الصين والولايات المتحدة: الأميركي يُطلق النار على نفسه أولاً
موقع الصين بعيون عربية ـ
محمود ريا:
تسود العلاقات الدولية في هذه الفترة حالة من الشك وعدم اليقين، وتتصاعد ملامح التوتر على أكثر من صعيد إقليمي ودولي، وتبدو الأمور متجهة إلى المزيد من التصعيد بين الكثير من الأطراف.
قد يكون العالم على هذه الحال بشكل دائم، ولكنه في السنتين الأخيرتين بات أكثر استعداداً ليكون مسرحاً لنزاعات كبيرة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وربما العسكرية أيضاً.
أما ما جعل العالم يصل إلى هذه المرحلة من الخطر فهو بكل تأكيد وصول الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب وإدارته المتشددة في مختلف المجالات، وممارسة سياسة التنمّر على مختلف دول العالم، انطلاقاً من الاستراتيجية القائمة على مبدأ “أميركا أولاً”، ما يجعل القوى الدولية والإقليمية الأخرى تتخذ سياسات دفاعية متقدّمة لمواجهة هذا التنمّر الفالت من عقاله.
ويترجم هذا التنمّر نفسه في العديد من الممارسات “العدائية” تجاه دول العالم، ابتداءً من “تحطيم” الكثير من الاتفاقيات الدولية الحيوية ـ عبر خروج الولايات المتحدة منها ـ مروراً بتسخيف سياسات العمل الجماعي والإصرار على استفراد كل دولة على حدة، بما يعطي الولايات المتحدة اليد العليا في التعامل مع العالم، ووصولاً إلى سياسة فرض العقوبات والحظر والرسوم الجمركية العالية بهدف تأخير انطلاقة اقتصاديات الدول المُستهدَفة.
إن الإدارة الأميركية الحالية قررت أن تحوّل العالم إلى ساحة صراع ومواجهة، بدل أن يكون واحة سلام وتفاهم، وهي بذلك تضع الدول المختلفة أمام معادلة الرضوخ والاستسلام للإرادة الأميركية أو “المقاومة” والصمود في وجه الضغوط الأميركية المختلفة، للحفاظ على التوازن العالمي من جهة، ولترك فرصة النمو الطبيعي للاقتصادات العالمية بعيداًعن التغوّل الأميركي الذي يمارس “اللعبة الصفرية” التي تقوم على أساس حصول الرأس الأميركي على كل شيء، وترك الدول الأخرى ـ الأطراف حسب التصنيف الأميركي ـ دون أي شيء إطلاقاً.
تقع الصين على رأس قائمة الدول المعرّضة للتنمّر الأميركي، نظراً للخوف الأميركي من النمو المتصاعد والمستدام للاقتصاد الصيني الذي يتجه لأن يصبح الاقتصاد الأول في العالم خلال السنوات المقبلة. وتمارس الولايات المتحدة الكثير من الإجراءات “العدوانية” بحق الصين، على الصعد السياسية والاقتصادية وغيرها.
وفي المجال الاقتصادي بالتحديد شهدت الأشهر الماضية تصاعداً كبيراً في التهجمّ الأميركي على الصين. ولم تكن آخر الخطوات الخطيرة فرض رسوم جمركية باهظة على الكثير من السلع الصينية المهمة، وذلك دون أي وجه حق، واستناداً إلى ادعاء كاذب بأن الصين عرقلت صفقة لتجنّب حصول حرب تجارية بين البلدين، وهذا ما نفته الصين بكل قوة، مؤكدة أن ما كان مطروحاً هو رغبات أميركية يعني القبول بها استسلاماً صينياً كاملاً أمام الإرادة الأميركية.
وجاء بعد ذلك “العدوان” الأميركي الرسمي والخاص على شركة هواوي الصينية العملاقة، والذي ترجم نفسه بقرار شركة غوغل الأميركية بوقف الدعم لنظام التشغيل أندرويد في هواتف هواوي، ما أثار الكثير من الأسئلة حول مستقبل سوق الهواتف الخلوية على مستوى العالم.
وهناك الكثير من الإجراءات غير القانونية وغير الوديّة التي تتخذها الإدارة الأميركية بحق شركات صينية عاملة في المجالات المختلفة، ما يشير إلى أن هذه الإجراءات ليست منفصلة عن بعضها، وإنما تندرج في إطار سياسة ثابتة تتبعها هذه الإدارة، تقوم على السعي من أجل إركاع الشركات الصينية، وبالتالي دفع الصين إلى الاستسلام.
يؤكد المراقبون الاقتصاديون العالميون أن الاقتصاد الصيني سيتضرر على المدى القصير من الإجراءات الأميركية، وهذا ما يقرّ به خبراء سياسيون واقتصاديون صينيون أيضاً، ولكن هؤلاء الخبراء يُجمعون بالمقابل على أن الصين ستكون قادرة على تخطي هذه المصاعب والاستمرار في تحقيق نمو مميّز، بينما سيكون المتضرر الأكبر هو الاقتصاد الأميركي، بما فيه الشركات الأميركية المختلفة، وكذلك المواطنون الأميركيون الذين سيشعرون بشكل مباشر بالتأثيرات السلبية للتشنج القائم في العلاقات الاقتصادية الصينية الأميركية.
الأضرار الاقتصادية لن تقتصر بالطبع على الصين والولايات المتحدة، وإنما ستعاني منها مختلف الاقتصادات العالمية، بما فيها اقتصادات منطقتنا العربية، التي ستعاني من التباطؤ الاقتصادي ومن السياسة الحمائية ومن ارتدادات فرض الرسوم والرسوم المتبادلة، ما يؤدي إلى غلاء الأسعار وضمور الانتاج. وبالنسبة لدولنا العربية فهي ستتأذى بطريقة أخرى، هي انخفاض الطلب على النفط نتيجة تباطؤ دوران عجلات المصانع في الدول الصناعية الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة والصين، ما يعني شح العملة الصعبة التي تدخل صناديق الدول المنتجة للنفط، وبالتالي تعثر النظام الاقتصادي العربي بشكل كامل.
يجب الآن وفوراً وضع حد حازم لهذا التوجه التصادمي في الاقتصاد العالمي. وهذا الحد ينجم عن توقف الإدارة الأميركية عن التفكير بشكل أحادي واستعلائي وصدامي في أسلوب التعامل مع دول العالم الأخرى، ولا سيما الصين.
يجب أن تتخلى الولايات المتحدة عن فكرة السعي للحصول على كل شيء، من خلال المقامرة بكل شيء لديها، وعن الظن بأن أسلوب تخويف القوى الأخرى سينجح في دفعها إلى الخضوع والتسليم للمطالب الأميركية. وهذا الأمر يجب أن تتراجع عنه خصوصاً فيما يتعلق بالصين، فهذه الدولة الكبرى تملك من العمق الحضاري والقوة الاقتصادية والكرامة الوطنية ما يجعلها غير قابلة للاستسلام أو الانكسار.
ما هو مطلوب هو جلوس على طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يضمن مصالح جميع الأطراف، وينبثق من مبدأ مجتمع المصير المشترك للبشرية جمعاء، الذي تطرحه الصين كأساس جديد للعلاقات الدولية. فالاقتصادات العالمية الكبرى والصغرى تنمو معاً عندما تتكامل وتتواصل وتتفاعل، في إطار عولمة منفتحة وعادلة ومتناغمة. وعلى العكس من ذلك، فإن اعتماد سياسة العقوبات والتهويل والسعي للاستحواذ على كل شيء يؤدي إلى أضرار بالغة لكل اقتصادات العالم، بما فيها اقتصاد الدولة التي تمارس هذه السياسة. وفي هذه الحالة يبدو الأميركي إذا استمر في اعتماد هذه السياسة التهجمية الضارة كمن يُطلق النار على نفسه أولاً، قبل إطلاقها على الآخرين.
مقال اكثر من رائع
الحرب التجارية هي خسارة لكل الأطراف الا أنها خسارة للطرف الذي يشرع بها فهو يضع نفيه فب مواجهة العالم اجمع.. مقال راقي وتخليل موصوعي..