الأولوية لأمريكا وسياسة خلق الأعداء في استراتيجية ترامب
بقلم / سونغ وي، أستاذ العلاقات الدولية وباحث في معهد دراسات التنمية والاستراتيجية الوطني بجامعة الشعب الصينية
يبدو أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب كان معزولا في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، حيث ظهر في أحد الصور الواسعة الانتشار جالسا على كرسي بوجه عبوس في محادثات مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون. وقال ترامب وهو في طريقه الى سنغافورة للاجتماع مع كيم جونغ أون، انه قد أمر ممثل الولايات المتحدة بالانسحاب من البيان المشترك، وإن رئيس وزراء كندا، جاستن ترودو غير نزيه ومنافق، ما يبين سقوط مجموعة السبع في أخطر انقسام منذ إنشائها.
زعم ترامب بعد وصوله السلطة أن الولايات المتحدة تعرضت لخسائر كثيرة في التجارة الحرة، وأن الدول الاخرى تعامل الولايات المتحدة على أنها بنك احتياط، وهذا ليس عدلا، ولا يجب لمثل هذه الايام أن تعود ابدا. ولهذه الغاية، هدد ترامب بالانسحاب من منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية وأعادت التفاوض مع كندا والمكسيك، وأطلق تحقيقا تجاريا “301” بشأن الصين، وتهديد بفرض تعريفات عقابية على بضائع بقيمة 50 مليار و100 مليار دولار إضافية، وفي التعامل مع الاتحاد الاوروبي، هدد ايضا بفرض رسومات عقابية بنسبة 25٪ و10٪ على الصلب والألمنيوم، وفشل في التوصل الى اتفاق بعد اعفاء اثنين، أعلنت رسميا انها ستفرض الرسوم الجمركية على الاتحاد الاوروبي ابتداءا من 1 يونيو. وقد أعرب الاتحاد الاوروبي عن استيائه الشديد. أما اليابان، فلم تمنحها الولايات المتحدة الاعفاء، ويمكن تصور عدم الرضا عند اليابان.
واجه ترامب ضغوطات هائلة من حلفائه في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع. وتظهر النتائج أن ترامب لا يزال مصر على تصرفاته الأحادية مثل ممارسة عقوبات تجارية أحادية الجانب، الحمائية التجارية وخلق الاعداء وغيره، بالرغم من الانتقادات والاتهامات التي يواجهها في المجتمع الدولي، فمن اين جاء بهذه الجرأة، هل هذا سببه الجهل والغرور فقط؟ يخشى انه ليس بهذه البساطة.
يجب أن ندرك أن تدابير ترامب جاءت ردا على اجراءات “غير عادلة” للدول الاخرى ضد المنتجات الامريكية. ويمكن أن نأخذ التجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي كمثال. في عام 2017، بلغ الفائض التجاري للاتحاد الاوروبي مع الولايات المتحدة 120 مليار دولار. وتعتبر المنتجات الزراعية هي واحدة من المنتجات الرئيسية التي تصدرها الولايات المتحدة، وتعتبر التعريفات الزراعية والاعانات الزراعية للاتحاد الاوروبي عالية للغاية. وعلى الرغم من ان متوسط معدل التعريفة الجمركية للولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي متساوية وتبلغ حوالي 1.6٪. لكن، الحواجز غير الجمركية في الاتحاد الاوروبي أكثر خطورة من الولايات المتحدة. واتهم ترامب كندا بانها تفرض تعريفة بنسبة 270٪ على منتجات الألبان الأمريكية. لذلك، عندما يتهم ترامب الدول الاخرى للحماية التجارية يجب التفكير في الادعاءات التي قدمها.
ثانيا، السبب في اصرار ترامب على القيام بعمله الخاص هو عدم التكافؤ المتبادل بين الولايات المتحدة والقوى الكبرى الاخرى. من ناحية، يعد خوض حرب تجارية خسارة في السوق لبلدان اخرى، وارتفاع التكاليف الصناعية وتكلفة العيشة للناس بالنسبة للولايات المتحدة. وعلى النقيض من ذلك، من الواضح أن الولايات المتحدة تعاني اقل من غيرها من البلدان الاخرى، ومن ناحية أخرى، باستطاعة حلفاء الولايات المتحدة مواجهة سياسة ترامب التجارية، لكنهم يعتمدون عليها لأسباب سياسية وأمنية. ويمكن اخذ اليابان كمثال، فرغم عدم رضى اليابان عن لامبالاة ترامب، لكنها دائما ما تمارس الضغط على نفسها. أما أوروبا واليابان، يأملان تقديم بعض التنازلات لكسب تفاهم ترامب.
أخيرا، ترامب يتعامل مع حلفائه بلا رحمة ولا خوف من تنفيرهم وتخريب علاقات الصداقة، وهذا مرتبط مع استراتيجيته، فبالنسبة له الحفاظ عل الهيمنة الامريكية وتوطيدها هي المصلحة الوطنية الشاملة للولايات المتحدة، وسحق كل شيء. وفي ظل تقديم تسهيلات لحلفائها، ستحافظ الولايات المتحدة على صداقاتها ومكانتها، ولكنها ستستمر في الضعف في الصناعة
وتزيد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وعلى المدى الطويل، ستهز هيمنة الولايات المتحدة. لذلك، فإن موقف ترامب واضح للغاية فقد انتهى عهد استغلال الولايات المتحدة المهيمن الطيب، ودخول حقبة الأولوية لمصالح للولايات المتحدة.
بالطبع، قد لا تكون أفكار ترامب واقعية. ويظهر اختيار حرب تجارية بدلا من بناء قواعد دولية أكثر ملاءمة لمصالحه قيود ترامب أيضًا.