مؤتمر الحوار بين الحضارات الآسيوية: مجتمع ذو مصالح متناغم
تدخل البشرية عصرا جديدا، حيث تغير التقنيات والتكنولوجيا الحديثة حياتنا بوتيرة متسارعة. وهذا يساعد على تعزيز التواصل بين الحضارات وزيادة التبادلات التجارية وتكثيف المعاملات المالية ومشاركة المعلومات بطرق غير مسبوقة من قبل.
نلاحظ أيضا أن المشاكل التي تواجهنا حاليا قد أثرت على جميع أبعاد حياتنا بالتزامن مع أن أصبحنا مرتبطين كوحدة واحدة. كما نفهم بشكل واضح أنه لا يمكن حل التلوث البيئي وكثافة السكان والأمراض الخطيرة وغيرها من المشاكل إلا إذا بذلنا جهودنا المشتركة. من أجل إعادة توازن القوى وخلق حضارة إيكولوجية عالمية، من الضروري إنشاء نظام عالمي يهدف إلى التعاون والتنمية المشتركة والازدهار المشترك.
من خلال إقامة شراكات مستدامة طويلة الأجل ومفيدة للأطراف بدلا من العلاقات غير المستقرة والأنانية، وسنتمكن من تشكيل آليات البقاء للإنسان على الأرض لآلاف السنين عن طريق الحوار على جميع المستويات.
ومن الأفضل أن يكون لهذا التغيير نقطة انطلاق، وكل دفعة للتغيير يجب أن تنشأ في سياق محدد.
وهذا التغيير يجب أن ينطلق من آسيا، باعتبارها مهدا للحضارات المختلفة، ولكن آسيا لم تكن أقدم قارة فقط، بل هي أيضا في طريقها إلى تحويل نفسها ما يمكن تسميته بـ”العالم الجديد”، والذي يشير إلى قارة متعددة الثقافات والحضارات تربط بين الشعوب.
في هذا السياق، لا بد أن يكون التعلم والتواصل بين الحضارات قائما على أساس شعبي، وهذا مفتاح ذو أهمية بالغة.
في مايو الجاري، من المقرر انعقاد مؤتمر مهم بين الحضارات الآسيوية في بكين، والذي سيركز على ضرورة التواصل والتعلم المتبادل بين الحضارات الآسيوية.
ويعتبر أحد الأهداف الرئيسية لهذا المؤتمر هو تعليم الشباب الآسيوي لاستكشاف خلاله روح التعاون والتعلم المتبادل بين حضاراتهم المتنوعة الباهرة. وسيكون المؤتمر منبرا للعالم من أجل مستقبل أفضل للبشرية، من خلال التركيز المشترك على الطاقات الحديثة التي تنبع من هذه الحضارات القديمة.
رغم كل الصعوبات المتسببة في اختلافات الثقافات، إن الحضارات الآسيوية جميعها تنتمي إلى الحضارات الأكثر استمرارية واستقرارا ومرونة، وتحضن الحضارات الآسيوية أقدم اللغات والثقافات ذات استمرارية مع أكبر عدد من الناطقين بها.
نظرا لأن المجتمعات الآسيوية تكرس قدرا كبيرا من الاهتمام للوجود الإنساني الأساسي، مثل الأسرة ورعاية العلاقات الشخصية، فهي الأكثر تجهيزا واستعدادا للتوازن العالمي.
معبد أنغكور في كمبوديا
على سبيل المثال، إذا لخصنا مبادئ حكمة الصين القديمة والحديثة في هذا الصدد، تتبادر إلى ذهنك ثلاثة جوانب رئيسية: إنشاء حالة مستمرة للتوازن المرن، خلق نظم الازدهار المشترك وتحقيق التناغم.
جميع الحضارات الرئيسية القديمة التي نشأت على طريق الحرير القديم، تحتوي على نطاق الحضارات اليونانية والرومانية والعربية في الغرب، ونطاق التأثير الثقافي للحضارة الإيرانية، وحضارات جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا، وأخيرا وليس آخرا، الحضارات الصينية وثقافتها… التي تكمن فيها أكبر قوة ممكنة لإنشاء نظام ذي مصالح متناغمة.
لذلك، يتعين على آسيا أن تتذكر تاريخها الممتد لآلاف السنين وتمسكها بالاحترام المتبادل والثقة المتبادلة على طول طريق الحرير البري والبحري خلال هذه الفترة.
ماذا نحتاج إلى تطبيقه الآن لإنقاذ أنفسنا وإنقاذ عجائب الأرض التي لا مثيل لها قد يكون موضوعا جديدا، ولكنه موضوع قديم أيضا: القوة التوافقية، فهي التكامل بين الحضارات الآسيوية، وعلى جميع الحضارات أن تغير خلافاتها لتكون متكاملة مع غيرها من الحضارات، بحيث يمكن أن تتقاسم المصالح.
بفضل ذلك، ستصبح آسيا نموذجا في خلق حالة مستقرة ومنسق بين مصالح الأطراف لتشكيل مجتمع واحد مزدهر ومتناغم.
في هذا الصدد، يتطلع العالم إلى رؤية الشباب الآسيوي يتواصلون ويتبادلون آرائهم ويعرفون ثقافاتهم وحضاراتهم بشكل مشترك ويعملون نحو الرخاء المشترك للعالم. وبهذا، سترسل القوة التوافقية الجديدة لآسيا دفعة جديدة ومفعمة بالأمل إلى العالم بأسره وستكون في طريقها للوفاء بالتزامها التاريخي في سياق القدر المشترك للإنسانية ككل.