مؤتمر “سياسة الصين الإثنية”: رد على الإدعاءات الأمريكية؟
مركز سيتا للدراسات ـ
سمر رضوان:
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإجراءات متعددة لخلق تكتل عالمي جديد يتحكم بالطرق والمنافذ الدولية، في محاولة منها لمواجهة “طريق الحرير” الصيني الذي يصل بين دول أسيا ودول أوروبا وأفريقيا في وقت بدأت فيه معالم الصراع على السيطرة الإقتصادية والتجارية الدولية تتسع أكثر فأكثر. وتحت ذات العناوين، يبدو أن تحريك مسألة الإيغور هي وسيلة ضغط أمريكية على بكين، حيث تأتي كأولوية سياسية واقتصادية أكثر منها إنسانية في خضم “الصراع” الإقتصادي التي تقوده واشنطن عبر الحرب التجارية.
من هنا، نظمت الصين مؤتمراً، في مدينة أورومتشي – شينجيانغ، بعنوان “سياسة الصين الإثنية والتعريف بالوحدة والتضامن بين المجموعات القومية: التطبيق والإنجازات“، شارك فيه أكثر من ستة عشر وفداً من حوالي 43 دولة، حيث جاء كخطوة صينية متقدمة لدحض كل الشائعات المتعلقة بإقليم شينجيانغ. هذا الحضور الدولي الكبير جال في مناطق كثيرة من مدينة أوروموتشي، وشاهد بأم العين كيف يعيش الإيغوريين على ارض الواقع، وكيف يستعملون لغتهم دون أي عوائق. فعلى سبيل المثال، لا توجد لافتة واحدة في كل أحياء المدينة إلا وكتب عليها باللغتين الصينية والإيغورية.
للوقوف على هذه التطورات والمستجدات المتعلقة بموضوع المسلمين في الصين، سأل مركز “سيتا”، الأستاذ محمود ريا، المتخصص في الشؤون الصينية وأحد المشاركين في المؤتمر.
إختراق المارد الصيني
المسلمون في الصين ليسوا من قومية واحدة ولا يشكلون أقلية موحدة، وإنما هم من قوميات مختلفة تصل إلى عشر قوميات أكبرها قومية الإيغور التي تتركز في مقاطعة شينجيانغ، وقومية الهوي التي تتركز في مقاطعة نينغيشيا. من هنا، لا يمكن الحديث عن المسلمين في الصين على أنهم كيان واحد، ولا استعراض أوضاعهم من خلال حوادث معينة تحدث في منطقة محددة، اذ ان المسرح الفعلي للأحداث التي تتعلق بالمسلمين الصينيين هو في منطقة شينجيانغ التي تقع في أقصى شمال غرب الصين، حيث توجد قومية الإيغور التي يزيد عدد المنتمين إليها عن العشرة ملايين نسمة.
اما حقيقة ما يحصل في تلك المنطقة فهو وجود عناصر متطرفة قامت، خلال فترات مرت، بأعمال إرهابية مترافقة مع حملات تحريض على انفصال المنطقة عن الوطن الأم، الأمر الذي دفع السلطات الصينية الى اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لحماية المواطنين والقضاء على تلك البؤر والعناصر الإرهابية.
الغطاء… حقوق الإنسان
تستغل القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، هذه المجموعات لتنفيذ أجندة إضعاف الصين وإشغالها وزعزعة الإستقرار فيها نظراً لما تشكله من ثقل اقتصادي واستراتيجي كبير، فضلاً عن كونها الممر الطبيعي لـ “طريق الحرير” الجديد الذي تطمح الصين لتفعيله من خلال “مبادرة الحزام والطريق”.
إن الدعم السياسي والإعلامي الغربي والأميركي لهذه الحركات الإنفصالية والإرهابية ليس بريئاً بالتأكيد، وإنما يهدف إلى زرع القلاقل والإضطرابات وإفقاد الصين احدى أهم أوراق القوة الإقتصادية والإستراتيجية.
هذه السياسة الأميركية ليست جديدة فقد استخدمتها ضد العديد من دول العالم، ومنها الإتحاد السوفياتي السابق، ودائماً ما تكون عناوين “حقوق الإنسان” ومحاربة القمع هي الغطاء الذي تسير تحته المصالح، إذ لا يهم المخططين في الولايات المتحدة ما سيكون مصير الأوراق التي يلعبون بها. لذلك، فهم لا ينظرون إلى الثمن الذي يدفعه المسلمون، في مقاطعة شينجيانغ بالتحديد، جراء تحريك واشنطن لبعض المجموعات الإرهابية التي تتراوح معتقداتها بين المعتقدات الإسلامية السلفية، والأخرى التي تحمل الشعار الوطني والقومي. بل ان كل ما يهمهم هو تحقيق الأهداف الإستراتيجية الأميركية التي تستهدف الصين، ووحدتها الإقليمية، وتناغم قومياتها واستقرارها الداخلي.
“قلق” أمريكي
إن ما يقوم به الإنفصاليون من أعمال إرهابية ينعكس أولاً على أبناء المنطقة الذين يعانون من آثارها، كما أنه يدفع بالسلطات الصينية إلى اتخاذ إجراءات أقوى من المعتاد لضمان الأمن والسلم الأهلي في المنطقة، وهذا بدوره يؤثر سلباً إلى حد ما على مصالح المواطنين المقيمين هناك.
أما “مبادرة الحزام والطريق” فهي تعد مصدر قلق للأميركيين لكونها تؤسس نمطاً جديداً من التعاون الإقتصادي والسياسي بين دول “طريق الحرير” الجديد، وحتى بين دول العالم كافة. هذا النمط يقوم على التشارك والتفاهم والمنفعة المتبادلة والمساواة في تقاسم الأعباء والفوائد، وهو يختلف عن النمط الأميركي القائم على استغلال الدول الأخرى، وتحقيق الكسب غير المشروع على حساب المصالح المشروعة للأمم الأخرى.
إضافة إلى ذلك، فإن لهذه المبادرة بعداً استراتيجياً يتمثل في فتح خطوط واسعة للتبادل الإقتصادي على طول الحزام الإقتصادي لـ “طريق الحرير” بشقيه البري والبحري، وهذا التبادل يتم بعيداً عن الهيمنة الأميركية وسيطرة واشنطن على ممرات العبور البحرية والبرية.
كل هذه الأمور لا تسعد الإدارات الأميركية بالطبع، بل تدفعها للسعي إلى إفشال المبادرة وعرقلة الخطوات المتخذة للسير بها قدماً. ولعل أهم الوسائل التي تستخدمها واشنطن في هذا المجال يكمن في تسعير الإضطرابات ضمن منطقة شينجيانغ، التي تعتبر الممر الإجباري لـ “طريق الحرير” الجديد، وذلك تحت دعوى حماية حقوق الإنسان.