“روح شانغهاى” تساعد على بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك لأعضاء منظمة شانغهاى للتعاون
من المتوقع أن يبحث القادة في القمة الـ18المقبلة لمنظمة شانغهاى للتعاون في الصين تنفيذ “روح شانغهاى” وآفاق وجود مجتمع ذي مستقبل مشترك يقود إلى الرخاء المشترك للدول الأعضاء .
وسيجتمع قادة الدول الأعضاء في مدينة تشنيغداو الساحلية السياحية بمقاطعة شاندونغ شرقي الصين بهدف تعزيز الدعم السياسي والحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي وتعزيز التعاون الاقتصادي وكذلك توسيع التبادلات الشعبية.
وتأسست منظمة شانغهاى للتعاون قبل قرابة 17عاما بهدف مبدئي هو معالجة القضايا الأمنية الإقليمية. وتطورت الكتلة التي تضم الآن الصين وقازاقستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيسكتان وأوزباكستان والهند وباكستان إلى منظمة شاملة ذات تأثير دولي متزايد.
— دعم روح شانغهاى
وفي عالم يكتنفه اليوم تغيرات عميقة بوتيرة سريعة وعدم يقين في ازدياد، توصلت منظمة شانغهاى للتعاون إلى إدراك الحاجة الملحة للدول الأعضاء للتمسك بالمبادئ الإرشادية للمنظمة والتي تتجلى في ما يعرف بـ”روح شانغهاى”.
وتجسد “روح شانغهاى” الثقة المتبادلة والمنافع المتبادلة والمساواة والمشاورات واحترام التنوع الثقافي فضلا عن السعي نحو تحقيق التنمية المشتركة.
وفي اجتماعه مع مجموعة من وزراء خارجية من الدول الأعضاء في منظمة شانغهاى للتعاون في إبريل الماضي، دعا الرئيس الصين شي جين بينغ الدول الأعضاء إلى البقاء على إخلاصها لتطلعاتها الأساسية وإلى دعم “روح شانغهاى” بقوة وإلى إطلاق العنان لمزاياها، فضلا عن الإطلاق الكامل لإمكانيات توسع المنظمة والمضي قدما في التعاون الشامل.
ورحبت منظمة شانغهاى للتعاون خلال قمتها عام 2017 في أستانة بقازاقستان بقبول الهند وباكستان ومنحهما العضوية الكاملة.
ومع انضمام الهند وباكستان، فإن الدول الثماني الأعضاء في منظمة شانغهاى للتعاون تمثل الآن نسبة 60 فى المائة من مساحة أوراسيا، ونصف سكان العالم تقريبا وأكثر من 20 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي.
وقال شي إن الصين على أهبة الاستعداد للعمل مع دول المنظمة الأخرى للاستمرار في دعم بعضها البعض سياسيا، وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة، وإقامة ترتيبات مؤسسية للتعاون الاقتصادي الإقليمي على نحو تدريجي، وتوسيع التبادلات الشعبية والتعاون الثقافي.
وفي نفس الاجتماع مع وزراء الخارجية، وصف عضو مجلس الدولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي “روح شانغهاى” بأنها السبب الأساسي وراء استمرار نمو منظمة شانغهاى للتعاون”.
ودعا إلى اغتنام القمة المقبلة كفرصة لمراجعة روح شانغهاى وتعزيز التضامن والثقة المتبادلة والتعاون الشامل وإقامة مجتمع أوثق ذي مستقبل مشترك.
وقال أناتولي كليمنكو، خبير الجغرافيا السياسية بمعهد الشرق الأقصى التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، إن “الحاجة إلى حلول متعددة (للقضايا العالمية) واضحة تماما”.
وأضاف كليمنكو:” كما يقول الصينيون رقص التانغو يحتاج إلى شخصين”، مؤكدا على أهمية الحوار لحل المشكلات المعقدة، مضيفا أن” المواقف الأحادية قد تنتهي بمواجهات”.
وردا على دعوة شي لإضفاء الطابع المؤسسي على التعاون الاقتصادي الإقليمي داخل منظمة شانغهاى للتعاون، اقترح الخبير إقامة هياكل معينة لصنع القرار لتمكسن الكتلة من العمل في قطاعات مختلفة بما في ذلك السياسة والاقتصاد والدفاع والقضايا الإنسانية.
وقال كليمنكو” في البداية كان ينظر إلى منظمة شانغهاى للتعاون كنادي لبحث قضايا معينة”، مضيفا أن هذا التصور قد أدى إلى “موقف علمي” يتقاسمه الخبراء الروس والصينيون، يركز على إعادة هيكلة منظمة شانغهاى للتعاون” لإضفاء الشكل وتنفيذ القرارات التي تتخذ”.
— حماية الأمن والاستقرار
وعلى الرغم من إثراء محتوى التعاون داخل منظمة شانغهاى للتعاون ليشمل تعزيز التنمية الاقتصادية وتوثيق العلاقات بين المواطنين العاديين في الدول الأعضاء، تبقى معالجة القضايا الأمنية الإقليمية وتوسيع التعاون الدفاعي دعامة مهمة لمهام الكتلة.
ومنذ تأسيسها، جعلت منظمة شانغهاى للتعاون الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة أولوية، وتوسيعها من شأنه أن يضخ المزيد من الإمكانات في المنظمة لخدمة التعاون الأمني. وفي الوقت نفسه، ستتحمل منظمة شانغهاى للتعاون مسؤوليات أكبر وتحمل توقعات أكبر للشعوب في المنطقة وحول العالم أيضا.
وعلى خلفية الأمن الإقليمي الذي لا يزال يواجه تحديات من قبل “قوى الشر الثلاث “، المتمثلة في الإرهاب والتطرف والانفصالية وكذلك تجارة المخدرات والجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، دعا شي في لقاء مع مسؤولين أمنيين كبار من دول منظمة شانغهاى للتعاون في بكين إلى” التحلي باليقظة، والتفكير الهادئ، والحكم الدقيق، والرد المناسب” في مواجهة الطوارئ.
وبين عامي 2013 و2017، أحبطت الدول الأعضاء في منظمة شانغهاى للتعاون معا أكثر من 600 حالة من الأنشطة الاجرامية التي تحمل بصمات الإرهاب، ودمرت أكثر من 500 مركز تدريب للميليشيات المسلحة، وألقت القبض على حوالي 2000 عضو بتنظيمات إرهابية دولية، وصادرت حوالي 1000 جهاز متفجر ذاتي الصنع، وأكثر من 50 طنا من المواد المنفجرة، وأكثر من 10 آلاف قطعة سلاح ومليون طلقة، وفقا لما ذكر إيفيجيني سيسويف مدير لجنة مكافحة الإرهاب للكتلة.
وفي مقابلة حصرية مع وكالة ((شينخوا)) في أوائل مايو، قال سيسويف إن الدول الأعضاء أغلقت أكثر من 100 ألف موقع الكتروني في عامي 2016 و2017، مضيفا أن هذه المواقع نشرت أكثر من 4 ملايين قطعة من المعلومات تدعو إلى الإرهاب والتطرف.
وبخصوص جبهة مكافحة الإرهاب الدولية، فإن إحدى المهام الملحة لمنظمة شانغهاى للتعاون تتمثل في مواصلة القتال ضد مسلحي تنظيم الدولة (داعش)، الذين عادوا بعد هزيمة التنظيم المتطرف في سوريا والعراق إلى بلادهم الأصلية وبعضها دول أعضاء بمنظمة شانغهاى للتعاون أو تحمل صفة مراقب.
وقال كليمنكو إن منظمة شانغهاى للتعاون” يتعين أن تكون قادرة على الدفاع عن المشاركين فيها وخصوصا أن الوضع يزداد تعقيدا”.
وأضاف” لدينا أفغانستان بجوارنا، يتحرك إليها مسلحو تنظيم الدولة من الشرق الأوسط ويركزون على شمال الدولة القريب من حدود منظمة شانغهاى للتعاون”، مشيرا إلى أن أفغانستان أصبحت دولة مراقبة بالمنظمة في 2012.
ومقدرا عدد التدريبات العسكرية مثل تدريبات ” مهمة الباسيفيك” التي تعقد كل سنتين على أساس متعدد الأطراف داخل منظمة شانغهاى للتعاون، قال كليمنكو إن” جميع الوحدات العسكرية تعد نفسها للدفاع عن مجال منظمة شانغهاى للتعاون”.
— التعاون الاقتصادي لتسهيل مبادرة الحزام والطريق
وبعد مضي 17 عاما على وجودها، يمكن القول إن منظمة شانغهاى للتعاون قد دخلت مرحلة المراهقة. وتتميز عملية النضج هذه جزئيا بعزم الكتلة على الانخراط في التعاون الاقتصادي وتحقيق الازدهار المشترك، وهو اجماع اتفقت عليه كافة الدول الأعضاء التي تزداد قوة كل عام.
ولتحقيق هذا الهدف، أصبحت مبادرة الحزام والطريق منصة رئيسية محتملة للبعد الاقتصادي لمنظمة شانغهاى للتعاون. وتهدف المبادرة التي اقترحتها الصين في 2013 إلى تحسين الترابط الداخلي في جميع أنحاء العالم وتعزيز الروابط التجارية العالمية من خلال مشاريع بنيوية.
ويشير الاسم الكامل للمبادرة” الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21 ” إلى الإطار الذي يحتوي على مكون بري يمتد على طول طريق الحرير القديم وكذلك مسار بحري يربط بين المحيطين الهادي والهندي. ومن المتوقع أن يربط الجزءان معا آسيا وأوروبا وإفريقيا.
ومن شأن تعميق التعاون الاقتصادي داخل منظمة شانغهاى للتعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق أن يجود بنتائج خاصة في ضوء أن كل الأطراف المنخرطة في المنظمة تقع في القارة الأوراسية وفي ضوء ما تحمله المشاريع المتعلقة بالدول الأعضاء في منظمة شانغهاى للتعاون من أهمية خاصة في إطار مبادرة الحزام والطريق.
خذ الحديقة الصناعية الصينية- البيلاروسية كمثال، فهي تعد أكبر مشروع استثماري أجنبي في بيلاروس– وهي دولة مراقبة في منظمة شانغهاى للتعاون أيضا– كما تعد مشروعا تعاونيا مهما بين الصين وبيلاروس في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وفي ضوء موقعها في التقاطع بين الاتحاد الأوراسي للجمارك والاتحاد الأوروبي ، تنظر بيلاروس إلى الحديقة الصناعية كمشروع استراتيجي يمنح الأمل للتنمية الاقتصادية المستقبلية للدولة والاستعداد لتوثيق العلاقات بين السوقين النشيطين.
وعندما زار نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان بيلاروس بين 27 و29 مايو، قال الرئيس البيلاروسي إلكسندر لوكاشينكو إن بلاده مستعدة للعمل مع الصين لمواءمة استراتيجياتهما التنموية وتحويل الحديقة الصناعية الصينية-البيلاروسية إلى لؤلؤة على الحزام الاقتصادي لطريق الحرير.
وتتمركز 34 شركة في الحديقة الصناعية حتى الآن تمثل 8 دول هي الصين وبيلاروس وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا والنمسا وليتوانيا وإسرائيل، الأمر الذي يجعل من الحديقة محورا للأعمال متعدد الجنسيات.
وتخطط الحديقة الآن إلى التعاون مع شركة” دويسبيرغر هافن أيه جي” الألمانية التي تدير ميناء دويسبرغ لإنشاء خط سكة حديد يربط مباشرة الحديقة بخطوط السكك الحديدية القائمة بين الصين وأوروبا، والتي توفر خدمات الشحن لتلبية الاحتياجات المتزايدة للجانبين.