السياسة الخارجية الصينية تجاه العالم العربي بعيون مختصين
موقع الصين بعيون عربية ـ
د. فاطمة لمحرحر*:
تسعى السياسة الخارجية الصينية إلى صيانة السلام العالمي، وتعزيز التنمية المشتركة وتدعو الصين إلى بناء عالم متناغم يسوده السلام الدائم، والرخاء المشترك، كما تعمل مع الدول الاخرى على تحقيق ذلك باعتباره هدفا طويل المدى، ومهمة ملحّة في آن واحد. حيث بنت الصين استراتيجيتها على مقولة علمية تؤكد على قراءة الماضي بعيون الحاضر، وهي تظهر بدقة تطور العلاقات بين الصين والعالم العربي، بسرعة مذهلة، في القرن الواحد والعشرين. وتميزت تلك الاستراتيجية، في مرحلة الانفتاح والاصلاح المستمرة، منذ 1978، من خلال ما قدمته في مجال القوة الناعمة والقوة العسكرية، وأنجزت التنمية البشرية والاقتصادية المستدامة بنسبة نمو سنوي مرتفع. وبالرجوع إلى المفهوم الصيني للقوة الناعمة، فإن المعنى ليس غريبا على الصين، بل له إشارات كثيرة في إرثها الثقافي السياسي والفلسفي في إدارة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين السلطة والدولة والفرد وفي استراتيجية الحرب. فقد وعظت الكونفشيوسية بأن الحاكم الناجح هو من يكسب عقول مواطنيه وقلوبهم ومشاعرهم بالفضيلة والمحبة لا بالقوة. إلا أن الدراسين الصينيين لم ينشغلوا بأطروحة القوة الناعمة التي جاء بها “ناي” وتعاملوا معها بحذر بعد أن ترجم كتابه سنة 1992. ووردت إشارة إلى المفهوم احدى عشر مرة في الاعوام 1994-2000 ثم ارتفعت إلى 600 مرة حتى 2009. وفي 1993 كتب “وانغ هينغ” أول مقالة في الموضوع وشدد على الثقافة مصدراً رئيسياً بقوله، “إذا كان للبلد ثقافة وايديولوجية مرغوب فيهما فإن بقية الدول سوف تحاول اتباعه…وليس لذلك البلد حاجة في استخدام القوة الصلبة التي هي أكثر كلفة وأقل تأثيرا”. وقد تطرق الرئيس “جيانغ زيمن” في مؤتمر الحزب سنة 2002 إلى أن “في عالم اليوم تتمازج الثقافة مع الاقتصاد والسياسة مما يظهر أن الثقافة لها مكان ودور مهمان في التنافس لبناء القوة الوطنية الشاملة”. وفي 2006 أكد الرئيس “هو جينتاو” “أن الزيادة في المنزلة والنفوذ الدوليين لأمتنا ينبغي أن تتجسد في القوة الصلبة مثل الاقتصاد والعلوم والتقنية والدفاع، وكذلك القوة الناعمة مثل الثقافة”. وتناولت الوثيقة البيضاء في السياسة الخارجية في 2007 القوة الناعمة فشرعت الابواب أمام البحث في الموضوع. وعرفت سنة 2013 طرح الرئيس الصيني “شي جينغ بينغ” رؤيته المبتكرة الجديدة الحزام والطريق لطريق الحرير الجديد، وتسمى هذه المبادرة اختصارا “الحزام والطريق”، وتهدف إلى بناء نهضة اقتصادية وثقافية كبرى على طول طريق الحرير القديم وبناء آليات للتعاون الاقتصادي والثقافي والإنساني تسعى من خلاله الصين إلى رفاه الشعوب المطلة على هذا الطريق. وفي تقديري أن هذه المبادرة هي أهم وأضخم مشروع اقتصادي تم طرحه خلال الأعوام الخمسمئة الأخيرة. ولقد سارعت الأمم إلى الترحيب بهذا المشروع ومن بينها الدول العربية. وهذا الاطار نشير ، إلى تمسك الصين بأصالتها لتبني معاصرة قادرة على مواجهة تحديات العولمة، وساهمت في تشكيل تكتلات اقتصادية كبيرة لحماية مصالحها المتنامية أبرزها مجموعة دول شانغهاي، ومجموعة دول بريكس BRICS ، ومؤخرا مجموعة “طريق الحرير والحزام الاقتصادي” التي ضمت قرابة ستين دولة في آسيا و أوروبا وأفريقيا.
بعد أن أصبحت الصين اليوم شريكا فاعلا مع كثير من الدول العربية، طالبت المملكة السعودية، ودولة الامارات، والكويت، وسلطنة عمان، ومصر، والمغرب، والجزائر، والسودان، وغيرها، الارتقاء بالعلاقات الاقتصادية معها إلى علاقات استراتيجية. غير أنه منذ بداية الانتفاضات العربية عام 2011، تنبه الصينيون إلى أن العالم العربي يواجه تبدلات جذرية. فالشعوب العربية ترفض مشاريع التدخل الخارجي التي تعمل على تغيير الهوية العربية لهذه المنطقة أو دمجها في هويات أخرى. ومن خلال تجربتنا، للاكتشاف وسبر أغوار السياسة الخارجية الصينية خاصة مع العالم العربي، عن طريق مجموعة من الدراسات والمقالة عن علاقات الصين الخارجية، والتي تم نشرها في عدد من المجلات الورقية والاليكترونية مثل موقع الصين بعيون عربية، إذ يعد هذا الاخير مجلة الالكترونية مهمة تحاول التعريف بالصين كقوة عالمية أصبح لها دور مهم في العلاقات الدولية، غيرت من موازين القوى على الصعيد العالمي. وموقع الصين بعيون عربية، يمثل بوابة إعلامية متميزة لربط جسور التواصل والتعاون بين الصين والعالم العربي، نظراً لما أصبح يمثله الإعلام الاليكتروني في عالم اليوم من أهمية بالغة ومؤثرة في العلاقات الدولية. والموقع من خلال ما ينشره من مقالات ودراسات حول الصين وعلاقاتها بالعالم العربي، يؤثر بشكل كبير على تعزيز هذه العلاقات بما يخدم مصالح جميع الأطراف، و كذا تقريب وجهات النظر وربط أواصر الصداقة بين الصين والدول العربية.
وما يمكننا الخروج به من خلال تجربتنا في إطار العلاقات العربية الصينية، أن الصين تبنت استراتيجية طويلة المدى تجاه العالم العربي على قاعدة القوة الناعمة، حيث تستهل الوثيقة الصينية تجاه العرب بدالّة أساسية من مصادر القوة الناعمة كما جاءت عند جمهرة دارسيها، إذ تقول في الجملة “تضرب جذور الصداقة بين الصين والدول العربية في أعماق التاريخ”. كما لا تغيب الدوافع الجيوبوليتيكية والأمنية في تفسير الشراكة الاستراتيجية الصينية مع الدول العربية، إذ ليس من منطق الاشياء أن تفسر بدوافع جيواقتصادية فقط، كما يذهب التحليل الصيني والخطاب الرسمي . و مما لا ريب فيه أن الجيواقتصاد هو الدافع المباشر والعملياتي، لكن ذلك لا يطمس الدوافع الاخرى.
كما أن الصين تهيأت لها فرص تاريخية للدنو من المنطقة العربية، إذ كانت لحرب أفغانستان عام 2001 تداعيات أمنية في الشرق الأوسط والسياسة الامريكية. وأرهقت الحرب على الإرهاب الولايات المتحدة الامريكية وأضعفت التماسك في أحلافها وجعلتها تغفل مناطق استراتيجية وحيوية للأمن والهيمنة الامريكية. ومن جهة أخرى، أعطت ادارة اوباما الاهمية القصوى للتمركز في الشرق في الفضاء الآسيوي الهادي حيث تنهض الصين كقوة عظمى. وهكذا وجدت بكين فرصاً للتحرك صوب المنطقة بقوة ناعمة عبر الشراكة الاستراتيجية. كما ترسم الصين صورة للشراكة مع العرب بألوان تنينها الكثيرة، وهي السير نحو الهدف بالتكاتف. وتسعى الصين إلى اقناع العرب بأنها لا تسير في طريق التنمية حصرا عليها بل تريد أن يشاركها الاخرون فيها. كما تعتبر العلاقات العربية- الصينية علاقات تتوفر على قدر غير يسير من التوافق والانسجام، وذلك نتيجة التقارب الحضاري والعمق التاريخي.
*باحثة في الدراسات السياسية والعلاقات الدولية المعاصرة
كلية الحقوق ـ فاس-المغرب