هكذا تعرفتُ على الصين!
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق*:
لطالما قلتُ إنني شخص عالمي لا يمكن أن أحُدَّ من طموحاتي وأحلامي وأنَّ حدودي هي السماء، ولكن هذه العبارات والنعوت التي أطلقتها على نفسي والتي ربطتها بحياتي الشخصية قد كانت من الماضي. فأنا اليوم أنتمي وبكل فخر إلى الأمة الصينية بعد انتمائي الوطني إلى لبنان، أو بالأحرى قد وجدت أمة عظيمة في الصين يمكن أن تكون قدوة لباقي دول العالم، خصوصاً لمجتمعات العالم الثالث التي تسعى إلى التطور والارتقاء.
أنا من الأشخاص الذين يفضلون الطريقة التجريبية في الحياة ومن بعدها إصدار الاحكام وليس التعامل مع الوقائع بعيون الآخرين، فبعد زياراتي للعديد من عواصم العالم الأول وبعد زيارتي للصين يمكنني الجزم بأنَّ الصين هي من أفضل الدول في العالم ولا منازع لها على الإطلاق، وأنا أعلمُ مسبقاً أن الشعب الصيني لا يحبّذ هذه النظرة إليه، لأنه شعب متواضع وليس فوقيّاً. إنَّ نظرتي هذه التي كونتها عمادها الشعب، فالشعب الصيني يختلف عن الشعوب الأوروبية والأميركية لأنه طيب القلب ويحب الآخر ولا يمّيز بين إنسان وآخر بسبب اللون أو الجنسية أو الدين، وهذه الطريقة في التعامل هي أسمى العلاقات الإنسانية، فروح الشر والتفرقة والتعصب والعنصرية لم ولن تضرب الصين.
إنها بلاد كونفوشيوس والحكمة والراحة النفسية والتأمل، ومن هناك انطلقت أعظم الحضارات على وجه المعمورة، فللصين جذور قوية وعميقة في تاريخ البشرية ومهما تغيرت الأيام وعصفت رياح الحقد والإرهاب في العالم، ستظل الصين هي أرض السلام، والأرض التي تجمع الشعوب والقوميات والأديان على مائدة محبّة الوطن والعمل على إعلاء اسم الدولة الصينية عالياً.
إنني أنتمي إلى دولة صغيرة اسمها لبنان، ووطني ليس بالقوة العظمى، وهو غير قادر على إحداث التغييرات في المعادلات السياسية والأمنية في العالم. أما إذا خُيّرتُ بين التحالف مع الصين أو مع دولة أخرى في العالم، فحتماً ومن دون تردد سأكون إلى جانب الصين، لأنَّ دول العالم بأسرها لم تجلب إلى لبنان سوى التفرقة والارهاب والعنف وقد عملت على جعل لبنان بحالة ضعف اقتصادي دائم من أجل التحكم به وبقراراته وجعله في موقع المرتهن للقوى الكبرى، أما الصين ومن خلال التجربة مع الكثير من دول العالم الثالث فقد أثبتت أنها صديق حقيقي يعمل بعقلية الربح المشترك، فهي لا تنوي السيطرة على أنظمة العالم وتحويلها إلى أنظمة مشابهة لها، وعكس الدول الاستعمارية القوى الكبرى في العالم فإنَّ الصين لم تستخدم يوماً العنف أو السلاح لفرض رأيها أو للسيطرة على الآخر بالرغم من أنها تمتلك واحداً من أقوى جيوش العالم.
إنَّ التجربة السياسية في لبنان وفي دول العالم الثالث أثبتت أنَّ القوى الاستعمارية لا تأبه لشعوب العالم الثالث ولا حتى لمصيرها، فكل ما يهمها هو الاستفادة من ثرواتها، وأن تكون حياة شعوب العالم الأول عصرية وفيها الكثير من الرخاء والخدمات الاجتماعية، وكل هذا على حساب شعوب العالم الثالث. كل ما سبق وذكرناه يؤكد على عدم وجود العدل وعلى أنَّ كل دولة تسعى إلى مصلحتها الشخصية أولا ومن ثمَّ مصلحة المجموعات التي تشبهها دينياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، أما الصين فتحاول استيعاب جميع دول وشعوب العالم بغض النظر عن الدين أو اللون أو الايديولوجية السياسية، وقد جاءت مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ لتثبت استراتيجية السلام التي تعمل الصين عليها.
إنَّ الدولة الصينية بجميع سياساتها تمثّلني، وأنا أشعر بالانتماء إلى هذه الأمة حتى ولو لم أكن صينياً بالولادة، وإذا كانت الصين هي القوة العظمى والمركزية في العالم فهذا الأمر سوف يسعدني وسأكون من أوائل المرحبين بالتنين الصيني في منطقة الشرق الأوسط. إنَّ هذا العالم قد تعب من السيطرة الغربية ونحن اليوم بحاجة إلى كسر نمط الفوقية في التعاطي مع الدول، وعلينا التعامل مع فكرة أنَّ الصين هي قوة عظمى لأن هذا سيكون واقعاً مفروضاً.
* عضو مرشح في الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين ـ فرع لبنان. باحث في شؤون الصين ومتابع لملف مراكز الأبحاث والجامعات الصينية