خارطة الطريق لدخول الاستثمارات الصينية الى لبنان
صحيفة النهار اللبنانية
وارف قميحة- رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني الصيني:
تعود العلاقات التجارية الصينية اللبنانية إلى ما يزيد على 2200 عام حيث كانت القوافل التجارية البريّة المحمّلة بالحرير والورق والخزف والمنتجات الصينية تعبر البوابة الغربية لمدينة شيآن (والتي كانت تعرف بتشانغ آن) إلى #جنوب_آسيا قاطعةً مسافة تزيد على 6700 كلم لتصل إلى مرفأ مدينة صور جنوب لبنان وتنطلق منه إلى أوروبا .
لم يذكر التاريخ أن هذه العلاقات قد شابتها شائبة، بل كانت عبر العصور علاقات مميزة على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية.
ولأن الاقتصاد مال وتجارة، وهو عصب الحياة ومنطلق الحضارة، جرى توقيع أول اتفاق تجاري بين الجمهورية اللبنانية وجمهورية الصين الشعبية في العام 1955 بغية المساهمة في تدعيم الصداقة بين شعبي لبنان والصين عن طريق تنمية العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي بين بلديهما، وذلك على مبدأ المساواة والمنافع المتبادلة (في الوقت الحالي تستخدم الصين مصطلح المنفعة المتبادلة والكسب المشترك).
أواخر العام 2017 انضمّ لبنان إلى “مبادرة الحزام والطريق” التي اقترحها في العام 2013 الرئيس الصيني شي جينبينغ في قازاقستان وإندونيسيا على التوالي، وهي بناء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير، وطريق الحرير البحري للقرن الـ21. خلال خمس سنوات فقط، تحوّلت مبادرة الحزام والطريق من مفهوم إلى منصّة رئيسية لبناء مجتمع مشترك للبشرية ومنفعة عامّة على المستوى الدولي لاقت ترحيباً كبيراً.
وتخطّت تجارة الصين للبضائع مع الدول على طول الحزام والطريق 5.5 تريليونات دولار أميركي، ووصل الاستثمار الصيني المباشر في القطاعات غير المالية في هذه الدول إلى أكثر من 80 مليار دولار أميركي.
وفي الشهور السبعة الأولى من 2018، زادت الشركات الصينية من استثماراتها في 54 دولة على طول الحزام والطريق، فالاستثمارات الجديدة المضافة التي بلغت 8.55 مليارات دولار مثّلت 11.8 في المئة زيادةً على أساس سنوي. وتقدَّر قيمة عقود البناء الجديدة على طول الحزام والطريق بـ57.11 مليار دولار أميركي.
كثر الحديث مؤخراً في الإعلام اللبناني عن دخول الصين إلى لبنان من البوّابة العريضة بوّابة الصفقات التجارية والاستثمارات الضخمة، ولكن هذا الأمر ربما تكوّن للبعض نتيجة تزايد وتنوّع الوفود الصينية التي زارت لبنان مؤخراً (البقاع والشمال). حقيقة الأمر هو أن الصين مهتمّة بلبنان وحريصة على استقراره الأمني والسياسي، وهذا من ثوابت السياسة الصينية تجاه لبنان، وهي عملت على مكافحة الارهاب ما يوفّر ظروفاً أفضل لتعاون اقتصادي وتنمية اقتصادية في لبنان تشارك فيه الصين، وهي مستعدة وتدعم بقوة الربط والاندماج لبرنامج الخطط التنموية للحكومة اللبنانية مع مبادرة الحزام والطريق.
مارست الصين سياسة الترقب للسوق اللبناني في الفترة الماضية بالرغم من حجم التجارة البينية التي تظهر وجود خلل كبير في الميزان التجاري لمصلحة الصين، بمعدّل سنوي يتجاوز الملياري دولار . ومن سياسة الترقب إلى سياسة الاستطلاع انتقلت الصين بعد توقيع لبنان على مبادرة الحزام والطريق عام 2017.
في الفصل الاول من العام 2019 وصل إلى لبنان جنرالات المؤسسات الحكومية الصينية ولسان حالهم أنهم “جاهزون ولكن من يحمي ظهرنا؟”. يتضح من ذلك أن الصين كما نعرفها تخطّط، تعرف ماذا تريد، وتعرف تحقيق المنافع المتبادلة والكسب المشترك، ولن يفوز لبنان بالاستثمارات الصينية إلا بعد الدخول في مباحثات رسمية متعلقة بعدة مواضيع حيوية بهدف الوصول إلى توقيع اتفاقية لتفادي الازدواج الضريبي ومنع التهرّب من دفع الضرائب المفروضة على الدخل ورأس المال، بالاضافة إلى اتفاقيةٍ حول تشجيع وحماية الاستثمارات وتوقيع اتفاقية حول العمالة الصينية، وصولا إلى ضمان الحقوق المشروعة للشركات الصينية والعاملين فيها في لبنان.
هذه هي خارطة الطريق لدخول الاستثمارات الصينية إلى لبنان، وخلاف ذلك سوف نبقى نستمتع بحضور ومشاهدة الفنون الشعبية التي تؤديها الفرق الصينية في المناسبات السعيدة، أما الفرق التجارية سوف تجد مكاناً لها يحميها ويرحّب بوجودها ويفوز بها.