناك بكل حرية.
وتقول المراجع الصينية، إن المسجد الكبير في شيآن هو من أهم وأبرز المعالم الإسلامية الكبيرة في الصين، حيث بُنِيَ في عهد أسرة تانغ (دانغ) الملكية، وهو أحد أكبر المساجد المعاصرة، ويجمع المسجد بين الفن المعماري الصيني التقليدي والفن المعماري الإسلامي.
بعد الدخول من البوابة الرئيسية للمسجد تواجهك بوابة خشبية مقنطرة تعلوها قمة مزججة، وفي المسجد برج قمته مبنية بالقرميد المزجج، وبه ثلاث بوابات مزخرفة بأحجار على شكل زهور، وفي المسجد قاعة تسجل تطور تاريخ الإسلام في مقاطعة شانسي، حيث يوجد على جدرانها بلاط مدون عليه حساب التقويم الزمني العربي”. وفي مركز فناء المسجد توجد مئذنة مكونة من خمسة طوابق، وإلى الجنوب من المئذنة تتوافر قاعة استقبال لكبار الزوار، تضم بعض التحف الأثرية، وفي المسجد أربع منصات تذكارية تسجل أحداث بناء المسجد وإعادة بنائه بأوامر إمبراطورية. وتغطي قاعة الصلاة مساحة 300متر مربع، وتتسع الى ألف مصلٍ، وجدران القاعة مزخرفة بآيات قرآنية منقوشة على الخشب، والقاعة هي أكبر بناية في المسجد(1).
وفي مكان غير بعيد من المسجد نجد حي المسلمين، حيث يستشعر الزائر حياة المسلمين في يومياتهم، أطعمتهم الصحية والحلال واللذيذة، لباسهم وعاداتهم وتقاليدهم وغيرها.
وأنوّه هنا إلى أن الأطعمة الإسلامية لذيذة جداً، سواء تناولتها في بيوت المسلمين الصينيين، أو داخل المطاعم الإسلامية المنتشرة في أرجاء المدينة، أو في العديد من المدن الصينية، وبخاصة في العاصمة بكين.
كما وأؤكد هنا على أن الصين تولي أهمية بالغة للتعليم، بما في ذلك التعليم الإسلامي الذي ينقسم إلى ثلاث مراحل، الأولى هي المرحلة الإبتدائية ويقتصر التعليم فيها على المدارس القرآنية المتعلقة بالمساجد، وحيث يتلقى الطلاب فيها دروساً في مبادئ اللغة العربية والقرآن الكريم.
والثانية هي المرحلة المتوسطة التي يدرس فيها الطلاب مبادئ النحو والبلاغة، وبعض العلوم الدينية من الحديث والتفسير، ومنهج هذه المرحلة في حاجة إلى تعديل . أما الثالثة وهي المرحلة العليا، ففيها يتلقى الطلاب علوم الفقه، والتفسير، والتوحيد، وبعض العلوم الأخرى، وهدفها تخريج دعاة ومدرّسين.
ومُلاحظة لا بد من ذكرها هنا، وهي أن المظاهر والسلوكيات الإسلامية في الصين لا تختلف عن غيرها في مختلف البقاع الإسلامية في العالم، وتتجلى في الأخوّة والتسامح والتآزر والتضامن، العدالة وأعمال البِر والإحسان التي تتضاعف خلال شهر رمضان الكريم والمناسبات الدينية كل عام.
وتسعى الحكومة الصينية جاهدةً للحفاظ على وسطية الإسلام واعتدال المسلمين، وبالإسلام وسوياً مع الصين وحزبها يتولّد أمل حقيقي لانبثاق عالم جديد ملؤه السلام والازدهار.
*#عبدالقادر_خليل: كاتب ورئيس مجموعات الجزائر للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين، وخريج الإتحاد السوفييتي، ورئيس رابطة أصدقاء الصين بالجزائر، وصديق قديم ومتابع لإذاعة الصين الدوليةCRI، وناشط بقراءة وتوزيع مجلة “الصين اليوم” منذ عشرات السنين، ومستمع ثابت للقناة العربية لتلفزيون الصين المركزىCCTV.
ـ المراجع:(1) من مقالتي المنشورة في وكالة الانباء الاردنية الرسمية بترا http://petra.gov.jo/Public_News/Nws_NewsDetails.aspx?lang=1&site_id=2&NewsID=111621&Type=P
(2) صحيفة الشعب الصينية: http://arabic.people.com.cn/102673/204726/204776/7783708.html