“قِصص الِّصين والأُردن” المُمتِعة لحِزامِ وطَّريقٍ جديدٍ
موقع الصين بعيون عربية ـ
مَارينا سودَاح*:
في نيسان/أبريل العام المنصرم 2017، صدر باللغتين العربية والصينية عن دار النشر الصينية “تشاينا انتركونتننتال بريس”، كتاب بعنوان “نحن وأنتم: قِصص الِّصين والأُردن”، وذلك بمناسبة العام الأربعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، وقد حاز الكتاب على شهرة فورية في الاردن والصين على حد سواء، لكونه وثّق قصصاً واقعية مُثيرة عن العلاقات الرسمية والشعبية مابين الاردن والصين.
في عودةٍ للتاريخ، نرى أن العلاقات الاردنية الصينية كانت قد تأسست قبل عام واحد فقط من بدء “حركة الاصلاح والانفتاح” الصينية الشهيرة، في العام 1978، والتي ضاعفت من منسوب علاقات الصين مع العالم ودوله ذات الانظمة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة والمتباينة. يبدو لي أنه في ذلك الوقت، لم تكن علاقات البلدين قد انتظرت هذه الحركة الانفتاحية لتدشين الدبلوماسية الرسمية بينهما، فلم يكن في الأفق ما يدل على أن صِلات البلدين وإرادتهما السياسية قد تأثرت بأية تقلبات داخلية أو نقلات أيديولوجية ما. ببساطة، لقد نضجت أيامها الظروف لإرساء علاقات مباشرة.
في هذا الكتاب، نشرتُ مقالة مطولة بطلب من الجانب الصيني، وخصصتها كما طلب الرفاق الصينيون للحديث عن القسم العربي لإذاعة الصين الدوليةCRI، وعن والدي مروان وعلاقاته القديمة جداً بالصين، ضمن عنوان مُعبّر وجاذب هو: “الذكرى الأربعون.. لكن عائلتي تحتفي بالخمسين”، في إشارة واضحة إلى أن عائلتي أقامت علاقاتها مع الصين قبل عشر سنوات من إقامة العلاقات الرسمية بين الدولتين، ويَحق لنا وهذا الحال أن نحتفي في أجواء عائلية بخمسين سنة، نصف قرن، على مرورها وبقائها مزدهرة ومتألقة وتزداد زهواً بالصين الصديقة والحليفة رئيساً وقيادة ودولةُ وشعباً.
مِن أهم ماذكرته في هذا الكتاب، أن والدي صادق الصين لأنه كان متأكداً من أن توجهاتها وآرائها تتطابق مع تطلعاته وتطلعات الامة العربية، لكن الأهم هو توجهات الصين الاممية، والتي تحمل هموم البشرية، وتدافع عنها بطريقتها الخاصة، الناعمة والمباشرة والاقتصادية أولاً، فالبشر يحلمون بلقمة عيش كريمة، وتدريس أبنائهم وأحفادهم مجاناً، وعلاجهم الرفيع صحياً، ورعايتهم حين يصبحون كهولاً، وهو ما تجده الاشتراكية عموماً، والاشتراكية الصينية أيضاً، مطلباً مُحقاً من جانب جماهير الشعب وناس العالم.
لقد نشرتُ في الكتاب رأيي الذي يتلخص في أن عائلتي الكبيرة، والدي “مروان” وجدّي “موسى”، ومن المحتمل كثيراً والد جدي من والدتي أيضاً، الذي قتله العثمانيون والقوا برأسه مقطوعاً بسيوفهم في بئر كنيسة الموسكوبية في فلسطينس، ومن بعدهم جميعاً عائلتي من والدي وجدتي، قد خَطو خطوات طويلة وواسعة في مسيرة ألف ميل عائلية أردنية، والتي توازي مسيرة الألف ميل الصينية للزعيم التقدمي والمُحرّر ماوتسي تونغ (مع الاختلاف في الجغرافيا والأحداث)، في منطلق لطريق حرير خاص بها، وربما لم يسلكه أحد من مواطنينا مِن قبل، ذلك أن الاوضاع لم تكن مناسبة للكثيرين للسلوك في هذا المسلك الطويل والصعب، والمكلف شخصياً وفي حقل المصالح الذاتية.. لكننا وبرغم ذلك، أكدنا جماعياً، وشخصياً أنا أكدتُ وماأزال أؤكدُ، أن الصين برمتها تثمن جهودنا العائلية تثميناً لا حدود له، وهذا لعمري هو شكل من أشكال الوفاء الصيني المعهود والمشكور لحُلفاء الصين، الذين أدركوا في وقت متقدم ضرورة إقامة وتعميق وتصليب العلاقات الاردنية والعربية الصينية.
مقالتي التي نشرتها في الكتاب الذي أنا بصدده، مدعّم بالعديد من الصور التي تعرض لوالدي في نشاطاته الكثيرة في المركز الثقافي السوفييتي وجمعية الصداقة الاردنية السوفييتية، في العاصمة الاردنية عمّان، وتحدثتُ عن تدرّج والدي منذ صِغره بمراسلة الاذاعات الدولية بخاصة الصينية والروسية، التي تُعتبر بأثيرها سفراء لا حدود لهم، يَعبُرون حدود الدول بدون جوازات سفر أو تدقيق في هوياتهم!
بالطبع، لم يكن في الاردن أنذاك سفارة صينية، كما لم يكن مركز ثقافي صيني، ولا أي مَعْلم صيني ما، وهي مأثرة بالطبع في ظل أوضاع كهذه الالتزام بصداقة مع دول وشعوب لا تمثيل لها في بلادنا، وكذا العمل للوصول إليها بكل الطرق المُتاحة وغير المتاحة برغم صعوبتها، وهنا يكمن الفِعل النضالي والوعي الحقيقي والإدراك المُبكر لضرورات الصين للاردن والامة العربية، وهو ما سيوصلنا، لا محالة، الى بر الأمان الاقتصادي والسياسي والشخصي والعائلي.
وفي سروري الكبير الذي أحمله، أن والدي مايزال على اتصال مع عددٍ من زملائه، الذين درسوا معه في المدرسة، وتزاملوا جميعاً سوياً في وجهات النظر الصينية والروسية، وتميّزوا بنظرات مستقبلية لم يكن معظم الاردنيين يشاطرونهم إيّاها أو يدلون فيها بآرائهم.
هذا هو طريق الحرير العائلي العربي الصيني التاريخي والجديد – القديم، الحزام والطريق لنا وللعالم، والذي بدأ قبل نصف قرن في عائلتي، ومايزال علامة مضيئة في مسيرة التعاون بين بلدينا، وصرحاً ضخماً يُعلِن عن مشروع مُستدام لِشرَاكَة ونقطة انطلاقة قديمة لنشطاء شعوبنا نحو توحيد جهود الأجيال، بهدف حل أزماتنا العربية بفضل عملنا سوياً مع شركائنا الحقيقيين، ولاستهداف الاستقرار الحقيقي والدائم والمُنتج للامة ورفاقنا، وفي طليعتهم الصين وإستراتيجيتها الهادئة والنافعة وبعيدة البصيرة، والتي تستند الى قاعدة طريق الحرير القديم، الذي سلك مسالك الاردن من جنوبه الى شماله، ليُنجّح بعد قرون كثيرة مبادرة “الحزام والطريق” الجديد للرفيق شي جين بينغ، بعائلات اردنية أممية مخلصة كعائلتي، ترحّب بكل الاستثمارات الصينية، وتساند تواصل حضارتينا وتقاربهما وانسجامهما من أجل عالمٍ واحدٍ، وحضارةٍ عالميةٍ واحدةٍ ومتعددةِ الألوانِ، تماماً كما هي الاشتراكية الصينية ذات الالوان الصينية المُحبّبة.
…
*كاتبة وناشطة وقيادية في الهيئة الاردنية للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدِقاء (وحُلفاء) الصّين.