ماذا يكمن وراء مؤتمر وارسو حول منطقة الشرق الأوسط؟
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
تستضيف العاصمة البولندية وارسو في ١٣ و١٤ فبراير الجاري مؤتمرا حول”الأمن والسلام في الشرق الأوسط” تنظمه الولايات المتحدة. ومنذ أن نثر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بذرة الاجتماع في يناير الماضي خلال جولته بالشرق الوسط والجدل بشأنه لم يتوقف في إيران والعواصم الأوروبية.
وفي مواجهة غضب وضغط، اضطرت إدارة ترامب مؤخرا إلى التراجع عن الإطار الأصلي الذي رسمه بومبيو لهذا المؤتمر من “بناء تحالف ضد إيران إلى مناقشة حول “الأمن الأوسع” في الشرق الأوسط. مع ذلك، يشير استبعاد إيران وتكليف مجموعة العمل الأمريكية بشأن إيران بالتنسيق للمؤتمر إلى أن الجمهورية الإسلامية تظل التركيز الأساسي لجدول الأعمال.
يشارك في المؤتمر بحسب أخر التأكيدات وزير الخارجية البولندي جاسيك تشوابوتوفيتش، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بينس ووزير الخارجية مايك بومبيو، وصهر الرئيس جاريد كوشنر، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، و11 دولة من الشرق الأوسط.
ولم يؤكد بعد العديد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي مشاركتهم في المؤتمر. ولم يتضح أيضا مستوى تمثيل الدول العربية التي ستشارك، فيما رفضت فلسطين ولبنان الدعوة.
كما رفضت روسيا والصين المشاركة وأعلنت فيديريكا موغيريني، ممثلة السياسة الخارجية والأمنية العليا للاتحاد الأوروبي عدم حضورها. واعتبر وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف المؤتمر بأنه “سيرك ضد إيران”. وحذر مسؤولون إيرانيون آخرون من أن سوء تقدير بولندا سيقابل بـ”رد جدي لا يقبل المساومة”.
— لماذا بولندا?
لم يكن اختيار بولندا لاستضافة الحدث الذي دعي إليه بحسب تقارير 70 دولة أمرا عشوائيا أو وليد الصدفة على الأقل للجانبين الأمريكي والبولندي. فوارسو “حليف ممتاز لواشنطن وجزء قوي من الناتو” بحسب وصف السفيرة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي كاي بيلي هاتشيسون.
وفي ضوء ذلك، وأشياء أخري، لا ينظر لعاصمة الاتحاد الأوروبي في أوروبا الوسطى كمكان محايد مثل جنيف أو هلسنكي أو فيينا، حيث تجري عادة مفاوضات صعبة متعددة الأطراف.
ومنذ الإعلان عن الاجتماع وبدأت التكهنات تتصاعد حول سعي الولايات المتحدة لدق الأسافين بين الأوروبيين وتوسيع الفجوة بينهم بشأن اتفاق إيران النووي. وقد ترك اختيار وارسو بالفعل العديد من العواصم الأوروبية في حالة من عدم الارتياح، ولاسيما الثلاثية الأوروبية –ألمانيا وبريطانيا وفرنسا– والدول الأخرى الداعمة لخطة العمل المشتركة الشاملة.
وكانت الدول الثلاثة قد أعلنت مؤخرا في بيان مشترك إنشاء آلية أوروبية خاصة للمعاملات المالية مع إيران تجاوزا لعقوبات الادارة الامريكية الحالية. وتريد تلك الدول تجنب مواجهة جديدة مع واشنطن بشأن الاتفاق النووي فيما ترفض نهج المواجهة الأمريكي خوفا من تغذيته لعدم الاستقرار الإقليمي.
وبرأي المراقبين، تكمن عدة عوامل وراء موافقة بولندا على استضافة المؤتمر. فرهاناتها السياسية والاقتصادية على إيران ليست عالية، بالمقارنة مع دول رئيسة في الاتحاد الأوروبي. كما أن سجل انخراطها في منطقة الشرق الأوسط ليس بالدرجة الكبيرة، وتتملكها رغبة في توسيعه.
— الفرضية الأقرب
لكن فرضية اهتمام بولندا بعقد الاجتماع المثير للجدل سعيا لإقامة شراكة خاصة مع الولايات المتحدة تبدو الاحتمال الأكثر ترجيحا برأي المراقبين. وأيد عدد من ممثلي الحكومة البولندية هذه القراءة من خلال التأكيد “على الدور الرمزي للحدث من أجل تعزيز مكانة بولندا المتنامية في العالم والتعاون الاستراتيجي مع واشنطن”.
ومن المتوقع في مارس المقبل أن تصدر قرارات أمريكية بشأن تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في بولندا، وهو هدف يتمتع بأولوية في السياسة الأمنية والخارجية الحالية في بولندا. وتدفع بولندا منذ وقت باتجاه إقامة قاعدة أمريكية على أراضيها اقترح رئيسها أندري دودي أن تكون اسمها” فورت ترامب”، في خطوة من المحتمل أن تؤدي إلى زيادة التوتر بين بولندا وروسيا.
وقبل أقل من يومين على عقد المؤتمر، أعلن وزير الدفاع البولندي ماريوش بلاشتشاك أن بولندا ستوقع الأربعاء، أحد أيام المؤتمر، مع الولايات المتحدة عقد شراء قاذفات صواريخ محمولة من طراز “هيمارس” بقيمة 414 مليون دولار.
وفي قراءته لوجهة النظر البولندية، يرى بيوتر بوراس، الخبير البولندي في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن” وارسو ليست الآن في لحظة مناسبة لرفض المطالب الأمريكية خاصة بالنسبة لحكومة معروفة بدعمها لدونالد ترامب وعلاقات متوترة مع شركاء الاتحاد الأوروبي”.
ولم تعلن بولندا التخلي عن دعمها لخطة العمل المشتركة الشاملة وبينما تؤكد على ضرورة عمل الاتحاد الأوروبي على إنقاذ الاتفاق النووي، تعتقد أنه من الخطأ دخول أوروبا في صراع كبير مع الولايات المتحدة حول إيران.
ويجادل بعض الدبلوماسيين في وارسو بأن المؤتمر يمكن أن يساعد في الواقع على إنقاذ الاتفاق النووي بدلاً من قتله. ويفترض أنصار هذا الرأي أن المؤتمر القادم سيتناول عددا من القضايا الإقليمية المهمة، بما في ذلك الإرهاب والتطرف وتطوير الصواريخ والانتشار والتجارة البحرية والأمن، و”من شأن إحراز بعض التقدم في هذه القضايا يمكن أن يصل الاتفاق النووي إلى نقطة التوازن ويجعل الالتزام به خيارا أكثر معقولية بالنسبة للولايات المتحدة”.
— النتائج والاحتمالات
وبالرغم من محاولة بولندا تهدئة الأعصاب بشأن المؤتمر إلا أن التوقعات بشأنه منخفضة. ويتوقع المراقبون أن لا تأتي رياح الانقسام بما تشتهي السفن.
جيرمي شابيرو، المسؤول السابق بوزارة الخارجية الأمريكية، واحد منهم ويقول إن:” المؤتمر نفسه وما سبقه لا يرتقي ببساطة إلى مستوى تقسيم الاتحاد الأوروبي على نحو ما فعلت إدارة بوش في الفترة التي سبقت حرب العراق عام 2003″.
ويضيف :”الأرجح أن الغرض من المؤتمر هو ببساطة إبقاء النشاط الأمريكي المناهض لإيران في صفحات الأخبار والحفاظ على الرواية التي تقول إن الولايات المتحدة وبومبيو يقومان بشيء حول التأثير الإيراني الخبيث”.
ويعي الأوربيون جيدا أن الولايات المتحدة تريد مواصلة “أقصى ضغط “على إيران لكنها لم تحدد في الواقع كيفية ترجمة ذلك الضغط إلى سلوك أفضل من جانب إيران. هل تسعى إلى تغيير النظام، أو التدمير الشامل للاقتصاد الإيراني، أو ربما إثارة التصعيد مع إيران كمقدمة للحرب؟.
وتنظر طهران إلى المؤتمر كمحاولة أخرى من قبل الولايات المتحدة لعزل البلاد وتقسيم الدول الأوروبية بشأن سياستها تجاها، وهي نتيجة تحرص طهران على تجنبها.
وفي داخل إيران، تبدو المشاعر مختلطة حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنجح في محاولاتها. لكن من غير الواضح كيف سترد طهران على الدول المشاركة.
ويعتقد الخبير الإيراني إيلي جيرنمايه أن” إيران ستقوم بتقييم ردها الكامل بناءً على نتائج مؤتمر وارسو والأهم من ذلك مستوى التمثيل الأوروبي في الاجتماع”.
وفي سبتمبر الماضي، قامت ادارة ترامب بمحاولة مماثلة لعزل إيران في الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال إطلاق جلسة خاصة لمجلس الأمن تركز على برنامج إيران النووي جاءت بنتائج عكسية.
وبعد ضغوط، اضطرت الولايات المتحدة إلى توسيع جدول الأعمال ليشمل قضايا عدم الانتشار على نطاق أوسع ولاقت الصفقة الإيرانية دعمًا قويًا من المجتمع الدولي.
وقال الخبير الإيراني إن” فشل المؤتمر في نهاية المطاف يخدم مصلحة طهران في عدم المبالغة في رد الفعل والإشارة بدلاً من ذلك إلى أنها كانت محاولة فاشلة أخرى من قبل واشنطن لتحويل العالم ضد إيران”.