بتحويلها الصحارى إلى مزارع…التكنولوجيا الصينية تقدم حلا ناجعا للتصحر في الوطن العربي
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
في أول خطوة نحو العالم تخطوها التكنولوجيا الصينية المعنية بتحويل “الرمال إلى تربة خصبة”، وقع فريق بحثي من جامعة تشونغتشينغ للنقل والمواصلات في مطلع يوليو الماضي اتفاقية للتعاون في إجراء اختبارات ميدانية لـ”تحويل الصحارى إلى مزارع” بأبو ظبي مع شركة (موارد) القابضة الإماراتية، وهو ما من شأنه أن يخدم الدول الواقعة بطول الحزام والطريق في حل مشكلة التصحر.
وبموجب الاتفاقية، سيجرى باحثون صينيون من هذه الجامعة الصينية اختبارات لتحويل الصحارى إلى تربة خصبة وزراعة أنواع من النباتات والخضراوات والأشجار على مساحة تبلغ عشرة كيلومترات مربعة داخل المناطق البرية في أبو ظبي. ومن المتوقع أن تبرز في صحراء أبوظبي بعد فترة معينة، واحة خضراء بفضل هذه التكنولوجيا.
وفي الواقع، تعد تكنولوجيا “تحويل الرمال إلى تربة خصبة” نتاجا لمشروع أطلقه هذا الفريق البحثي الصيني عام 2009، ووجد فيه أن خاصية الإصلاح والتعديل الذاتيين لدى التربة ترجع إلى وجود قوة “ترابط وانجذاب في جميع الاتجاهات” بين حبيباتها، ومن هنا ابتكروا طريقة لإضافة مواد تماسك خاصة مستخلصة من نبات معين، إلى الرمال لتكتسب هذه القوة وبالتالي تستطيع الحفاظ على المياه والعناصر الغذائية وتتحول بذلك إلى تربة يمكن إصلاحها ذاتيا من خلال زراعتها.
فمنذ عام 2016، أخذ الباحثون يجرون اختبارات زراعية ميدانية في خمس مناطق بالصين على مساحة 6.7 كيلومتر مربع ونجحوا في زراعة وحصد محاصيل وخضراوات في الصحراء مثلما حدث في أولانبوخه بمنطقة منغوليا الداخلية حيث حصدوا الفجل والبطيخ والباذنجان والبطاطس والذرة والقمح ونحو مائة نوع آخر من النباتات، كما ظهر في المزارع الاصطناعية ضفادع وأرانب برية وغيرها من الحيوانات لتغدو هذه المنطقة الصحراوية التي كانت يوما ما مصدرا للعواصف الرملية التي تهب على بكين، واحة جميلة تتفتح فيها الزهور وتنمو على أرضها النباتات.
يعتبر التصحر من أسوأ المشكلات التى تواجهها الصين حاليا، كما يعد تحديا مشتركا للعالم بأسره. وتشير الإحصاءات الدولية إلى أن سدس سكان العالم يعانون من مشكلة التصحر الذى يزحف بمعدل 60 ألف كيلومتر مربع سنويا، وبالتالي يفقد أكثر من عشرة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية بسبب تفاقم ظاهرة التصحر. وأمام هذه الأرقام، قال تشاو تشاو هوا العضو بالفريق البحثي إن هذه التكنولوجيا الصينية الجديدة صالحة للتطبيق في جميع صحاري العالم، لكن أنواع النباتات الصالحة للزراعة يتوقف على الظروف المناخية المحلية الخاصة.
وقد لاقت الاختبارات الناجحة التي جرت على أيدي باحثين صينيين أصداء واسعة في أنحاء العالم. وأعربت العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغيرها من البلدان عن اهتمامها الكبير ورغبتها الشديدة في التعاون مع الصين في هذا المجال.
وفي المؤتمر الـ14 رفيع المستوى للموقعين على “المعاهدة الدولية لمكافحة التصحر” الذي عقد في 11 سبتمبر الماضي، قوبل تقرير صيني بعنوان “تكنولوجيا الاستعادة السريعة للبيئة من خلال تحويل الصحارى إلى أراض خصبة”، باهتمام بالغ من الحاضرين وتلقى الفريق البحثي للمشروع دعوات من السعودية والإمارات وغيرهما من بلدان الوطن العربي، كما يبدى عدد هائل من المؤسسات الحكومية والاجتماعية والشركات بالدول الواقعة بطول الحزام والطريق، حماسة بالغة تجاه المشروع ويتابعون تطوراته عن كثب آملين في إجراء تعاون عميق في إطاره مستقبلا.
فقد أرسلت الإمارات في سبتمبر الماضي وفدا إلى تشونغتشينغ لتفقد المشروع، وأبدت نيتها في التعاون معه. وقام وفد من المشروع الصيني بزيارة إلى الإمارات تلبية للدعوة من الجانب الإماراتي ووقع اتفاقية لاجراء اختبارات زراعية في أبوظبي التي يصنف الجانب الإماراتي 85 في المائة من المناطق البرية فيها بأنها أراضى “متصحرة”.
ومن جانبه، قال يي تشي جيان نائب رئيس جامعة تشونغتشوينغ للنقل والمواصلات إن الهدف يكمن في خدمة مبادرة الحزام والطريق. فالكثير من الدول الواقعة على الحزام والطريق تعانى من التصحر وبحاجة إلى مثل هذه التكنولوجيا.
كما أشار الباحث تشاو تشاو هوا إلى أن توقيع الاتفاقية مع الإمارات يعد خطوة أولى تخرج بها هذه التكنولوجيا من بوابة الصين، وهذا بفضل بناء مبادرة الحزام والطريق التي تدخل عامها الخامس منذ أن طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ في خريف عام 2013.
يذكر أنه مع الدفع المستمر للمبادرة، تجاوزت نتائج بنائها توقعات الصين. فقد ذكر مركز بيانات مبادرة الحزام والطريق التابع لمركز المعلومات الوطني في تقريره لعام 2017 أن التعاون بين الصين والدول الواقعة على الحزام والطريق أخذ يتعمق بشكل مستمر خلال السنوات الأربع الماضية، أما التنسيقات السياسية والاتصالات والروابط فتعززت ومرونة حركة التجارة تزايدت والتواصل المالي تحسن وقلوب الشعوب تآلفت وتقاربت. وبوجه عام، يجرى التعاون بين الصين والدول الواقعة على الحزام والطريق بكل سلاسة، فقد أورقت شجرته وها هي تطرح باستمرار ثمارها.
وأشار التقرير إلى أنه في عام 2016، أصبحت موضوعات مثل “التعاون في المشروعات” و”ثمار المبادرة” و”التعاون بين الشركات” وغيرها محط اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية ومستخدمي الإنترنت الأجانب وحلت محل الأعمدة التي كانت تفرد لقراءة وتحليل “النوايا الإستراتيجية” للمبادرة؛ وتحولت دفة مجالات الاهتمام من التأثير والفرص وتنمية الصين عند بداية طرح المبادرة، إلى التعاون بين الشركات والتلاحم بين الإستراتيجيات وتشييد البنى التحتية والتعاون في المشروعات وغيرها.
من المفهوم إلى العمل ومن الطموحات إلى الحقائق، أثبت التاريخ تدريجيا ماهية روح المبادرة المتمثلة في السلام والتعاون والانفتاح والشمولية والتعلم من الآخر وتحقيق المنافع المتبادلة والتنمية المشتركة وكذلك نوايا الصين المخلصة في تقاسم ثمار تنميتها مع العالم وبناء مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية وتحقيق الرخاء المشترك للعالم أجمع.