العالم لا يرغب في اندلاع حرب تجارية
صحيفة الشعب الصينية:
شنت الولايات المتحدة حربا تجارية من جانب واحد تجاه الصين، ما أثار قلق الصينيين المغتربين أيضا. فما هي الفرص والتحديات التي يمثلها الاحتكاك التجاري بين الصين والولايات المتحدة بالنسبة للاقتصاد الصيني؟ وكيف سيؤثر ذلك على اقتصادات دول العالم؟ وكيف سيغير الاحتكاك هيكل الاقتصاد العالمي؟ يتحدث المغتربون الصينيون حول هذه المواضيع انطلاقا من ما يرونه وما يشعرون به في مختلف دول العالم.
لا فائز في الاحتكاك التجاري
في سان فرانسيسكو، وجد تساي ياو ون، مستشار جمعية التجار الصينيين في أمريكا ان سعر الذرة قد بات أرخص من الماضي. وقال: “إنخفض سعر الذرة من 0.5 دولار للساق الواحدة، الى 1 دولار ل4 سيقان. يعود تذبذب السعر الى تراجع صادرات الذرة الأمريكية، وهو ما أدى إلى إغراق السوق الملحية.”
وأضاف تساي: “تؤثر السياسات الصينية المضادة للسياسات الأمريكية على الطبقات الوسطى والدنيا في أمريكا بشكل كبير. فمن ناحية، قام التجار بنقل التكاليف الجمركية الى المستهلكين، ما رفع تكاليف الحياة بالنسبة للمستهلكين المحليين. ومن ناحية أخرى، فإن الإجراءات المضادة للمنتجات الزراعية الأمريكية تعوق مبيعاتها، ما أدى إلى انخفاض أسعار المنتجات الزراعية وعائدات المزارعين الأمريكيين.”
كما أثارت السياسات الجمركية الصينية المضادة لللسياسات الأمريكية قلقا لدى الشعب الأمريكي.
في هذا الصدد، قال تشانغ جيون، أستاذ القانون السياسي في أمريكا، إن الشركات الأمريكية العاملة في مجال الصناعة التحويلية والزراعة تعد أول ضحية للإحتكاكات التجارية. وأن هذه الأخيرة، لاتضر فقط بمصالح القطاعات الأمريكية ذات الصلة، وإنما أسهمت في تشكيل ضغوط نفسية على عمال هذه القطاعات.
ويعتقد تشانغ جيون ان أحد أسباب الاحتكاكات التجارية بين البلدين يعود الى ان أمريكا تتخذ الصين منافسها المحتمل في مجال التجارة. لأنه مع نمو الاقتصاد الصيني بوتيرة سريعة في السنوات الأخيرة، انخفض التكامل بين اقتصاد البلدين، وازداد التنافس تدريجيا.
بالنسبة للصين، ستشكل السياسات الأمريكية المتعلقة بالتعريفات الجمركية العالية ضربة قوية نسبيا للتجارة الصينية، لكنها في ذات الوقت، تمثل تحذيرا لنموذج نمو التجارة الصينية على المدى الطويل. لذا، قال جيانغ بنغ، رئيس التحرير العام لصحيفة المغتربين الصينيين الجديدة في اليابان ان الاحتكاكات التجارية تضغط على الشركات الصينية لرفع قدراتها التكنولوجية الجوهرية، ما يمكنها من دفع عملية التحول الاقتصادي الصيني وإصلاح جانب العرض.
لكن، يظن نان قنغ شيو، رئيس مجلس الإدارة لمجموعة قوانغيو للإعلام الدولي انه اذا أصبحت العلاقات الصينية الأمريكية غير مستقرة، بسبب الاحتكاكات التجارية، فإن ذلك سيلقي بظلاله على الإقتصاد العالمي والوضع الدولي.
تعاون المجتمع الدولي لمواجهة التحديات
قال جيانغ فنغ انه مع تقدم العولمة الاقتصادية وتحرير التجارة العالمية، تم بناء نظام تقسيم السلسلة الصناعية العالمية وسلسلة القيمة، وباتت مصالح دول العالم أكثر تكاملا، وتبعية لبعضها البعض.
بعد إطلاق الولايات المتحدة موجة الحمائية التجارية، تعرضت كل من الصين والاتحاد الأوروبي وكندا وغيرها من الاقتصاديات الرئيسية العالمية إلى خسائر بسبب هذه الممارسات الأمريكية. ولذا، بات من الضروري على هذه الدول التعاون في مواجهة التحديات.
“قرّبت الاحتكاكات التجارية الأمريكية الصينية العلاقات بين الصين وأوروبا.” قال شي تشونغ شنغ، رئيس جمعية الغرف التجارية لمقاطعة فوجيان بفرنسا، وأضاف ان الإجراءات الحمائية الأمريكية تضرب الاقتصاد الأوروبي أيضا، ولكنها توفر فرصا أيضا للتعاون بين الصين وأوروبا، حيث ان الشركات الأوروبية يمكن أن تعوض عن النقص الناجم عن الحمائية الأمريكية من الصين.
وفي 9 يوليو، وقعت الصين وألمانيا في برلين أكثر من 20 اتفاقية، بلغت قيمتها الاجمالية 30 مليار دولار، وشملت التعاون في مجالات التعليم المهني، وبحوث المناخ، والقيادة الذاتية والصحة وغيرها.
يرى تشنغ رونغ تشانغ، نائب رئيس جمعية غرفة التجارة الصينية في بريطانيا ان التعاون بين الصين والدول الأوروبية يوفر منظورا جديدا لمواجهة الاحتكاكات التجارية. ولم يتجسد مثل هذا التنويه في التجارة فقط، وإنما تجسد في الابتكار التكنولوجي والتبادلات الإنسانية والقيمة الثقافية والتدريبات البشرية وغيرها.
أما تأثيرات الاحتكاكات التجارية الصينية الأمريكية على اليابان، فإن نصفها إيجابي ونصفها سلبي. وقال جيانغ فنغ ان الإجراءات الصينية المضادة لأمريكا تقيد المنتجات الامريكية لدخول الصين، وتؤثر على إدارة المؤسسات اليابانية في الولايات المتحدة. غير انها توفر فرصا لدخول المنتجات اليابانية الى الصين، وتدفع بتوسيع الصادرات اليابانية إلى الصين.
في يوم 17 يوليو، وقعت الحكومة اليابانية والاتحاد الأوروبي على اتفاقية الشراكة الاقتصادية الأوروبية اليابانية، وأصدر الجانبان بيانا، أعلنا فيه عن أن اليابان وأوروبا سيعززان العلاقات الاقتصادية الحرة عالية المعايير والمنفتحة والعادلة، وستحميان نظام التجارة متعدد الأطراف، متمركزا حول منظمة التجارة العالمية، وتحاربان الحمائية.
أما دول أوقيانوسيا، فقد باتت تواجه مزيدا من عوامل عدم اليقين، بسبب الاحتكاكات التجارية الصينية الأمريكية.
على سبيل المثال، بصفتها دولة تعتمد على التصدير ونظام منظمة التجارة العالمية، تتطلع نيوزيلاندا إلى بيئة تجارية دولية مستقرة وقواعد تجارية واضحة، يتم الإلتزام بها بصرامة.
وفي مايخص الدول النامية، فلم تؤثر الاحتكاكات التجارية الصينية والأمريكية على اتجاه التعاون والتنمية بين الدول النامية. وقال تشنغ جيه، عضو مستشار صندوق هونغتشو للتعليم باللغة الصينية في فيلبين ان الصين تملك سوقا استهلاكية ضخمة جدا، وبعد تراجع واردات الصين من المنتجات الأمريكية. بات هناك المزيد من الفرص أمام الشركات في تايلاند ودول جنوب شرقي آسيا.
التطلع للتعاون والفوز المشترك بين الصين والولايات المتحدة
يعتقد نان قنغ شي ان السياسة الأمريكية وسلوك قادتها بات صعب التنبؤ. لذلك، فإن الاحتكاكات التجارية المتقطعة تصبح اتجاها لا يمكن تجنبه.
في الوقت الراهن، تقف الاحتكاكات التجارية بين البلدين في مرحلة جمود، وقد تتطور في المستقبل بشكل معقد وطويل المدى. والصين مستعدة لمواجهتها على المدى الطويل بشكل عقلاني، وفي نفس الوقت، تبحث عن حلول في مختلف أسواق العالم. وقال نان قنغ شي: “في المستقبل، بصفتها دول نامية، إن افريقيا لن تفوت الفرص والتنمية التي يجلبها انفتاح الصين، كما أن الأخيرة ستواصل تقديم المزيد من الفرص لازدهار وتنمية التجارة العالمية.”
وأشار تشاننغ جيه الى ان العولمة تعد اتجاها لا رجعة فيه، وانه من غير الحكيم وضع الحواجز التجارية أمام أي بلد. ويتطلع الى أن تجري الصين والولايات المتحدة مفاوضات عقلانية والبحث عن الفوز المشترك على أساس حرية التجارة.
ويعتقد تشانغ جيون ان الحرب التجارية نتيجة لا تأمل دول العالم رؤيتها. لذلك، يأمل معظم الناس ان تكون سياسات التعريفة العالية وسيلة وليست نتيجة نهائية، ويتطلع الى بناء نظام تجاري جديد بعد تشاور الصين والولايات المتحدة الثنائية أو متعددة الأطراف.