10 أيام في الصين -2..بلاد الوان البهجة و الابتسامة الدافئة
موقع الصين بعيون عربية ـ
بهيجة جسين*:
أواصل دهشتى التى تملكتنى و أنا على أرض جمهورية الصين الشعبية ، أتعرف عن قرب بشعب يقدس تراثه وحضارته القديمة، شعب يضع أمامه- و مع كل خطوة يخطوها- خبرة الأجداد الذين حفروا مجرى التواصل كأنه مجرى نهر من العادات و التقاليد، من احترام الكبير من العطف على الصغير، مجرى من عشق العمل و من الصمود ،والصد لكل محاولات هدم هذا البلد وفصل شعبه ،عن حضارته العريقة . يعمل بهدوء و بدون أدنى ضجيج وبدأب النمل.
بدعوة من الحزب الشيوعى الحاكم لعدد من الأحزاب اليسارية العربية ، للتعرف على التجربة الصينية، زرنا مدنا صناعية منها عدة مدن تقع فى الشمال الغربى للصين بمقاطعة شينجيانج .
الانتقال من بكين اليها يستغرق خمس ساعات بالطائرة، مدن صناعية يعيش فيها بالضرورة عدة ملايين من الصينيين، البالغ تعدادهم مليار و أربعمائة مليون نسمة ، لم نر منهم فى الشوارع التى سرنا فيها و نحن ننتقل من مكان لآخرسوى بضعة مواطنين لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين فقد كنا نتنقل فى أوقات العمل .
المدن مثل أية مدينة صناعية متطورة ، المبانى المرتفعة التى يتجاوز ارتفاع بعضها الأربعين طابقا، و مبانى تبدو صماء واجهاتها المغطاة بالزجاج البارد لا تنطق بأية إشارة للحياة خلفها، خاصة أن الثلوج تتساقط عليها باستحياء فلم تغط الشوارع و البيوت و إن كانت قد غطت الشجر. و لأننى لا أحب العمارة الحديثة فقد شعرت بحاجز بينى و بينها، و لكن الحاجز اختفى بزيارتنا لأحياء قديمة فى المدن التى زرناها ، و هى الأحياء التراثية التى حافظت الدولة على طابعها المعمارى، و نقلت سكانها إلى مساكن أخرى مع تعويض ملاكها .
بيوت من الخشب و الوان البهجة.
العمارة الصينية القديمة نمط من العمارة القديم قدم الحضارة الصينية ، فقد أحتفظ الصينيون بنمط يمتد من عصور ما قبل التاريخ و حتى العصر الحديث ، هذا النمط المبنى من الخشب المطلى باللون الارجوانى
عمره أربعة آلاف عام و قد تم تحويل المبانى القديمة ذات القيمة التاريخية إلى مراكز لخدمة الجمهور ، فالمبنى المكون من طابقين و أحيانا ثلاثة ، تم تخصيص كل حجرة من حجراته لنشاط محدد ، من بينها حجرات لتعليم الأطفال الموسيقى و الرسم و الحرف الشعبية كالتطريز و الرسم على القماش والمراوح اليدوية، مستخدمين أو محافظين على العشق الصينى لألوان الفرح و البهجة كالأحمر و الأخضر و الأصفر.
المهم أن تكون الألوان زاهية خاصة اللون الأرجوانى و هو فى الاعتقاد القديم لون يرمز إلى نجم الشمال ، و الذى يعتبر سكن الامبراطور السماوى، و ما يقابله على الأرض هو سكن الأمبراطور الأرضى الذى يعيش فى المدينة المحرمة ذات الطلاء الارجوانى.
كما يتعلمون الحفر على الخشب والنحاس. ويشارك فى رعاية الأطفال وتعليمهم معلمات شابات متخصصات ، وتقوم النساء الكبيرات فى السن بتعليم الحرف اليدوية التراثية، و العمل فى مراكز خدمة الجماهير عمل تطوعى فى الغالب، يشارك فيه كل من يستطيع تقديم الخدمة خاصة كبار السن الذين وصلوا لسن التقاعد و مازالوا قادرين على العمل .
ويحظى كبار السن برعاية كبيرة فى الصين حيث توفر دور لرعايتهم خاصة من تكون حالتهم حرجة مرضيا ، أو من ليس لديهم أبناء يقومون برعايتهم، وإن كانت التقاليد الصينية لا تقبل بوضع الأباء فى دور الرعاية وتفرض تلك التقاليد على الأبناء رعاية الأباء، مع متابعة مراكز الرعاية الاجتماعية، لهم أى أن كبار السن حتى وهم فى رعاية أبنائهم يتمتعون برعاية الدولة لهم صحيا و اجتماعيا .
مدينة الشمس المشرقة
و من الشمال الغربى البارد ، إلى العاصمة بكين الدافئة ، حيث الشمس المشرقة والجو الربيعى . مدينة كبيرة طرزها المعمارية كأية مدينة كبيرة فى العالم، مبانى حديثة بنفس المواصفات التى تميز شبيهاته ، شوارعها واسعة يستحيل عبورها حيث يفصل بين ضفتي الشارع سور ـ على فكرة مثل السور الذى يفصل شارع الأزهر عندنا لكن الفارق الوحيد هو أن السور الصينى لم يقم أحد بكسره للتحايل للمرور منه ـ أما عبور الشارع عندهم فيتم عبر نفق للمشاة ـ مثله عندنا تماما نفق المشاة بالأزهر. الفرق بين نفقهم و نفقنا أن نفقهم نظيف و مضيء ، و درجات سلمه مريحة ولا تقطع النفس.
طبعا من ” نافلة القول ” الحديث عن أحترام المرور فى بلاد ” دب الباندا “، و عن تحديد حارات السير حسب نوع المركبة حتى للدراجات و الموتوسيكلات وليس عندهم تكاتك والثلاث مركبات سابقة الذكر، يستحيل أن تتخطى الحارة المخصصة لها أو أن تعتدى مركبة على حرم حارة المركبات الخفيفة تلك، فهى من وسائل المواصلات الأساسية فى الصين .
و على ذكر التكاتك عندنا فعندهم مركبات هى ليست بتكتك وليست بسيارة، فهى مركبة بثلاث عجلات بيضاء اللون جميلة المنظر نظيفة المظهر . و بالمناسبة أيضا يسير فى شوارع بكين مع المركبات سالفة الذكر أفخم و أحدث و أجمل إلى آخر كل أفعل التفضيل لوصف السيارات. ونفس الملاحظة التى سجلتها فى المدن التى زرناها قبل بكين أن عدد من رأيناهم من مواطنين يتجولون فى الشوارع أقل بكثير جدا من عدد الأجانب فى الشوارع أى و ببساطة عدد الصينيين الذين رأيناهم فى بلد المليار و الربعمائة مليون نسمة أقل مما يمكن أن نراهم فى ساعات العمل فى شارع طلعت حرب بوسط القاهرة عندنا.
المثير للدهشة أيضا أن البلد الأول فى العالم فى إنتاج التكنولوجيا ليس بها “فيس بوك” و”الانتر نت”عندهم ليس للثرثرة ولكن للعمل، فالمؤسسات الصينية مرتبطة بدوائر اتصال خارجية وداخلية تتعلق و تخدم مجال العمل فى المؤسسة وفى مراكز الخدمة ـ وجدنا صعوبة كبيرة فى الاتصال ببلداننا.
فى السوق ثلاث كلمات
الذهاب للأسواق فى الصين قد يكون ممتعا خاصة لمن يهوون التسوق. و فى بكين نوعان من الأسواق سوق راق حيث توجد الماركات العالمية الأصلية والأسعار فيه فلكية بالنسبة لى على الأقل. و لكن من الممتع التجول فى السوق وعبور الشارع بركوب السلالم الكهربائية، و الأكثر متعة التجول فى محلات بيع أنواع الشاى الفخمة ومنها على فكرة ” الشاى بالياسمين “وهى أنواع بأسعار حقا خيالية.
أما السوق الشعبى فهو مبنى ضخم يتكون من عدة أدوار، بضاعته تقليد للماركات العالمية، والتقليد يتدرج من مستوى أول أو ما يقال عنه ” فرست كوبى”وحتى المستوى الخامس، و كل مشترى و شطارته أولا فى اكتشاف مستوى أو درجة التقليد و شطارته فى الفصال فالسعر مثلا يبدأ بمائة يوان ” ـ العملة الصينية ـ و ينتهى البيع بدفع عشرين .
و خلال عملية الفصال تكرر البائعة ثلاث كلمات باللغة الانجليزية ـ هم لا يتحدثون سوى الصينية ـ هى”سوف أبكى ” كسرت قلبى” و” قتلتنى” وفى النهاية يتم التراضى بين البائعات و هن الأغلبية فى السوق و المشترى . وعند أتمام عملية الشراء يقف المشترى أمام كاميرا لتصويره وتصوير الفاتورة و تسجيلها على موقع الضرائب ، لتسجيل مستحقات الدولة من الضرائب فى نفس لحظة البيع .
أؤكد مرة أخرى أن أجمل ما فى الصين هو ابتسامة من التقينا بهم من الصينيين فى كل مكان ذهبنا اليه .
…
*#بهيجة_حسين، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي #المصري
ونائب الامين العام لشئون الاعلام، وصديقة للاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتاب العرب حلفاء الصين، وكاتبة وصحفية فى جريدة الأهالى لسان حال حزب التجمع اليسارى لمدة 30 عاما
– كاتبة وصحفية فى مجلة صباح الخير المصرية، وروائية لها خمس روايات، وعضو في نقابة الصحفيين المصريين.