دموع “حسناء تدمر” وابتسامة “حسناء الأقصر”…التعاون الصيني العربي في ترميم الآثار مقبل على آفاق واسعة
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
تعرّض تمثال “حسناء تدمر” الحجري القديم، الذي يرجع تاريخه لنحو 1800 عام ويمثل امرأة ثرية تزينت بالحلي والجواهر، لأضرار خلال الهجوم الأول الذي شنه الإرهابيون على مدينة تدمر في عام 2015.
كما دُمرت تماثيل ومنحوتات أخرى على يد الإرهابيين الذين سيطروا مرتين على المدينة القديمة في وسط سوريا، خلال الحرب التي دخلت عامها التاسع في مارس من العام الجاري. وقد أوضح منتجب يوسف، وهو واحد من 12 عالم آثار يعملون في مهمة ترميم القطع الأثرية المتضررة المنقولة إلى دمشق، قائلا “فُقد الوجه واليدان بالكامل، وكذلك أجزاء من الرداء مع وجود أجزاء شديدة الهشاشة”.
وفي منطقة الشرق الأوسط التي تعرضت لاضطرابات وحروب واشتباكات متتالية خلال العقود الأخيرة، تواجه مزيد من “حسناوات الزمن القديم” صعوبات في إعادة ترميمهن بسبب نقص الدعم المالي والتقني.
وهكذا يبدو التعاون الدولي في هذا المجال أكثر أهمية، إذ بذلت فيه الصين جهودا مستمرة وحققت نتائج مثمرة. ففي نهاية نوفمبر الماضي، أطلقت البعثة الأثرية الصينية الأولى في مصر عملها بالتنقيب في معبد مونتو الذي يقع في الجزء الشمالي من معبد الكرنك الشهير في محافظة الأقصر، جنوب القاهرة. وبعد نصف عام من العمل الشاق، نجحت في أعمال النظافة وإزالة الحشائش والمخلفات من معبد مونتو، إلى جانب إجراء رفع مساحي ومسح أثري لمنطقة المعبد.
وأعرب وزير الآثار المصري خالد العناني في مارس الماضي عن تفاؤله بالتعاون المثمر للغاية بين مصر والصين في مجال الآثار، قائلا إن “العلاقات بين مصر والصين استثنائية وجيدة، واتمنى أن تمتد إلى الآثار”، مشيرا في الوقت ذاته إلى مذكرة التفاهم التي وقعتها مصر مع الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
ومن جانبه، قال جيا شياو بينغ رئيس البعثة الأثرية الصينية الأولى في مصر إن المهمة الأولية تتمثل في إجراء حفريات تجريبية على نطاق صغير حول الجدران الخارجية لمعبد مونتو، ومحاولة الحصول على المعلومات الأساسية مثل عمر المعبد. أما المهمة التالية خلال الموسم القادم فتتمثل في إعادة ترميم وتركيب الكتل الأثرية المتناثرة على أرض المعبد، وبدء أعمال التوثيق الأثرية.
وأشار إلى أن الفريق الصيني يتألف من أربعة علماء آثار دائمين، وثلاثة خبراء للتناوب على المدى القصير، ويركز عمله على معبد مونتو شمال معابد الكرنك، وهو مخصص لعبادة إله الحرب مونتو، وتم الكشف عنه خلال حفائر عالم الآثار الفرنسي فرناند بيسون دي لاروك في العام 1925.
ورأى العالم أن “التعاون مع علماء الآثار المصريين مفيد لفهم الحضارتين القديمتين، وهو نوع من الترويج لبعضهما البعض، وأمر مهم للغاية للعلاقات الأكاديمية والدولية”.
وإن نجاح التعاون الذي تجريه البعثة الأثرية الصينية الأولى في مصر يمكن أن يقدم نموذجا جيدا للدول الأخرى في المنطقة. فقد قام عدد من دول العالم بتسليم العراق مئات القطع الأثرية التي تعرضت للسرقة والتهريب خلال الفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، ودخل العراق الآن مرحلة من الانخراط في ترميم هذه الآثار المستعادة وبناء نظام جديد لحمايتها.
وفي هذا الصدد، قال قيس حسين رشيد وكيل وزارة الثقافة لشؤون السياحة والآثار العراقي “نتمنى أن نخطو خطوات إلى الأمام مع الجانب الصيني لما يمتلكه من خبرات وإمكانات هائلة في التعاون بمجال المتاحف وحماية المواقع الأثرية وكذا صيانة المواقع الأثرية التي تضررت جراء الأعمال الإرهابية في الموصل”.
وبالإضافة إلى التعاون في ترميم وصيانة الآثار، عززت الصين التبادلات في مجال إقامة المعارض الأثرية مع الدول العربية. فعلى سبيل المثال، استضاف المتحف الوطني بالرياض معرض “كنوز الصين” في نهاية عام 2018. وجاء المعرض الذي ضم 200 قطعة أثرية صينية امتدادا للتعاون في مجال الآثار بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية، وذلك في إطار اتفاقية التعاون المشترك بين المملكة ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وجمهورية الصين الشعبية ممثلة في إدارة الدولة للتراث الثقافي الصيني، في مجال الآثار والتي تشمل التعاون في الأبحاث الأثرية ومعارض الآثار والأنشطة المتحفية. وقدم معرض “كنوز الصين” نماذج من تراث الحضارة الصينية العريقة الممتدة لآلاف السنين، ومن بينها قطع نادرة تعرض للمرة الأولى خارج الصين.
وفي بكين، كان المتحف الوطني بالعاصمة الصينية قد استضاف معرض “طرق التجارة في الجزيرة العربية – روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور” الذي نظمته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في ديسمبر 2016، واستمر لثلاثة أشهر ضمن جولته في عدد من المتاحف العالمية.
حسناء تدمر بقيت حسناء وتبتسم، فلم يتمكن الإرهاب من انتزاع هذه البسمة التي طالما أكدت اضمحلال اشياع جهنم في سورية التاريخية الكبرى..