رسالة إلى وزير الدولة لشؤون التجارة الخارجية “الأستاذ حسن مراد”
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمد زريق:
مع الأحداث المتسارعة التي تشهدها المنطقة والوضع الاقتصادي التي يتحول من سيئ إلى أسوأ بات من المُلِح تشكيل حكومة لبنانية لتفادي الكثير من الويلات والأزمات التي قد تنتج في المستقبل القريب. بالفعل، تمَّ الاعلان عن عملية تشكيل حكومة وحدة وطنية البارحة، هذه الحكومة التي طال انتظارها والتي أخذت صفة “حكومة الوحدة الوطنية”، فشكراً لكل من تنازل وتقبل الآخر وصبر وأصر. إنها أيضاً حكومة “العهد القوي” والتي يَعقِد عليها الشعب اللبناني آمال كثيرة.
إنها حكومة مميزة وفريدة من نوعها، بتولي السيدة ريا الحسن منصب وزارة الداخلية والبلديات وهي السيدة اللبنانية والعربية الأولى التي تتولى هذا المنصب، بالاضافة إلى توزير السيدة مي الشدياق والسيدة فيوليت الصفدي والسيدة ندى بستاني، هذه الخطوة تعطي بادرة أمل أنَّ الأفضل قادم. بالإضافة إلى الكثير من الوزراء الأكفاء أصحاب السيرة الطويلة والانجازات العظيمة، وعلى رأسهم الرئيس سعد الدين الحريري.
مرَّ طريق تشكيل الحكومة في الكثير من العراقيل والمطبات والأخذ والرد، وواحدة من المشاكل الظاهرة والتي أخذت الوقت الطويل لحلها كانت إعطاء حقيبة وزارية لممثل للّقاء التشاوري، وفي نهاية المطاف تمَّ هذا الأمر وسيكون اللقاء التشاوري مُمَثَلاً على الطاولة الوزارية. لقد كنت على ثقة تامة أنَّ اللقاء التشاوري سينال مطلبه في نهاية المطاف والذي هو حق مشروع له، ولكنني فوجئت بشيئين هما “اسم الوزير ونوع الوزارة التي تمَّ منحها للقاء التشاوري”.
في السياسة اللبنانية الوزارات متشابهة، فهناك الوزارات السيادية والوزارات الخدماتية والوزارات العادية، ونوعية التمثيل الوزاري تكون مرتبطة بالقوة التمثيلية على أرض الواقع للأحزاب السياسية بالإضافة إلى ارتباطها بالطائفية السياسية المعهودة. ولكن المفاجأة كانت منح اللقاء التشاوري وزارة فوق العادة “وهي وزارة شؤون التجارة الخارجية” لنجل النائب عبد الرحيم مراد، في وقتٍ سيكون فيه لبنان المركز التجاري الأول، خصوصاً مع إعادة إعمار سوريا والعراق.
إنَّ لبنان اليوم على مفترق طرق “بين القوقعة والانعزال أو الانطلاق إلى الحضن العربي مع إبقاء علاقاته المميزة مع المجتمع الدولي بكل اتجاهاته”. وأنا أعطي الأهمية الكبرى لوزارة شؤون التجارة الخارجية ليس لمجرد ملء الفراغات أو التعظيم بوزارة مستحدثة ولا حتى للانتقاص من أهمية بعض الوزارات، إنما لأنَّ لغة الواقع اليوم هي “الانفتاح والانتقال من مراحل سوداء إلى أخرى ستكون أفضل”.
إنَّ الدور الريادي الذي لعبه لبنان ولا يزال وموقعه الاستراتيجي يجعلان منه بلداً تجارياً مميزاً بحوزته الكثير من الفرص التي عليه أن يستغلها، هذه الأهمية تتزايد اليوم مع الحديث عن إعادة فتح العلاقات مع سوريا وبالتالي المزيد من الاستثمارات لجعل لبنان بوابة كبيرة للمشاريع والاستثمارات. وعند الحديث عن المواصلات والسكك الحديدية وتجديد شبكة النقل البري في لبنان، فمجدداً إنَّ وزارة شؤون التجارة الخارجية هي المعنية، بالاضافة إلى تطوير المرافئ البحرية وشبكة المواصلات الجوية اللبنانية، وإعادة النظر من جديد بالدور الذي يمكن لمطاري القليعات ورياق أن يلعباه، خصوصاً في وقتنا الحالي.
إنَّ وزارة شؤون التجارة الخارجية سوف تركز على تعزيز الاتفاقيات الموقعة بين لبنان والعديد من الدول والمجموعات الدولية ومنها اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى واتفاقية الشراكة مع دول الاتحاد الاوروبي واتفاقية التجارة الحرة مع دول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، بالاضافة إلى التجارة الثنائية بين لبنان ودول الجوار والخارج.
إنني على ثقة تامة بأنَّ الأستاذ حسن مراد سوف يولي أهمية كبرى إلى الملف التجاري بين لبنان وأميركا اللاتينية، خصوصاً أن البرازيل هي وطنه الثاني بعد لبنان، وهذا ضروري جداً خصوصاً مع وجود جالية لبنانية ضخمة في منطقة أميركا اللاتينية والتي بالتأكيد سوف تفيد لبنان. وأنا أعلم أن ملف التجارة بين لبنان والصين سوف يكون على طاولته، ولكنني كم أتمنى لو يولي الوزير مراد ملف العلاقات اللبنانية الصينية المساحة الأكبر والاهتمام الزائد.
إنَّ التجارة الدولية اليوم وبالأرقام مرتبطة بالمارد الاقتصادي الصيني، هذه الدولة التي تتزايد قوتها الاقتصادية يوماً بعد يوم وبسرعة خيالية، وهي اليوم تحتل المرتبة الثانية عالمياً بعد الاقتصاد الاميركي ومن المرجح أن تحتل المركز الأول في السنوات المقبلة. إنَّ الصين اليوم هي رائدة التجارة الدولية عن طريق المبادرات المبتكرة والغير مسبوقة التي تعمل على تنفيذها، ومن ضمن هذه المشاريع “Made in China 2025” ومبادرة “حزام واحد طريق واحد أو الحزام والطريق”، هذه المبادرات تضع الصين في المقدمة وتحولها إلى مركز اقتصادي ضخم مرتبط بكافة اقتصادات العالم.
إنَّ العلاقات اللبنانية الصينية قديمة جداً ويقدر أنها بدأت حوالي العام 2000 ق.م.، والشواطئ اللبنانية كانت النقطة التي عبروا من خلالها إلى العالم، ولبنان اليوم هو على خارطة مبادرة الحزام والطريق إيماناً من الرئيس الصيني بالدور التاريخي والهام الذي يمكن للبنان أن يلعبه في إنجاح هذه المبادرة، مع العلم بأنَّ الصين ستكون الشريك الأكبر في إعادة إعمار سوريا بعد الأزمة وهي بحاجة للمرافئ اللبنانية ولمنافذه البرية في هذه الورشة.
إنَّ العلاقات اللبنانية الصينية اليوم هي جيدة ولكنني أنتظر أن تصل في القريب العاجل إلى مرتبة العلاقات المميزة، لأنَّ الصين هي دولة سلام ولن تجلب للبنان سوى الازدهار والإعمار، كما أنَّ لبنان في وضعه الحالي هو بحاجة لإعادة تأهيل وبالتالي إلى شريك قوي للوقوف إلى جانبه، وأنا أرشح الصين إلى لعب هذا الدور، وأنا على ثقة تامة بأنَّ إخواننا في الصين لديهم التوجهات نفسها وهم على استعداد للدخول في شراكة استراتيجية متينة مع لبنان.
إنَّ الصين هي الدولة القوية وستكون الشريك القوي، فقط إذا تمَّ اتخاذ القرار الشجاع من قبل الدولة اللبنانية، بوضع المصالح الشخصية والطائفية والحزبية جانباً والتفكير بذهنية الدولة الحكيمة، إنها فرصتنا الذهبية. “فرصتنا” لأنها ستفيد كل لبنان وليس مجموعة من اللبنانيين، ولأنَّ وطننا يستحق بعضاً من الحياة بعد طول الأزمات.
على أمل أن تترجم هذه الكلمات إلى أفعال. وأنا على ثقة بأنَّ هذه الكلمات سوف تلقى صداها لدى وزيرنا الشاب الموعود، وبأنَّ لديه ما يكفي من القوة والاستقلالية للنهوض والصعود بهذا البلد.
* عضو في الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين ـ فرع لبنان. باحث في شؤون الصين ومتابع لملف مراكز الأبحاث والجامعات الصينية