جَولة “شِي”: الرِّبح للجَمِيع
موقع الصين بعيون عربية ـ
الأكاَدِيمِي مَروَان سُودُاح*:
كان الإعلان عن الجولة الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية الدولية للأمين العام للحزب الشيوعي لجمهورية الصين الشعبية ورئيس جمهورية الصين الشعبية، الصديق شي جين بينغ، إلى عدة دول أفريقية (جمهورية جنوب أفريقيا/ رواندا/ السنغال/ ويزور أيضاً موريشيوس خلال توقف أثناء جولته)، ودولة آسيوية واحدة هي دولة الإمارات العربية المتحدة، حدثاً بالغ الأهمية وغير مسبوق من حيث إتّساعه ودقيقاَ، ويحمل في ثناياه معاني كثيرة في زمانه، وبخاصة لكونه جاء بعد إعادة انتخاب الصديق “شي” تشريعياً رئيساً على الدولة الصينية والحزب الشيوعي الصيني، وفي ضوء مقرّرات الحزب بمزيدٍ من انفتاح الصين على العالم والتعاون معه، وتفعيل أوسع وأشمل لمعادلات الصين الإنسانية في التجارة والاقتصاد الدوليين وفي التبادلات الثقافية المربحة للجميع، ولتيسير سُبل “مبادرة الحزام والطريق” إلى القارتين العظيمتين، أفريقيا وآسيا، مَهد الثقافات والحضارة البشرية الواحدة.
وفي نظرة فاحصة في طبيعة زيارة الرئيس إلى الدول المَعنية، ما بين 19 يوليو/ تموز الحالي وحتى 28 منه، نرى بأنها تستهدف رفع القدرات الاقتصادية و/أو التعزيز الأمثل للتعاون الصيني معها، ومن خلال التشاركية والتساوي، ولتوظيف رؤوس الأموال الصينية في مشاريع حقيقية ذات إفادة مُحدّدة وكُبرى وملموسة، تدرعوائد على الجانبين الصيني والأجنبي، بغض النظر عن الحقيبة المالية لتلك البلدان ومساهماتها في الاقتصاد والتجارة الدوليتين، وهو ما يَعني أن الصين تُولي أهمية كبيرة لكل الدول، وتضعها في مكانة متساوية، انطلاقاً من سياستها ونهجها الدوليين في علاقات عالمية، تستند إلى القانونين الدولي والإنساني، بغض النظر عن أوضاع تلك الدول في المجال المالي، وفي الحقل الاقتصادي، وفي تخندقاتها السياسية وتحالفاتها الدولية.
كما يتأكد في طبيعة علاقات الصين الدولية وتبادلاتها الأممية والتي تعكسها هذه الجولة التي سوف يؤرّخ إليها، أن بيجين تتبع نهج السياسة الهادئة والمُثمرة مع الجميع وللجميع، ولا تَسعى إلى أي توتير للأوضاع.. فهي لا تمتلك مَجمعاً صِناعياً حَربياً يتطلع إلى استثمارات في الحروب والنزاعات والخلافات، ولا طُغم مالية وصناعية تتاجر بِحَيوَات البشر وأمانيهم وتطلعاتهم وعائلاتهم التي تجد تجاوباً صينياً لمساعدتها، وإزاحات طبقية الى الأعلى في مُجمل أوضاعها، جَرّاء التعاون الهادف والمُربح مع الصين.
وعلى سبيل المِثال، فقد سجّلت رواندا واحدة من أكبر المجازر في التاريخ بحق الأمة، بيد الأمة الرواندية نفسها، لكنها تمكّنت بحكمة جمعية للدولة والشعب، من التقدم والازدهار وتسجيل قفزات عالمية أثارت إعجاب الكون فتحقّق لها نيل تاج المجد، برغم صِغرها مساحةً، وقلَّة عَديد سكانها، ووقوعها في منتصف أفريقيا، بعيداً عن المُحِيطَيِن المائيين الدوليين على جانبي القارة السمراء. ولهذا، فإن زيارة الرئيس “شي” إلى هذه الدولة التي قد لا يلتفت الكثيرون إليها، ستسجل عنواناً عريضاً في العلاقات الصينية الأفريقية والآسيوية – الأفريقية – الدولية، لجهة أن الصين تقوم بعلاقات مع تلك الدول التي تعظِّم نفسها وقُدراتها بواقعية، وتحترم شعبها وتجعله في حقيقة أمرها القيمة الأولى والكبرى. إن درس رواندا عالمي الأهمية ومُتميّز، لذلك أعتقد أن الصين مهتمة به لدراسته والاستفادة منه ومن خبرات الدولة الرواندية، وبمدّها بمزيدٍ من الاستثمارات التي تثق الصين بأنها ستوظَّف في مكانها، وبعيداً عن الفساد وعمليات الإفساد التي تزخر بها للأسف دول العالم وبعض قادته ومؤسساته.
أما السنغال فهي دولة تعود حضارتها إلى عصور ما قبل التاريخ، إلى ذلك تنبع أهميتها من حيث أنها غنية بمواردها الزراعية وثرواتها الباطنية، فهي كبيرة المساحة نسبياً وقليلة السكان، وتحتاج بشكل ماسٍّ إلى مساعدات خارجية واسعة لتنمية قدراتها المادية والبشرية، والصين تستطيع أن تزيد من هذه المساهمات المالية والمادية لجعل الدولة التي تتمتع بميزة جيوبوليتيكية واضحة وبعيدةٍ عن الصراعات الإقليمية والدولية، واحدة من أهم الموانىء والمراكز التجارية العالمية، ذات الإفادة والأهمية المنفتحة على كل الأرض ومياهها، كما لم يَكن للأمر مَثيل على الساحل الغربي لأفريقيا وسواحل الأطلسي الواسعة.
وعن “جنوب أفريقيا” فحدِّث كثيراً. فهذه الدولة معروفة بتاريخها وبتطورها وتاريخها ومكانتها الأفريقية والعالمية، ولكن الأهم فيها بالطبع هو موقعها الجيوبوليتيكي، ومكانتها في تحالف “بريكس”، وعلاقاتها المتميزة مع الصين وروسيا ودول العالم النامي والثالث، وهي دولة لافتة بتجربتها السياسية الفريدة، وعلاقاتها الممتازة مع الدول الثالثية والصين، ومكانتها المتساوية في الاستقلالية والسيادة بين كل الدول، ورغباتها التي لا تنتهي بتعميق متواصل لروابطها مع بيجين حزباً ودولة شعبية. وتعني جنوب أفريقيا أيضاً، بأن جوهانسبرغ على استعداد دائم لحماية طُرق المواصلات الدولية، ومنها سبُل “مبادرة الحزام والطريق” من خلال أراضيها ومياهها، ولأجل إفادة دولية آمن وأوسع.
ومن اللافت للأهمية وأنظار العالم ، أن الرئيس “شي” سيحضر القمة العاشرة لتجمع “بريكس” في جوهانسبرغ، ولهذا الحضور معنىً خاص ولافت ومُميَّز في علاقات الصين بالعالم وبجمهورية جنوب أفريقيا وأفريقيا عموماً، وهي القارة التي كانت الأقرب للصين من جوانب كثيرة في ستينات القرن الماضي، حيث عمل الموساد فيها على تَصيّد وقتل الخبراء الاقتصاديين الصينيين بكل إصرار وإجرامية، وها هما الجانبان، الصين وأفريقيا، يعودان لبعضهما البعض بزخم أكبر وأشمل وأعمق لا فكاك فيه، بعد أقل من خمسين سنة تطوّرت خلالها العلاقات بين الطرفين.
وفي الحديث عن جمهورية موريشيوس ومساحتها 2,500 كيلومتر مربع، فهي مجموعة جُزر صغيرة وأرخبيلات غنّاء، تقع في وسط المحيط الهندي، وتبعد عن ملاجاش/ جزيرة مدغشقر/ بنحو 860 كيلومتر، وهي متطورة تشريعياً وقانونياً، وخضراء ومناخها مناسب وأمثل للسياحات المتنوعة وبخاصة الطبيعية والصيد البري والبحري.
كان إسم هذه الدولة سابقاً (دنيا العروبة) – وهو إسم أطلقه عليها البحارة العرب وهم أول من إكتشفها قبل القرن السادس عشر، وبعدهم تلاحق عليها مستعمرون، وأولهم البرتغاليون فالهولنديون وغيرهم، وهي تعني الكثير للعرب وللناطقين بالضاد عموماً سياحياً واستجماماً ومتعة طبيعية وآماناً.
موريشيوس مهمة للغاية لمبادرة الحزام والطريق الصينية – الدولية، وموقعها إستراتيجي لطرق الملاحة الدولية، وهو يصل سفن الصين بشرق أفريقياً ووسطها وجنوبها، وتربط طُرقها البحرية بين مجموعة مختلف الجُزر التابعة لدول متعددة، وتعمل على تسهيل إنسيابية التجارة الدولية والرحلات الجوية.
تعتمد الدولة على الزراعة في اقتصادها منذ استقلالها عام 1968، ثم بدأت بتنويع اقتصادها فأُقيمت الشركات التي تعتمد على التصدير، وهي تطوّر كذلك إقتصادها السياحي وصناعتها السياحية، والصين تعمل على مدِّ البلاد بأسس إقتصادية تحمي الاقتصاد من أية هزات قد تقع، وينشط فيها “حزب التحرير الاسلامي” بشكل لافت.
وحول دولة الامارات العربية المتحدة، فلها مكانة خاصة في العلاقات العربية مع الصين، فزيارة الأمين “شي” ستكون الأولى من نوعها لرئيس صيني للإمارات منذ 29 سنة، وستكون “مبادرة الحزام والطريق” والفِعل الاستثماري الصيني والصيني الإماراتي الكبير، ضمن العربي الصّيني، مَدار بحث مُطوّل ومُعمّق للجانبين، لاسيّما لموقع الامارات الاستراتيجي على الخط الذي يصلها بباكستان (وعبر باكستان بالصين) وميناء “جوادار” الباكستاني الذي يَعني الكثير للصين، التي تساهم بتطويره على أرفع مستوى، بتوظيفات غير مسبوقة دولياً، ولأن الإمارات تعتني بروابطها الصينية التي ستصبح في أعلى درجة إستراتيجية في الاقتصاد والتجارة والمشاريع والاستثمارات وبالطبع في التنسيق السياسي الذي سينعكس على المنطقة إيجاباً، وهو ما يَعني كذلك، كاستنتاج ورأي يتكئ على الاقتصاد السياسي، بأن الحرب الكبيرة والواسعة التي يتخوّف العالم من إحتمالية إندلاعها في منطقة “الخليج”، ستكون بعيدة عن المنطقة العربية والآسيوية وستفشل تهديدات إسرائيل لإشعالها من خلال الإعتداء على إيران وتوريط المنطقة بها، فلف دولنا وشعوبنا بلهيب حرائق حربية لا تنطفىء.. فالحروب ليست في صالح أحد، وبخاصة للصين ومبادراتها الاقتصادية الدولية والسلمية، وللعرب والأفارقة، بل على العكس من ذلك، فإن التعاون الشامل والتهدئة والهدوء والإنتاج السِّلعي الأوسع وتشغيل العَمالة، وإقامة المصانع والبُنى التحتية وغيرها، هي بالذات شعار اليوم الأنفع، والتي يجب أن تكون شعارات الغد أيضاُ يداً بيد مع الصين، ولتطبيق تطلعاتنا الاستثمارية الجَمعية والجماعية عرباً وصينيين وأمميين.
منذ سنوات بات يسكن ويعمل في الإمارات نحو 300 ألف صيني (بحسب الإحصاءات الرسمية الصينية)، وهي “أول دولة عربية وخليجية تؤسس تحالفاً اقتصادياً وتجارياً إستراتيجياً مع الصين” وفقاً للفضائية الصينية العربيةCGTN (20/07/2018)، وبحسب الصين أيضاً، ف “في الإمارات تحتل الأخبار ذات الصِّلة بالصين طليعة الترتيب وفي وسائل الإعلام الصينية أيضاً”. وتقول وسائل الإعلام الصنيية أن زيارة الرئيس الصيني إلى الإمارات “ستدفع بمزيد من الناس لفهم الصين والتطلع إلى الصين والتفكير في زيارتها، وستستفيد وسائل الإعلام في البلدين من ذلك”.
…
#مروان_سوداح: رئيس #الاتحاد_الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء (وحُلفاء) #الصين – الاردن.