معرض شانغهاي ينطلق…ومشاركة مصر دفعة جديدة للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
شهدت مدينة شانغهاي الصينية اليوم (الاثنين) افتتاح أول معرض كبير على المستوى الوطني في العالم يقام تحت عنوان الواردات؛ حيث يأتي المعرض الذي ستستمر فعالياته حتى يوم 10 نوفمبر الجاري في وقت تواصل فيه الصين فتح سوقها أمام العالم موفرة بذلك منبرا للتعاون الاقتصادي والتجاري مع البلدان الأخرى ومن بينها مصر التي اُختيرت لتكون إحدى ضيوف شرف المعرض حيث تأتي مشاركة القاهرة في المعرض كمثال بارز على التعاون البراغماتي بين البلدين في ظل نمو كبير شهدته العلاقات الثنائية في الفترة الماضية في شتي المجالات.
وتأتي أهمية مشاركة مصر في المعرض بوفد رفيع المستوى يترأسه رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي انطلاقا من كونها شريكا إستراتيجيا للصين في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي وإفريقيا حيث سيكون هذا الحدث الهام في تاريخ التجارة الدولية منصة للتعاون الشامل والمنفتح بين البلدين، وفرصة للاستفادة من السوق الاستهلاكية الصينية وزيادة الصادرات المصرية المميزة إليها، ونافذة جديدة تعرض من خلاله مصر أوجه تنميتها الاجتماعية وإنجازاتها الاقتصادية وما لديها من فرص استثمارية وما اتخذته من إجراءات لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار.
وترتبط مصر بعلاقات اقتصادية وتجارية قوية مع الصين دعمت منظومة التبادل التجاري بين البلدين وساهمت في وضع مصر في المركز الرابع في قائمة أكبر الشركاء التجاريين للصين بقارة أفريقيا، حيث أعلنت المصلحة العامة للجمارك الصينية أن حجم التبادل التجاري بين الصين ومصر بلغ نحو 7.5 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2018، بزيادة 24%. وبلغت الواردات الصينية من مصر خلال هذه الفترة مليار دولار أمريكي، بزيادة 34.1% على أساس سنوي؛ وعلى نحو خاص ارتفعت الصادرات المصرية السلعية إلى السوق الصينية خلال عام 2017 لتصل إلى 408 ملايين دولار مقارنة بنحو 255 مليون دولار خلال عام 2016 بنمو 60%، حيث ترجع هذه الزيادة إلى أن المنتجات المصرية تلقى قبولا لدى المستهلك الصيني وهو ما يسهم بدوره في انخفاض عجز الميزان التجاري بين البلدين.
ويقول المحللون الصينيون إنه من المتوقع أن تشهد العلاقات التجارية بين البلدين ازدهارا في ظل سعى مصر خلال المرحلة الحالية إلى فتح المزيد من الأسواق الجديدة والتوسع في الأسواق التقليدية والتزام بكين الواضح وعزمها الأكيد على توسيع انفتاحها وتقاسم منجزات هذا الانفتاح في العصر الجديد مع العالم بغية تحقيق التنمية المشتركة، حيث أكدت الصين مرارا أنها تسعى خلال السنوات الخمس المقبلة لاستيراد بضائع وخدمات قيمتها 10 تريليونات دولار أمريكي وجذب استثمارات أجنبية قيمتها 600 مليار دولار أمريكي، واستثمار 750 مليار دولار أمريكي في الخارج.
وفي هذا السياق، يقول لي دا وي الباحث بمعهد الصين لدراسات الاقتصاد الكلي إن الصين لديها سوق محلي ضخم وناضج ومنظم، وهو ما يمنحها ميزة إضافية عند مشاركتها في تعزيز التعاون الاقتصادي الدولي، مشيرا إلى أن توسيع الصين للاستيراد يشكل نهجا مهما لتحقيق النجاح المشترك ليعم النفع على الجميع.
كما شهد العالم جدية الصين في الانفتاح مع إعلان لجنة الرسوم الجمركية التابعة لمجلس الدولة الصيني في سبتمبر الماضي تخفيض التعريفة الجمركية على 1585 سلعة مستوردة اعتبارا من أول نوفمبر، لتشمل قطاعات المنسوجات والخزف والصلب والآلات وبعض المنتجات القائمة على الموارد والسلع المصنعة بشكل أولي. وهي تخفيضات جاءت بعدما اعتمدت الصين تعريفة صفرية على معظم الأدوية المستوردة بدءا من أول مايو وخفضت التعريفات الجمركية على السيارات وقطع غيارها إلى جانب بعض السلع الاستهلاكية بدءا من أول يوليو.
وفي الواقع، قبل عدة قرون ربط طريق الحرير القديم بين الحضارتين الصينية والمصرية برباط وثيق حيث كان جسرا للصداقة والتواصل الودي بين أمتين عريقتين. وتعتبر مبادرة الحزام والطريق، التي طرحها الرئيس الصيني شى جين بينغ في عام 2013 خطوة مهمة للصين على طريق تعميق إصلاحها الاقتصادي وانفتاحها على الخارج، إذ تسهم من ناحية في مواصلة روح طريق الحرير القديم وتحفيز نمو الدول المشاركة فيها وتحقيق منافع مشتركة لهم، وتعطي من ناحية أخرى زخما كبيرا لعلاقاتها مع دول العالم ومن بينها مصر في المرحلة الجديدة.
فمصر تعد مركزا محوريا على طريق الحرير في ظل موقعها الجغرافي الفريد كونها تربط بين قارتي آسيا وإفريقيا، وفي إطار ما تنفذه من مشروعات قومية كبرى ومن بينها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع تنمية محور قناة السويس وخاصة منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر التي تعد من أولى مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا وأصبحت مشروعا هاما للتعاون الصيني- الإفريقي في إطار مبادرة الحزام والطريق، وهو ما يسهم بدوره في تعزيز التجارة والاستثمار بين مصر والصين وبين مصر وباقي الدول المشاركة في المبادرة.
ويتعمق التعاون بين البلدين في إطار مبادرة الحزام والطريق في وقت يواجه فيه الجانبان الصيني والمصري مهمة مشتركة تتمثل في تحقيق التنمية. فالحكومة المصرية تعمل على تنفيذ إجراءات إصلاح اقتصادي تهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات وتوفير فرص عمل وتنشيط قطاع السياحة وتعزيز دور القطاع الخاص، في الوقت الذي تدخل فيه الصين عصرا جديدا من الاشتراكية ذات الخصائص الصينية تعمل فيه على توسيع نطاق الإصلاح والانفتاح. ومن ثم تمضى كل من الصين ومصر نحو مسيرة جديدة من التنمية، وثمة توافق كبير في الرؤى حول التنمية الشاملة للبلدين. لذا، يتمتع البلدان بآفاق واسعة للتعاون.
وفي الوقت ذاته، يشهد التعاون المصري الصيني في مشروعات اقتصادية تقدما سريعا مثل مشروع إنشاء خطوط شبكات كهرباء جهد 550 كيلو فولت لشبكة الكهرباء المصرية ومشروع القطار الكهربائي بمدينة العاشر من رمضان المصرية وغيرهما من المشروعات، و”بفضل تلك المشروعات، تمكنت مصر من الدخول إلى الصف الأمامي في بعض القطاعات في العالم”، حسبما قال سونغ آي قوه سفير الصين لدى مصر.
كما ثمن سون ده قانغ الباحث بمعهد دراسات شؤون الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الدولية بشانغهاي التعاون الاستثماري بين البلدين، مشيرا إلى أنه في عام 2017 احتل حجم إنتاج مصنع شركة جوشي الصينية المحدودة في مصر من الفايبر جلاس المرتبة الثالثة عالميا؛ وإلى أن الصين ستشارك مستقبلا بصورة كبيرة في بناء البني التحتية مثل الموانئ والطرق وغيرها بمصر، لتصبح مصر جسرا يربط بين تنمية الصين وعلاقاتها التجارية مع العالم العربي ودول البحر المتوسط وإفريقيا.
كما وقعت الصين العديد من الاتفاقات مع مؤسسات مالية مصرية وأعربت مصر عن استعدادها لربط خطط التنمية الخاصة بها مع مبادرة الحزام والطريق وتوسيع التعاون في البنية التحتية مع الصين في إطار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تعد مصر عضوا مؤسسا فيه. علاوة على ذلك شهد التعاون بين البلدين في مجال السياحة قفزة كبيرة حيث زادت حماسة الصينيين للسفر إلى مصر في السنوات الثلاث الماضية بشكل كبير، الأمر الذي يرتقي بعلاقات التعاون بين البلدين إلى مستوى جديد.
ومن المتوقع أن تسهم مبادرة الحزام والطريق في إتاحة الفرص لكي تصبح الصين من أكبر الدول المستثمرة في مصر خاصة في ظل الجهود المبذولة لتحسين مناخ الاستثمار في مصر بما في ذلك إصدار قانون الاستثمار الجديد الذي يوفر مجموعة من الحوافز الاستثمارية للمستثمرين ولاسيما أن مصر تتطلع إلى أن تصبح الصين ضمن أكبر 10 دول مستثمرة فيها وزيادة عدد الشركات الصينية العاملة فيها والبالغ 1080 شركة.
وتأتي ثمار التعاون الصيني المصري التي تحققت في السنوات الأخيرة ترجمة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين فخلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الصين عام 2014، اتفق الجانبان على الارتقاء بعلاقاتهما إلى شراكة إستراتيجية الشاملة، ما رفع وتيرة تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي يناير عام 2016، قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية إلى مصر لتطوير وتعميق التعاون بين البلدين. وفي السنوات الأخيرة، أعطت اللقاءات السنوية بين رئيسي الدولتين دفعة غير مسبوقة لتنمية العلاقات الصينية- المصرية.
وتصديقا للحكمة الصينية القائلة بأن “الأصدقاء عندما يسيرون معا يشقون دربا جديدا”، ثمة إيمان راسخ بأن معرض الصين الدولي للواردات بشانغهاي في دورته الأولى سيكون بداية لشق الصينيين والمصريين معها دروبا جديدة لدفع التعاون الصيني المصري وتوسيع نطاقه من المجالات التقليدية إلى مجالات أخرى وتحقيق التلاحم بين إستراتيجيات التنمية في البلدين بما يحقق الفائدة للشعبين الصديقين.