شهر رمضان … نفحات إيمانية تعطر أجواء العاصمة الصينية
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
بقلم: دسوقي عبد الحميد:
في مشهد لا تألفه العين في الأيام العادية على مدار العام، اصطفت مئات الدراجات الهوائية والكهربائية خارج أحد المساجد في العاصمة الصينية بكين، إنه مسجد تشانغيينغ، وإنها أولى ليالي شهر رمضان المبارك، حيث تدفق مئات المسلمين إلى المسجد الكبير الواقع شرقي بكين، لأداء صلاة العشاء والتراويح، في أجواء إيمانية تسودها البهجة والود والتناغم والاحترام.
ورغم اختلاف مظاهر الاحتفال بشهر رمضان وتباين مواقيت بدء الصيام والإفطار بالنسبة للمسلمين حول العالم، إلا أن روح رمضان ونفحاته الإيمانية تجمع بينهم وتوثق روابطهم وتؤلف بين قلوبهم، فنرى المسلمين حول العالم، في الدول الإسلامية وفي الدول غير الإسلامية، تشرق عليهم جميعا فرحة رمضان وبهجته ونفحاته الإيمانية العابرة للحدود والجنسيات والأعراق والألوان.
كما تشرق هذه الفرحة على الكثير من دول العالم، فهي تطل كذلك على الصين التي تضم بين جنباتها أكثر من 20 مليون مسلم. وبوصفي مسلما عربيا أعيش في العاصمة الصينية بكين منذ سنوات، يمكنني القول إن مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك في العاصمة بكين، تتفرد بالكثير من الخصائص والسمات الفريدة.
فمع قدوم شهر رمضان تتأهب المساجد في العاصمة الصينية لاستقبال هذا الشهر الفضيل بالعمل المنظم والدؤوب، لمساعدة المسلمين من الصينيين والأجانب المقيمين على التعبد والقيام بشعائرهم الدينية الخاصة بشهر رمضان الكريم في أجواء من المحبة والود والاحترام.
وتحرص المساجد في بكين خلال الأيام التي تسبق قدوم شهر رمضان المبارك على توزيع إمساكيات ورقية على المصلين توضح مواعيد بدء الإمساك عن الطعام ومواعيد الإفطار، ويحرص الأئمة المعينون من قبل الدولة على تعريف المسلمين بمواعيد إقامة الشعائر الدينية خلال شهر رمضان. ويتبادل المسلمون الصينيون فيما بينهم التهاني باستقبال الشهر الكريم كما يتلقون التهاني الطيبة بهذا الشهر الكريم من إخوانهم من الصينيين غير المسلمين.
ومع غروب الشمس، وبعد قيامها برفع الأذان لصلاة المغرب، تقدم المساجد في بكين مأكولات خفيفة تشمل التمر والفواكه والحلوى للمسلمين، حتى يفطر الصائمون الموجودون في المسجد، وبعد ذلك يتوجهون إلى قاعة الصلاة لأداء صلاة المغرب. وبعد الانتهاء من الصلاة يعود المسلمون إلى بيوتهم لتناول الإفطار مع عائلاتهم.
وتنتشر حول المساجد في بكين الكثير من المطاعم الإسلامية التي تقدم الأطعمة الموافقة للشريعة الإسلامية. وتوفر أحياء معينة يقطنها عدد كبير من المسلمين في بكين، مثل حي نيوجيه وحي تشانغيينغ وغيرهما، متاجر للسلع الإسلامية واللحم الحلال، بما يساعد المسلمين على شراء مستلزماتهم الخاصة في شهر رمضان وغيره من الشهور.
كما تحرص المساجد في بكين على تعريف المسلمين بمعاني آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية وفقه العبادات الخاصة بشهر رمضان، والأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم الصائم في هذا الشهر الفضيل وفي غيره من شهور العام. وعلى مدار أيام شهر رمضان المبارك، وقبل نحو نصف ساعة من أذان العشاء، تقدم المساجد في بكين يوميا المواعظ والدروس للمسلمين، والتي يلقيها عليهم أئمة المساجد، الذين تخرجوا في معاهد العلوم الإسلامية المنتشرة في شتى أنحاء الصين.
كما تهتم الحكومة الصينية بنظافة المساجد وتجميلها، وتعين لها الموظفين الذين يقومون على كافة شؤونها وخدماتها. وقد رأيت بنفسي العديد من المساجد في العاصمة بكين تخضع للترميم والتجديد والتطوير على نحو يثير الإعجاب.
كما تخصص المساجد في بكين قاعات صلاة للسيدات وأماكن وضوء خاصة بهن، وتجهز جميع قاعات الصلاة الخاصة بالرجال والقاعات الخاصة بالنساء بمقاعد مناسبة لكبار السن الذين لا يستطيعون الوقوف والركوع والسجود أثناء الصلاة. ويوفر القائمون على شؤون المساجد في بكين أيضا نسخا من القرآن الكريم مترجمة إلى اللغة الصينية، فضلا عن كتب أخرى باللغة الصينية خاصة بسيرة النبي محمد (ص) والأدعية المأثورة لدى المسلمين، بما يساعد رواد المسجد من المسلمين الصينيين على معرفة دينهم والاستمساك به.
وتضم العاصمة الصينية بكين، التي دخلها الإسلام قبل عدة قرون، نحو 70 مسجدا، تمزج في عمارتها بين الطرازين الصيني والعربي. ويتمتع المسلمون من الصينيين والأجانب بحرية العبادة في هذه المساجد دون أي قيود تحول دون دخولهم إليها لممارسة شعائرهم الدينية، بما يؤكد أن الصين الجديدة بلد منفتح متعدد الثقافات والديانات والأعراق.
وكما أن دخول الإسلام إلى منطقة شرقي آسيا قبل نحو 13 قرنا من الزمان من خلال التجار المسلمين دليل على تعايش الحضارة الصينية وتناغمها مع مختلف الثقافات واحتضانها لها، فهو كذلك برهان على التسامح والتعايش الذي تدعو إليه العقيدة الإسلامية بين المسلمين وغيرهم، وأن الإسلام الحق هو دين الرحمة والتعايش والتناغم والسلام وأنه لا يعرف التعصب أو التطرف وبريء من تهمة الإرهاب التي يحاول البعض إلصاقها به.
إن التناغم والتعايش بين الحضارتين الصينية والإسلامية قديم قدم الحضارتين العريقتين وسيستمر أبد الدهر، مهما وقع من أحداث أو تصرفات يحاول البعض من خلالها تشويه العلاقة بينهما، وإن الإرث الحضاري العريق لهما سيقف سدا منيعا أمام أي محاولات للنيل من علاقات السلام والود والتعاون والاحترام المتبادل بينهما.
كم نحتاج إلى من ينقل لنا هذه الصورة الرائعة عن الإسلام والمسلمين في جمهورية الصين الشعبية خاصة مع ما يتم ترويجه من مغالطات تهدف إلى زعزعة التناغم والتعايش والعلاقات الحسنة بين الصين والعالم العربي والإسلامي فمشكور جدا دكتور عبد الحميد على هذا المقال الرائع الشاهد على الصورة الرائعة للتعايش الحضاري