الحزام والطريق.. لا يأتي الربيع بتفتح زهرة واحدة
موقع الصين بعيون عربية ـ
مُحمّد عبد العزيز:
1
في سبتمبر من العام 2013 ألقى الرئيس الصيني شي جينبينغ كلمة أمام حشد نوعي في جامعة نزارباييف الكازاخستانية، دعا من خلالها لإعادة إحياء (طريق الحرير) التاريخي، تلك الكلمة التّاريخية باتت لاحقاً تُعرف باسم (الحزام والطريق).
ومنذ ذلك الوقت قطعت بكين خطوات مُهمّة على طريق تنفيذ المُبادرة التي في الأساس استراتيجية تنموية ترتكز على التواصل والتعاون بين الدول على الصعيد السياسي والاقتصادي والثقافي، من خلال فرعين رئيسيين، هما (الحزام البري) و(الطريق البحري).
فرص وأرقام
مُنتدى التعاون الإعلامي لمُبادرة الحزام والطريق 2018 الذي تُنظِّمه صحيفة “الشعب” والذي استضافته هاينان مُؤخّراً كَشَفَ وفقاً لأرقام رسمية عن تجاوز الاستثمارات الصينية خلال السنوات الخمس الماضية مع الدول الواقعة على طول الحزام والطريق 5.5 تريليون دولار بمتوسط نمو سنوي بلغ 1.1%، ووصل الاستثمار الصيني المُباشر في القطاعات غير المالية في هذه الدول إلى أكثر من 80 مليار دولار، فيما بَلغت القيمة الإجمالية لتجارة الصين مع دول الحزام والطريق خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2018 ما قيمته 863 مليار دولار، وبحسب بيانات وزارة التّجارة الصينية، فإنّ هذا الرقم يعكس مُعَدّل نمو على أساس سنوي يربو على 13%، بينما شَكّلَت تجارة الصين مع دول الحزام والطريق خلال عام 2018 مَا نسبته 27.3% من إجمالي قيمة الصادرات والواردات الصينية.
وأشَارَت البيانات إلى ارتفاع واردات الصين من دُول الحزام والطريق بمُعدّل 20.9% على أساس سنوي إلى 391 مليار دولار، خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018، فيما زادت صَادرات الصِّين إلى تلك الدول بنسبة 7.7%.
وتُخطِّط الصين في السنوات الخمس القادمة لاستيراد ما يزيد عن 8 تريليونات دولار أمريكي من البضائع وتستثمر 750 مليار دولار في الخارج.
وسَجّلت الاستثمارات نُموَاً قويّاً خلال تلك الفترة، حيث شَهدت الشركات الصينية نُموَاً في الاستثمارات المُباشرة غير المالية في تلك الدول بنسبة 12.3% إلى 10.7 مليار دولار.
وأقامت الصين في إطار مُبادرة الحزام والطريق، 82 منطقة خارجية للتعاون الاقتصادي والتجاري، وأتَاحَت للدول المُضيفة عائدات ضَريبيّة تتخطّى الملياري دولار، ووفّرت 244 ألف فُرصة عمل، وفقًا لبيانات وزارة التجارة.
مُبادرة الحزام والطريق ليست مُجرّد مسار اقتصادي، بل تتضمّن مسارات أخرى، حيث تسعى الصين لأن تكون وجهة للتبادل الثقافي والعلمي وتمّ إنشاء بَرنامج للمنح الدراسيّة لدول مُبادرة طريق الحرير في العام 2017م، وبلغ عدد طُلاب المُبادرة بالصين أكثر من (300) ألف طالب، وفي مجال السياحة فإنّ الصين تتوقع بحلول 2020م أن يبلغ عدد السياح (85) مليون سائح سوف يدخلون للبلاد حوالي (110) تريليونات دولار، فيما سترسل الصين لدول المبادرة 8 ملايين سائح.
يُمكن القول إنّ مُبادرة الحزام والطريق أن تُوفِّر للسودان وغيره من الدول فُرصاً غير مَحدودة سواء عبر إقامة شَبكات للنقل البري والبحري والمعلوماتي أو تطوير التعاون في مجال التقنية والفضاء ومُواكبة ثورة الطاقة النظيفة والتطوير السّريع للصناعات الخَضراء، فَضْلاً على التواصل الحَضاري مع الصين والعالم.
<<<
2
تقارب القلوب
توفر المبادرة لأجهزة الإعلام منصة مشتركة لتبادل المعلومات وتقاسم الخبرات وتعزيز التعاون، وهو ما يعزز التعاون الدولي ويرسخ السلام والرخاء والإبداع الحضاري؛ فتبادل المصالح يعتمد على التواصل الشعبي بعد تقارب القلوب، وهو ما تقوم به أجهزة الإعلام.
رئيس صحيفة الشعب اليومية لي باو شان، أكد في كلمته خلال المنتدى، أن هدف المنتدى توفير منصة إعلامية للدولة المشاركة على طول الحزام والطريق، ومواجهة العزلة الدولية لتحقيق التنمية المستدامة لجميع المشاركين، مضيفا أن التنمية هي الحل الأمثل لكل المشاكل والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي نحو تحقيق الاستقرار والسلام، مشيرا إلى أنه دون تبادل الخبرات والتجارب بين الدول المختلفة يصعب تحقيق التنمية المطلوبة في الوقت الحالي، وأن مبادرة الحزام والطريق جاءت تلبية من الدول الراغبة في تحقيق التنمية والتقدم وتوفير معيشة رغيدة لشعوبهم.
<<<
3
العولمة الصينية
يعد إطلاق المبادرة في هذا التوقيت ضرورة اقتصادية استراتيجية للصين وشركائها، في ظل محاولات أمريكا وحلفائها السيطرة على الثقل الاقتصادي الذي تتمتع به الصين عبر فرض القيود على التجارة الصينية.
ليس ذلك فحسب، ولكنَّ جوهر المبادرة يتعلق بكونها تُمثِّل الجسر الرئيس للربط بين الحلم الصيني (مجتمع مزدهر باعتدال بحلول العام 2020- أمة محدَّثة بشكل أساسي بحلول العام 2035-أمة اشتراكية ثرية وقوية بحلول العام 2050).
لذلك تدرك الصين أنه لتحقيق (مجتمع البشرية ذي المصير المشترك)؛ فإن مبادرة طريق الحرير تمثل أداة الصين النهائية.
أما الدوافع الرئيسية لها فتتعلق بحل مشكلة الصين تجاه فائض الإنتاج، حيث ينبغي أن يتجاوز معدل الاستهلاك للإنتاج الصناعي 85%، إلا أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن الاستهلاك لإنتاج الصناعي الصيني لا يتجاوز 65%، ويرجع ذلك إلى أن الأسواق التقليدية للصين مثل أمريكا وأوروبا واليابان تشبعت ولم يعد بالإمكان التوسع فيها فضلاً عن القيود التجارية التي بدأت تظهر مؤخراً. وفي ظل صعوبة فتح الصين تسريع الاستهلاك المحلي للصين، فإن فتح أسواق جديدة يعد طريقة مثالية للمشكلة.
الأمر الثاني يتعلق بحل مشكلة الصين في الوصول للموارد الطبيعية؛ فالصين تعتمد بشكل أساسي على الموارد الطبيعية من نفط وغاز وطبيعي ومعادن تأتي من خلال الممرات البحرية التي تتعرّض لتهديدات خارجية. وتراهن الصين على أن تخلق المبادرة العديد من الممرات للوصول للموارد الطبيعية التي تفتقر إليها؛ لذلك فهي تتضمّن إنشاء مشروعات سكك حديدية لتساعد في بناء المزيد من مشروعات التعدين وتصدير المعادن الاستراتجية، كالذهب واليورانيوم والنحاس.
الأمر الثالث يتمثل في توسيع الصين للعمق الاستراتيجي والأمن القومي، حيث إن المراكز الصناعية الكبرى توجد في المناطق الساحلية الشرقية والتي تتصف بالهشاشة في حال اندلاع حرب، وهو ما يجعلها عرضة لأول ضربة عسكرية تستهدف الصين، فضلا عن أنها خلقت فارقا تنمويا بين المناطق الشرقية والغربية الفقيرة، لذلك تسعى للانفتاح غربا لتوسيع العمق الاستراتيجي وتعزيز الأمن القومي ومحاولة إحداث قدر من التوازن التنموي بين الشرق والغرب.
يقول رئيس معهد التنمية الاستراتيجي الصيني جينغ بي جيان، إن الأزمات الاقتصادية لا تعني نهاية العولمة وآثارها لأن مبادرة الحزام والطريق تعد نقطة تحول بعد أن تطورت الأزمات الناتجة عن العولمة لمعالجة العيوب خاصة أن الدول المتقدمة بدأت تعاني من مشاكل اقتصادية، مما يؤثر على بقية دول العالم، وأضاف المسؤول الرفيع المستوى أن العالم أصبح في مفترق طريقين: الأول المصالح الذاتية، وهو ارتداد للعولمة؛ والثاني تقاسم المصلحة المشتركة من أجل الاستفادة من القوة البشرية للعالم ودمج الأصول المالية، وتعميق مصالح الأطراف الاقتصادية لدخول مرحلة جديدة، وأن مبادرة الحزام والطريق، هي الفرصة التاريخية لتطوير العولمة خاصة أن العالم يعاني من أزمة في هياكل الاقتصاد بسبب إفرازات العولمة، والدليل أن دول (البريكس) شهدت نقلة كبيرة ستعود بالفائدة على دولها والدول النامية في العقد الثاني من القرن الحالي لإعادة تطوير الاقتصاد العالمي.
قال جينغ بي، إن أبرز الفوائد التي ستعود جراء إحياء طريق الحرير أن الصين ستجد فرصاً جديدة للنمو الاقتصادي ونقطة تحول، لأن العالم الذي يعتمد على الممر البحري سيجد في مبادرة الصين التي تعتمد على الطريق البري سيفتح آفاقاً كبيرة للدول. وحول الانتقادات التي يقولها البعض، بأن مبادرة طريق الحرير تشبه مشروع مارشال بعد الحرب العالمية، قال رئيس معهد التنمية الاستراتيجي إنهم يعيشون بالعقلية التقليدية وإن على دول الحزام والطريق الاستعداد لخوض النضال التاريخي المتوقع وغير المتوقع بزيادة الاندماج الثقافي والاقتصادي.
<<<
4
الحلم بات حقيقة
على مدى السنوات الخمس الماضية، تحول بناء “الحزام والطريق” تدريجياً من الفكرة إلى العمل، ومن الرؤية إلى الحقيقة، فقطارات الشحن باتت تتدفق من تعد أكبر مركز لتوزيع السلع الصغيرة في العالم من مدينة ييوو في شرق الصين إلى عاصمة الضباب لندن في 17 يوماً، ضمن 43 مدينة صينية تتنافس للوصول الأوروبية.
ليس ذلك فحسب، بل تمدد خط أنابيب الغاز من تركمانستان إلى شينجيانغ في شمال غرب الصين -كل هذا أصبح حقائق على الأرض. وعلى طول الطريق، يتم تطبيق تقنيات وأدوات وصل البنية التحتية – على شبكات السكك الحديدية ومعامل الطاقة الكهربائية والمزارع الشمسية وطرق المركبات والجسور والموانئ وخطوط الأنابيب – وسوف تكون مرتبطة عن كثب مع التمويل عبر بنك استثمار البنية التحتية في آسيا واشتراطات التعاون الاقتصادي لمنظمة تعاون شنغهاي، لبناء الطريق الجديد بين اليورو -آسيوي من شنغهاي إلى روتردام؛ أو لاستحضار رؤية فلاديمير بوتين الأصلية، حتى قبل طرح مبادرة الحزام والطريق “من لشبونة إلى فلاديفستوك”.
بكين سوف تفعل كل شيء لتبقى مستقلة قدر الإمكان عن نظام البنك المركزي الغربي؛ حيث سيتم تفادي بنك التسويات الدولي في أي عدد ممكن من الصفقات التجارية، لما يعود بالنفع على المعاملات المقومة باليوان الصيني أو المقايضة المباشرة وعلى رأسها النفط.
المحصلة في النهاية، مع حلول العام 2050، سوف تكون – ما لم تظهر عقبات خفية معقدة وحتمية – قيام سوق مندمجة تتكون من 4.5 مليارات شخص يتداول معظمهم العملات المحلية للتجارة الثنائية ومتعددة الأطراف أو سلة عملات (يوان وروبل وريال وين وروبية).
لم تعد الصين القاطرة الكسولة التي تنتظر رحلة مجانية لتجرها الكيانات الاقتصادية العالمية التي تتزعمها أمريكا، بل إنها عبر مبادرة الحزام والطريق تطرح نفسها رأس قطار قادر على جر العالم بقاراته المختلفة في رحلة للرفاه والنماء المشترك تقوم على إرث إنساني قائم على التعاون، والصينيون يؤمنون بأنه لا يمكن لك أن تزدهر في ظل عالم مليء بالنزاعات والحروب التي يمثل غياب التنمية وتوازنها المحرك الأساسي لها ويقولون: “الربيع لا يأتي بتفتح زهرة واحدة”،و”الشجرة الواحدة لا تصنع غابة”.خلاصة القول أن مبادرة الحزام والطريق باتت تيارا عالميا غير قابل للتوقف يشبه فريق كرة قدم تختلف أدوار لاعبيه وتتباين نقاط ضعفهم وقوتهم، ولكن تتكامل جهودهم من أجل هدف واحد هو الفوز المشترك.
*محمد عبد العزيز: صحفي سوداني مختص بالشان الصيني وعضو في الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين، وحاصل على زمالة المركز الصيني الافريقي للاعلام، وحاصل على زمالة (الصينلوجست) الشباب