العلاقات الصينية الأردنية في إطار التعاون الصيني العربي
صحيفة الرأي الأردنية ـ
بان ويفانغ*:
تضرب جذور التبادلات الودية بين الصين والدول العربية في أعماق التاريخ، وقد ساهم طريق الحرير البري والبحري القديم في التواصل العميق بين الأمتين الصينية والعربية. في عام 2004، تأسس منتدى التعاون الصيني العربي الذي صار إطارا للتعاون الجماعي ويشمل مجالات عديدة وتنبثق عنه أكثر من 10 آليات. كما لعب منتدى التعاون الصيني العربي دورا متزايد الأهمية في تعزيز التعاون الاستراتيجي بين الصين والدول العربية في القرن الحادي والعشرين. وفي حزيران عام 2014، القى الرئيس الصيني شي جينبينغ خطابا مهما خلال حفل الافتتاح للاجتماع الوزاري السادس للمنتدى، مشيرا إلى ان الجانبين الصيني العربي شركاء طبيعيون ودعا للتشارك الصيني العربي في بناء ”حزام طريق الحرير الاقتصادي وطريق حرير القرن الحادي العشرين البحري“ وانشاء نمط جديد للتعاون الصيني العربي.
ومنذ تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي ولا سيما منذ أن أطلقت الصين مبادرة ”الحزام والطريق“، تمكن الجانبان من إنشاء آلية الحوار السياسي الاستراتيجي من أجل تعزيز الزيارات الدبلوماسية المتكررة بين رؤساء الدول والتبادلات الوثيقة رفيعة المستوى. والتزم الجانبان بمفهوم التعاون القائم على الاحترام والثقة المتبادلة ودعم الحقوق والمصالح الحوهرية. قد حقق التعاون الصيني العربي تقدما كبيرا وإنجازات ملموسة في مختلف المجالات، وإن بناء ”الحزام والطريق“ والتقارب الاستراتيجي بين الصين والدول العربي يتقدمان سريعا.
يواصل الجانبان استكشاف وتعميق التعاون المشترك للبناء ”الحزام والطريق“ لتشكيل إطار تعاون «1+2+3» الذي طرح من الرئيس شي حينبيغ في كلمته في الاجتماع الوزاري السادس للمنتدى عام 2014. «1» يمثل اتخاذ التعاون في مجال الطاقة كالقاعدة الأساسية ويمثل «2» اتخاذ مجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين لتعزيز التعاون الصيني العربي. أما «3» فيقصد بالارتقاء بمستوى التعاون العملي الصيني العربي في 3 مجالات الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة. إن التعاون الجماعي بين الصيني والدول العربية أصبح مثالا حيا للعلاقات بين البلدان النامية والتعاون الجنوبي الجنوبي.
وفي يوم الـ 10 من تموز عام 2018، سينعقد الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني العربي في بكين، وسيستعرض وانغ يي مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني وأيمن الصفدي وزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني وأمين عام جامعة الدول العربية مع وزراء الخارجية والممثلين من الدول العربية الأخرى انجازات التعاون الصيني العربي التى تحققت خلال السنوات الماضية وسيستشرف المستقبل للتعاون الصيني العربي وتطوير المنتدى في المرحلة القادمة. وفضلا عن ذلك، سيتبادل الجانبان وجهات النظر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك كالقضية الفلسطينية وغيرها. أن الصين ستعزّز بنشاط التعاون الدولي في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، وتعمل على تحقيق «تناسق السياسات وترابط المنشآت وسلاسة القنوات التجارية وتداول الأموال وتفاهم الشعوب»، نأمل أن يعمل الجانبان الصيني والعربي على التشارك في بناء «الحزام والطريق» تحت مظلة منتدى التعاون الصيني العربي وتعميق علاقات التعاون الاستراتيجي باستمرار وتأليف صفحات جديدة للصداقة بينهما.
يعتبر التعاون الصيني الأردني جزءا مهما من التعاون الجماعي الصيني العربي، وتمثل إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية الأردنية التي أعلن عنها فخامة الرئيس شي جينبينغ مع جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين مشتركا في شهر ايلول من العام 2015، علامة فارقة في العلاقات الثنائية.
حاليا، تمر كل من الصين والأردن بمرحلة حاسمة للتنمية، تحت رعاية قادة البلدين وتوجيهاتهم، قد أثمرت العلاقات الثنائية بين الصين والأردن ثمارا جالية وازدهر التعاون التنموي بين البلدين في كافة المجالات، وازداد التفاهم والثقة المتبادلة بين بلدينا باستمرار. وإننا على يقين أن التعاون الواسع بين الدولتين سيحرز منجزات أعظم في المستقبل.
وصادف العام الماضي الذكرى السنوية الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين والأردن. تمّ تبادل برقيات التهنئة بين قيادتي البلدين ووزيري الخارجية من كلا البلدين لإحياء الذكرى ، وقام نائب رئيس مجلس الدولة الصيني السيدة ليو يان دونغ، ونائب رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني السيد تشيانغ با بونتسوغ، ووزير الخارجية الصيني السيد وانغ يى بزيارة للأردن، كما كان وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي ووزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني عماد فاخوري يزوران إلى الصين. وتم إصدار كتاب ((نحن وأنتم… قصص الصين والأردن)) باللغتين الصينية والعربية، عقدت اجتماعات الدورة السابعة للجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني بين الحكومتين، والتي تمخّض عنها التوقيع على سلسلة من وثائق التعاون لاستفادة الجانب الأردني من المنح الصينية لتمويل مشاريع تنموية في الأردن.
ومن أجل تخفيف الأعباء الملقاة على كاهل الجانب الأردني نتيجة استضافة اللاجئين السوريين، لقد قدم الجانب الصيني المساعدات الإنسانية الطارئة للأردن بقيمة 130 مليون يوان صيني بشكل مباشر، بالإضافة إلى تقديم مساعدات طارئة بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي والمنظمة الدولية للهجرة وغيرهما من المنظمات الدولية.
وقدمت خلال هذا العام 5 ملايين دولار أميركي بشكل مساعدات غذائية عاجلة للأسر الفقيرة واللاجئين السوريين في الاردن. وتلتزم الصين بتطبيق منح للأردن في عملية تمويل وتنفيذ المشاريع التنموية مثل مشروع نظام كاميرات المراقبة للأمن العام، وتقديم منحة للمرحلة الثانية لمشروع تطوير وتوسيع شبكة تزويد المياه في الرصيفة الذي استفاد منه اكثر من 300 الف شخص، وكذلك ما يجري الآن مثل مشروع تطوير طريق السلط العارضة، وتوفير أجهزة فحص جمركية ومعدات للدفاع المدني وقطع غيار اجهزة مياه وري. أصبحت الصين أكبر دولة مانحة للبرامج التدريبية للأردن حيث بلغ العدد التراكمي للمشاركين الأردنيين الذين تم إيفادهم لتلقي التدريب في الصين ضمن برامج التدريب المتعددة الأطراف والثنائية حوالي 1800 نسمة.
في ظل تشارك الدول العربية مع الصين في مبادرة بناء «الحزام والطريق»، تدخل استثمارات الصين إلى الأردن بخطوات كبيرة. ما يستحق الذكر أنه في العام الماضي قد تم الإغلاق المالي لشركة عطارات للطاقة لمشروع توليد الكهرباء بواسطة الحرق المباشر للصخر الزيتي في الأردن، وبدأت أعمال البناء والإنشاء له. فإن الصين هي أكبر مستثمر وممول والمنشئ الرئيسي لهذا المشروع الضخم. ويقدر الخبراء انه سيوفّر حوالي 5500 فرصة للعمل محليا . في المشروع الضخم الآخر، وقد تم إحالة عطاء توليد الطاقة من النفايات الصلبة في عمان الى شركة صينية وسيتم تنفيذه بتمويل قيمته 160 مليون دولار، وهو استثمار صيني لمدة 25 سنة. وأيضا شاهدنا غيرها من الاستثمارات الصينية في منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة والمصانع الموجودة في اربد والكرك والمفرق وسحاب، من ضمنها مصانع ألبسة وحديد وغيرها من الصناعات، مما يجعل حجم العمالة الأردنية في الشركات الصينية العاملة في الأردن ما يزيد على 10 الاف موظف. وقد تم إدراج شركة جرش لصناعة الملابس والأزياء عاملة بالأردن بالاستثمار الصيني في بورصة «ناسداك» الأميركية، إضافة إلى ذلك، يبحث الجانبان الصيني والأردني حاليًا في مشاريع السكك الحديدية والطاقة المتجددة بالإضافة إلى مشاريع المياه وخطّ أنابيب النفط والطاقة النووية وغيرها من المشاريع الكبيرة المهمة.
وتتكثف التبادلات الإنسانية والتواصلات التعليمية بين البلدين يوما بعد يوم. كما أن عدد المنح الدراسية التي تقدمها الحكومة الصينية للجانب الأردني يستمر في تزايد؛ إن مشروع المركز الثقافي الصيني في الأردن في مجرى التأسيس، وعدد السياح الصينيين إلى الأردن ما يناهز 60 الف نسمة عام 2017.
يملؤنا الأمل والثقة كلما استشرفنا مستقبل العلاقات الصينية العربية وخاصة العلاقات الصينية الأردنية. وسنعمل على تحقيق تطوّر أكبر وتقدّم أعظم للعلاقات الصينية الأردنية بما يعود بالخير على الجانبين دولةً وشعبًا.
*سفير جمهورية الصين الشعبية في الأردن