منتدى التعاون العربي الصيني .. حلقة تواصل بين الحضارتين
موقع الصين بعيون عربية ـ
سناء كليش*:
يقول مَثل صيني قديم، إن “الذين يتقاسمون الأهداف لا تفصلهم الجبال”.. هي فكرة رسّخها الصينيون على أرض الواقع منذ 2000 عام باطلاق طريق الحرير، وفتح سُبل التواصل مع العالم، متجاوزين القيود الجغرافية والثقافية والعرقية، وتطورت عبر مبادرة “الطريق والحزام” التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ سنة 2013
ويتنزّل ضمن حلقات التواصل بين الحضارتين الصينية والعربية، منتدى التعاون الصيني العربي الذي تأسس في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة في جانفي/ كانون الثاني/ يناير 2004، بالإعلان الصيني العربي المشترك، ومثّل منذ حوالي 14 عاماّ منبراً للحوار المشترك والتشاور المستمر وفضاءً للتعاون الُمثمر بين الصين والدول العربية، وساهم في تسهيل التعاون والتواصل بين الصين وهذه الدول بشكل عام.
وحول موضوع «التشارك في بناء الحزام والطريق، وتحفيز التنمية السلمية ودفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية في العصر الحديث»، تم تنظيم الدورة الثامنة لمنتدى التعاون العربي الصيني بداية من يوم 10 جويلية/ تموز/ يوليو 2018، وافتتحها فخامة رئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ، بحضور ممثلي 21 دولة عربية، من رؤساء وزارء خارجية ومسؤولين رفيعي المستوى، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية .
وألقى الرئيس “شي” خطاباً في افتتاح أشغال المنتدى، قدّم خلاله مقترحات جديدة للدفع بالتعاون الصيني العربي إلى ذرى أوسع وأعظم بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ الصينيين والعرب منذ ألفي سنة على أقل تحديد، وستؤدي إقتراحات التعاون الشيجينبينغية بشأن مبادرة الحزام والطريق بين الصين والبلدان العربية، إلى تطوير هو الأوسع في كل المجالات، وتعزيز دور الصين في القضايا العربية إيجابياً، مع إحترام سيادة واستقلالية هذه البلدان وقضاياها الداخلية وعلاقاتها الدولية وطبيعتها السياسية، وتعزيز العلاقات الصينية الفلسطينية، وتقديم مساعدات فعّالة لشعب فلسطين العربي.
وأكد الرئيس “ِشي” على أن فلسطين تدعم العلاقات مع الصين، وبالتالي ترغب الصين أيضاً بتطوير علاقاتها بفلسطين، وبخاصة أيضاً لجهة استعادة مبادراتها السلمية لحقل القضية الفلسطينية، والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
ووفق ما أفاد به مسؤولون حكوميون صينيون في تصريحات إعلامية، تركزت أشغال المنتدى على تبنّي عدد من الوثائق، بما في ذلك إعلان بكين وخطة العمل 2018/2020 التي تشمل أكثر من 10 مجالات تعاون، والتى ستحدّد معالم خارطة الطريق الواضحة لبناء مشترك لمبادرة الحزام والطريق في المستقبل.
وقد تمكّن منتدى التعاون العربي الصيني رغم قصر عمره مقارنة بالتاريخ العريق للعلاقات الصينية العربية، من تحقيق العديد من الانجازات الهامة في مجالات مختلفة، جعلت من الصين اليوم ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، وأكبر شريك تجاري لعشر دول منها.
ففي عام 2004 كان حجم التجارة بين الصين والدول العربية 36.7 مليار دولار أمريكي، عند تأسيس منتدى التعاون الصيني العربي، إلا أنه ارتفع إلى 191.3 مليار دولار أمريكي في عام 2017، بزيادة 11.9 بالمائة على أساس سنوي. وبلغ تدفق الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية 1.26 مليار دولار، في حين بلغ حجم العقود لمشاريع المقاولات الصينية الجديدة في الدول العربية 32.8 مليار دولار، كما وقّعت الصين خلال ذات الفترة إتفاقيات تعاون بشان مجالات إقتصادية وتجارية مع أكثر من 22 دولة عربية.
وتشارك بلدي تونس ممثلة بوزير خارجيتها خميس الجهيناوي، في أشغال الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي الصيني في العاصمة بكين، وهي تطمح إلى استثمار علاقاتها العريقة مع الصين في بناء شراكة متينة، عبر دعم نسق التشاور السياسي وتطوير العلاقات الاقتصادية لفتح مجالات جديدة من التعاون، لا سيّما في إطار “مبادرة الحزام وطريق الحرير”، وكذلك في مجالات واعدة كالبُنية التحتية والطاقات المتجددة والسياحة والتعاون بين الجهات.
وقبل نشر هذه المقالة، وفي خضم أعمال المنتدى العربي الصيني، أعلن وزير الخارجية التونسي عن أنه “من المنتظر” أن توقع تونس على هامش هذا المنتدى على مذكرة تفاهم للانضمام لمبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” و”طريق الحرير البحري في القرن الواحد والعشرين”، بما يتيح لها أن تكون الشريك المتوسطي للصين في مبادرة الحزام والطريق، التي يمر نصف خطوطها أو ينتهي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط عبر الشرق الأوسط والبلدان العربية.
وفي حقيقة الوضع الجيوبوليتيكي لتونس عبر التاريخين القديم والحديث، وفي الربط المُبدع للثقافات والحضارات مع بعضها بعضاً وفي سلمية كاملة، تصلح تونس لتكون مَعبراً لطريق الحرير الصيني الجديد، ومِثالاً متفرداً في موقعها وقُربها من جنوب أوروبا ومعبراً إلى وسط أفريقيا وجنوبها عبر طريق حرير بري، ومن تونس إلى بلدان غرب وشمال غرب أفريقيا، ولربط قوافل الحرير الصينية بالمحيط الأطلسي فأوروبا الغربية من خلال خط بحري قصير المدى.
وتتميز تونس كذلك بكونها منفتحة تماماً على الثقافات العالمية، وبوسطية شعبها وتقبّله السهل للآخر العالمي، وسهولة التعامل مع التونسيين في مخلف القضايا بغض النظر عن طبيعتها، سهولتها أو صعوبتها، وتعايش مُبدع للتونسيين مع مختلف الألسن والأجناس والألوان والقوميات البشرية وتقبّلها كما هي في واقعها المعاش وتاريخها..
من هنا، وفي غيرها من العوامل، تستعد تونس لأن تكون واحة استقرار لِ (الحرير الصيني الجديد)، وناقلة قوافله إلى مختلف بلدان المعمورة، ومن الممكن أن تتحول تونس كذلك الى سوق ضخمة للاستثمارات والبضائع الصينية وتسويقها دولياً، ناهيك عن سهولة إرساء مصانع الصين في تونس وبالتالي ما يترتب عن ذلك من تخفيض لكلفة إنتاجها وتسويقها الذي سيكون ـ بالتالي ـ واسعاً من خلال موقع تونس الأوسط بين قارتين وعالمين، فالمسافات بين تونس والكثير من الدول ذات القدرات الشرائية الكبيرة والمتلاحقة قصيرة، وهي شبيهة برمية حجر للأمام أو للخلف.
وفي الأمان والأمن الاستثماري التونسي لا جدال ولا نقاش أبداً، فالشعب التونسي هو نفسه وذاته حارس هذه الاستثمارات والأجنبي مهما كان لونه ومظهره.
نتمنى للصين قيادة وشعباً وللبلدان العربية مزيداً من الاتفاق مع الصين لخلق مبادرات جديدة تقود إلى رخاء الشعوب العربية والصين والعالم، وتوفر مديات الاستقرار والأمان فيه.
…
#سناء_كليش: #مستشارة رئيس الاتحاد الدولي للصحافيين والأعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء #الصين، وكاتبة وصحفية #تونسية ناشطة ومعروفة، ومن المجموعة الأولى المؤسِّسة للاتحاد الدولي على صَعيد عالمي.