النص الكامل لمقال موقع بقلم الرئيس الصيني شي جين بينغ في صحيفة إيطالية
نشر مقال موقع بقلم الرئيس الصيني شي جين بينغ بعنوان “الشرق يلتقى الغرب — فصل جديد من الصداقة الصينية الإيطالية”، نشر اليوم (الأربعاء) في صحيفة ((كوريري ديلا سيرا)) الإيطالية قبل زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الصيني إلى هذا البلد الأوروبي.
وفيما يلي النسخة العربية من النص الكامل للمقال:
الشرق يلتقى الغرب
— فصل جديد من الصداقة الصينية الإيطالية
شي جين بينغ
رئيس جمهورية الصين الشعبية
إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أقوم بزيارة دولة إلى جمهورية إيطاليا بدعوة من الرئيس سيرجيو ماتاريلا في فصل الربيع الذي تتفتح فيه الزهور. ففي عام 2011، زرت روما بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ150 للوحدة الإيطالية، وفي عام 2016 توقفت في زيارة لساردينيا. وقد أعجبت إعجابا شديدا بطريقة الحياة وبالآفاق الصناعية لإيطاليا التي تمزج بين القديم والجديد والتقليدي والحديث. والآن، وقد أوشكت على أن تطأ قدماي مرة أخرى أرض هذا البلد الجميل، أشعر بأنني سأكون في رحاب أصدقاء قدامى ومنغمس في كرم ضيافتهم الرائعة.
تعد الصين وإيطاليا نموذجين ممتازين للحضارات الشرقية والغربية، وكتبتا فصولا رائعة في تاريخ التقدم البشري. ونظرا لكونها مهد الحضارة الرومانية العريقة ومهد النهضة، فإيطاليا معروفة لدى الشعب الصيني بمواقعها الأثرية المهيبة وروائعها التي قدمتها أسماء عظيمة في الفن والأدب. فالعلاقات الودية بين حضارتينا العظيمتين تعود إلى زمن بعيد. فمنذ ما يزيد عن ألفي عام مضت، ربط طريق الحرير بالفعل بين الصين وروما القديمة، رغم أنهما تبعدان عن بعضهما البعض آلاف الأميال. وخلال عهد أسرة هان الشرقية (25- 220 م)، تم إيفاد المبعوث الصيني قان يينغ للبحث عن “دا تشين”، الاسم الصيني للإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت. وأشار الشاعر الروماني فيرجيل والعالم الجغرافي بومبونيوس ميلا في العديد من المراجع إلى “سيريس”، أرض الحرير. وأنتجت سفريات المستكشف الشهير ماركو بولو الموجة الأولى من “الولع بالصين” بين الدول الأوروبية. وتلي هذا الرائد في مجال التبادلات الثقافية بين الشرق والغرب قائمة طويلة من الشخصيات التي عملت بحثا عن الصداقة عبر القرون.
وفي عصرنا هذا، تفيض العلاقات الصينية الإيطالية، التي تتبع خطى أجدادنا، تفيض حيوية. فقد أقامت جمهورية الصين الشعبية وجمهورية إيطاليا علاقات دبلوماسية ثنائية في عام 1970. وفي عام 2020، ستحتفل الدولتان بالذكرى الـ50 لإقامة العلاقات بين بلدينا. وخلال العقود الماضية، تمتعت دولتانا بثقة متبادلة وتعاون وثيق بغض النظر عن التغييرات الحاصلة في المشهد الدولي. ومعا، قدمنا نموذجا جيدا للعلاقات متبادلة المنفعة بين بلدين لديهما أنظمة اجتماعية مختلفة وخلفيات ثقافية مختلفة ومراحل تنموية مختلفة. وأصبحت الصداقة التقليدية بيننا، وهي أقوى مما مضى، أصبحت ركيزة قوية تدعم النمو السريع والمطرد لعلاقاتنا الثنائية.
إن الصداقة الصينية الإيطالية تضرب بجذورها في تاريخنا الطويل من التبادلات. وعلى مدى أكثر من ألفي عام، تبنت دولتانا المبادئ المتمثلة في الاحترام المتبادل والتعلم المتبادل والثقة المتبادلة والفهم المتبادل في تفاعلاتنا، والمبادئ التي ترتكز عليها صداقتنا القوية وطويلة الأمد. وفي مواجهة التحولات والتحديات التي يواجهها عالم اليوم والمستنيرة بتقديرنا العميق للتاريخ، تتطلع الصين وإيطاليا معا إلى نمط جديد من العلاقات الدولية المبنية على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدالة والتعاون القائم على الفوز المشترك ومجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية جمعاء.
إن الصداقة الصينية الإيطالية متأصلة في ثقتنا الإستراتيجية العميقة. وقيادتا البلدين تتعاملان مع علاقاتنا من منظور إستراتيجي وطويل الأمد. ومنذ إقامتهما شراكة إستراتيجية شاملة في عام 2004، قدمت دولتانا، مسترشدتين ومدفوعتين بالتبادلات رفيعة المستوى، قدمتا لبعضهما البعض الفهم والدعم الثابت في القضايا المتعلقة بمصالحنا الأساسية وشواغلنا الرئيسية. وإن ثقتنا الإستراتيجية توفر دعامة قوية للنمو المطرد وطويل الأمد للعلاقات الصينية الإيطالية.
تنعكس الصداقة الصينية الإيطالية في تعاوننا متعدد الأوجه. وباعتبارهما شريكتين رئيسيتين لبعضهما البعض في مجالي التجارة والاستثمار، ترتبط الصين وإيطاليا بمصالح عميقة. فقد تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين 50 مليار دولار أمريكي في عام 2018 وتخطى حجم الاستثمار 20 مليار دولار من الناحية التراكمية. وتعد عبارة “صنع في إيطاليا” بمثابة ضمان للجودة، فيما تحظى الأزياء الإيطالية والأثاث الإيطالي بقبول كبير بين المستهلكين الصينيين، أما البيتزا والتيراميسو فيحب الكثير من الشباب الصيني تناولهما. وبين الحين والآخر، نسمع عن قصص نجاح للتعاون الصيني الإيطالي في مجال البحث والتطوير المتعلق بالأقمار الصناعية وفي عمليات استكشاف الفضاء المأهولة. وأشاد الناس في كلا البلدين بمبادرات مثل الأسبوع الصيني الإيطالي للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، ودوريات الشرطة المشتركة، وأنشطة التدريب في مجال كرة القدم، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
وتمضى الصداقة الصينية الإيطالية للأمام من خلال تبادلاتنا الثقافية المكثفة. فالصينيون والإيطاليون يهتمون اهتماما عميقا بثقافات الآخر. فقد قضى بروفيسور صيني وهو في السبعينات من العمر، قضى 18 عاما في ترجمة “الكوميديا الإلهية” لدانتي، وبعد مراجعة العديد من المسودات أنهى هذه المهمة الضخمة قبل أيامه الأخيرة. وبدءا من مارتينو مارتيني، مؤلف أول كتاب لقواعد اللغة الصينية في أوروبا، وصولا إلى جيوليانو بيرتشيولي وفيدريكو ماسيني اللذين ألفا كتاب “إيطاليا والصين”، قام العديد من الصينولوجيين الإيطاليين ببناء جسور بين أوروبا والصين وساهموا في تحقيق طفرة طويلة الأمد في الدراسات الصينية بشبه جزيرة ابنين.
وذات مرة، كتب الكاتب الإيطالي الشهير ألبرتو مورافيا يقول إن “الصداقات لا تُختار بالصدفة، ولكن حسب المشاعر التي تخالجنا”. وفي ظل عالم يواجه تغيرات عميقة من نوع لم يشهد منذ قرن من الزمان، تقع على عاتقنا مسؤولية الارتقاء بمستوى العلاقات الصينية الإيطالية إلى مستوى أعلى والحفاظ معا على السلام والاستقرار والتنمية والرخاء في العالم. ومن خلال زيارتي المرتقبة، آمل أن أعمل مع القادة الإيطاليين لرسم مستقبل علاقاتنا ونقلها إلى عصر جديد.
وتأمل الصين في العمل مع إيطاليا لتوطيد شراكتنا الإستراتيجية الشاملة. ويمكن أن تقوم دولتانا بتخطيط مزيد من التبادلات رفيعة المستوى والتعاون بين حكومتينا وبرلمانينا وأحزابنا السياسية وكياناتنا دون الوطنية، وتعزيز الثقة الإستراتيجية والتآزر، ومواصلة تقديم الفهم والدعم للآخر في القضايا ذات الاهتمامات الجوهرية والشواغل الرئيسية، وذلك لتوطيد الأساس السياسي لعلاقاتنا.
وتأمل الصين في العمل مع إيطاليا لدفع التعاون في إطار الحزام والطريق. ويمكن أن تستفيد دولتانا من روابطهما التاريخية والثقافية التي أُقيمت عبر طريق الحرير القديم وكذا من موقعينا الجغرافيين لتحقيق تعاون يربط بين مبادرة الحزام والطريق وخطة إيطاليا المعنية بتطوير موانئها الشمالية وبرنامج “إنفست إيطاليا”، ويمكن أن تعملا معا على بناء الحزام والطريق في العصر الجديد في البحر والبر والجو والفضاء والمجال الثقافي.
وتأمل الصين في العمل مع إيطاليا لتوسيع التعاون ليمتد إلى مجالات جديدة. وستفتح الصين أبوابها بشكل أوسع أمام بقية العالم، وستتقاسم فرص سوقها مع إيطاليا وغيرها من البلدان من خلال معرض الصين الدولي السنوي للصادرات والواردات وغيرها من السبل. ويمكن أن تستفيد دولتانا بالكامل من إمكانات التعاون لدينا في الموانئ، والخدمات اللوجستية، وبناء السفن، والنقل، والطاقة، والاتصالات، والطب، وغيرها من المجالات؛ وتشجعا شركاتنا على إقامة شراكات مع بعضها البعض في الأسواق الثالثة من أجل تحقيق تعاون يقوم على الفوز المشترك.
وتأمل الصين في العمل مع إيطاليا لدفع تحقيق علاقات شعبية أوثق. وباعتبارهما دولتين تحظيان بأكبر عدد من مواقع التراث العالمي لليونسكو، تذخر الصين وإيطاليا بالكثير من الموارد الثقافية والسياحية. ويمكن أن نشجع مواقع التراث العالمي لدينا على إقامة علاقات توأمة ومؤسساتنا الثقافية وأفرادنا على تنظيم معارض متميزة للآثار والفنون. كما يمكننا تشجيع الإنتاج المشترك للأفلام والبرامج التليفزيونية، وتدريس لغة الآخر، فضلا عن تشجيع المزيد من السفريات والزيارات المتبادلة. ومن خلال هذه التبادلات، سنقدم إسهامات جديدة لتنوع الحضارات والتعلم المتبادل بين مختلف الثقافات.
وتأمل الصين في تعزيز التنسيق مع إيطاليا في الشؤون الدولية والمنظمات متعددة الأطراف. وإن الصين على استعداد لتعزيز التواصل والتعاون مع إيطاليا في الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، واجتماع آسيا-أوروبا، ومنظمة التجارة العالمية بشأن الحوكمة العالمية وتغير المناخ، وإصلاح الأمم المتحدة، وإصلاح منظمة التجارة العالمية وغيرها من القضايا الرئيسية. وبالعمل معا، سنعزز مصالحنا المشتركة، وندعم التعددية والتجارة الحرة، ونحمى السلام والاستقرار والتنمية والرخاء في العالم.
إذا نظرنا إلى الوراء على مدى العقود الخمسة الماضية، سنرى أن العلاقات الصينية الإيطالية رسخت جذورها العميقة وطرحت ثمارها الوفيرة. وبالنظر إلى المستقبل، سنرى أن التعاون الصيني الإيطالي سيستمر في النمو والازدهار. وإن الشعب الصيني يتطلع إلى العمل يدا بيد مع أصدقائنا في إيطاليا للمضي قدما في علاقاتنا الآخذة في الازدهار وإضفاء مزيد من الحيوية والدينامية على صداقتنا.