مشاهدات حول أوضاع المسلمين في أنحاء الصين
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمود ريا:
ليس للوجود الإسلامي مركز واحد في الصين، وإنما تتوزع إشعاعاته على مساحات واسعة من “المملكة الوسطى”، تاركةً في كل مكان أثراً مميزاً وتاريخاً من التبادل الثقافي والحضاري بين الأمتين الإسلامية والصينية.
لا أدّعي أنني زرت كل الأماكن في الصين، فما زال أمامي الكثير من الكنوز التي ينبغي أن أكتشفها في طول الصين وعرضها. ولكن في كل مكان زرته وجدتُ أثراً لهذا التلاقح بين الحضارتين، وهو أثر مميز، لافت، ومحمي بقوة وإصرار من قبل السلطات الصينية، سواء كانت السلطات المركزية، أو سلطات المقاطعات والمحافظات والبلدات والمناطق ذات الحكم الذاتي وغيرها.
في بكين تعرفت على مسجد نيوجيه وشارع نيوجيه الإسلامي، كما أكلت في المطعم الإسلامي على مدخل معبد السماء، فكانت تجربة رائعة، تعرفت فيها على تقاليد وعادات المسلمين في العاصمة الصينية.
كما زرت في بكين مبنى الجمعية الإسلامية الصينية، حيث تدار الأنشطة الإسلامية في مختلف أنحاء الصين، وشاهدت مدى الحرص على التفاعل بين المسلمين الصينيين في ما بينهم، بالرغم من انتمائهم إلى أكثر من عشر قوميات مختلفة، وكذلك التفاعل مع المسلمين من مختلف انحاء العالم.
وفي مدينة شي آن في مقاطعة شآنشي كانت جولتي واسعة في شارع المسلمين الجميل والمخصص للمشاة، وتعرفت على المدرسة الإسلامية التي يتعلم فيها الطلاب المنهاج الرسمي الصيني مع إضافة بعض المواد المتعلقة بالدين الإسلامي، والتقيت المعلمة المتحمسة فاطمة، التي كانت مسرورة في التعرف على مسلمين من الجانب الآخر من العالم.
وشي آن، التي توصف بأنها أول مدينة صينية دخلها المسلمون، تضم المسجد الكبير، وهو المسجد الأقدم والأضخم في كل الصين. مساحات واسعة وخضراء، مباني على الطراز الإسلامي المطعّم بالروح الصينية، قاعة صلاة رئيسية مكتوب على جدرانها القرآن بكامله، واستقبال بحفاوة كبيرة من المسلمين المحليين، سواء من أبناء المدينة نفسها أم من الزوار القادمين من مختلف أنحاء البلاد لزيارة هذا المسجد الذي يحمل رمزية خاصة لدى المسلمين الصينيين. وقد صلّيت هناك ركعتين كانت دقائقهما من أكثر اللحظات خشوعاً في حياتي.
وفي شي آن أيضاً شاهدت السوق الذي يشبه أسواق مدننا العربية في دمشق والقاهرة وغيرها من المدن العريقة، وهو سوق يحمل عبق التاريخ ورائحة الماضي البعيد.
وشاهدت مساجد المسلمين في لانتشو في مقاطعة غانسو، وفي دونهوانغ في المقاطعة نفسها، حيث تضم الأسواق الشعبية عشرات المحلات التي تقدم الأطعمة الإسلامية للمواطنين المسلمين.
الزيارات الأكثر تأثيراً في نفسي هي تلك التي قمت بها في مقاطعة شينجيانغ، حيث التقيت بالمسلمين من قومية الويغور ومن القوميات الأخرى في المنطقة، وتعرفت عليهم بشكل شخصي، واطّلعت على طبيعة حياتهم ودخلت إلى منازلهم.
في شانشان شاهدت منازل المواطنين في قرية أعيد تجديد بنائها، لتكون مثالاً لكل القرى الإسلامية في المنطقة، وفي طوربان أكلت من الخبز المصنوع في التنور، تماماً كما هي الحال في بلادنا، ولكن الخبز هناك له موقع خاص في حياة المواطنين وله طرق مختلفة لتحضيره، لتكون طعمته هي الأشهى في ما ذقته في حياتي.
أما في أورومتشي عاصمة المقاطعة فقد زرت معهد التعليم الإسلامي، حيث يتم تخريج الأئمة، وتحدثت مع مدير المركز عن الحملة الظالمة التي تشنها وسائل الإعلام الغربية ـ وبعض الوسائل الإعلامية العربية للأسف ـ على الصين بزعم إساءتها للمسلمين. وكان جوابه دعوة للتجول في أرجاء المركز والتعرف على النشاطات التي يقوم بها، والإطلاع على كيفية تعليم الدين الإسلامي وتدريس القرآن لأجيال عديدة من الأئمة الجدد، وذلك كي يقدموا الخدمات الدينية المتكاملة للمسلمين في مختلف أنحاء المقاطعة التي تبلغ مساحتها حوالي خُمس مساحة الصين كلها.
ومرة أخرى في سوق أوروموتشي، شاهدت الطرقات الضيقة المتشعبة، والتي تصطف على جانبيها المحلات التي تبيع مختلف انواع البضائع التقليدية وثمار والمأكولات، لأعيش من جديد أجواء منطقتنا كما هي تماماً.
وفي كل أنحاء أورومتشي وغيرها من مدن المقاطعة شاهدت اللافتات باللغة الويغورية واستمعت إلى السكان يستخدمون هذه اللغة في حياتهم اليومية، وتجولت في أسواقهم وأكلت من طعامهم الطيّب وشاهدت مدى انسجامهم مع محيطهم الصيني.
وأما كاشغر فلها قصة أخرى، قصة سأكتبها في يوم من الأيام وأحكي فيها عن التاريخ المجسّد أمام أعيننا، بمساجدها وحواريها ومنازلها القديمة والمرممة، والتي تحكي عن مدينة ناهضة شامخة تحدّث بقصة تاريخ يحافظ عليه الجميع بكل حب.
ليس هذا كل ما شاهدته في الصين من قصص المسلمين ونجاحاتهم وانخراطهم في الحياة العامة واهتمام الدولة بهم، بل هي عيّنات أقدّم من خلالها شهادتي الشخصية في علاقة عميقة بين الأفراد والقوميات من أجل نهضة الصين، كل الصين، دون تمييز بين عرق وقومية ودين.