قصص نجاح الصين في القضاء على الفقر في “سقف العالم” الوعر تتوالى.. قرية شيغا مونبا نموذجا
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا ـ
بقلم محمد مازن:
“حياتي تغيرت رأسا على عقب.. بالطبع للأفضل”، هذا ما قاله المزارع باي ما دينغ تسنغ بكل فخر وهو يتكئ على أريكة وثيرة في غرفة الضيافة بمنزله، مُستذكرا أيام الفقر، قبل أن ينتقل إلى قرية شيغا مونبا بمدينة نينغتشي بمنطقة التبت ذاتية الحكم جنوب غربي الصين.
يسكن باي وهو فلاح ومربي ماشية في منزل واسع مكون من طابقين مع أسرته المُكونة من 4 أفراد. والمنزل مزود بعدد من الغرف للمعيشة والنوم والطبخ وقاعة كبيرة للضيافة تتوسطها عدة أرائك محلية الطراز مكسوة بمفارش مُزدانة بخصائص تبتية وموقد تقليدي يستخدمه المحليون كمدفأة أيضا أثناء أيام البرد في المنطقة التي تعرف بـ”سقف العالم”.
وكان باي البالغ من العمر 37 عاما يقيم في منطقة تفتقد إلى الخدمات قبل أن ينتقل إلى قرية شيغا مونبا في إطار برنامج حكومي محلي لتحسين حياة الفقراء. وقال وهو يتذكر أيامه الأولى في المنطقة:”حياتي كانت صعبة من جراء نقص البنية التحتية والطرق الممهدة ووسائل النقل”.
وخلال زيارة إلى القرية نظمها المسؤولون عن “منتدى تنمية التبت 2019″، الذي سيعقد يوم 14 يونيو الجاري، للضيوف الأجانب، استضافنا باي في قاعة واسعة تنافس فيها وزوجته وابنته الصغيرة البالغة من العمر 10 سنوات، على إبراز مظاهر الكرم التبتي، من خلال تقديم ما لذَّ وطاب من منتجات أرضه وماشيته.
وقال باي وهو يَعزِم علينا واحدا تلو الآخر:” حياتي تغيرت في 2003 عندما انتقلت مع والدي إلى القرية وقت إنشائها. ولكن التحول الكبير والأبرز بدأ في 2016 عندما بنيت هذا المنزل الجميل الذي تحيطه الخضرة بمساعدة الحكومة المحلية تحت سفح الجبل”.
وتقع شيغا مونبا، التي أُنشئت عام 2003 لاستيعاب سكان قريتي لوغ و غودينغ التابعتين لبلدة غاندينغ في محافظة موتو، على طريق سريع يربط مطار ميلين بمدينة نينغتشي. وتعني بالتبتية “القرية الواقعة عند نقطة الفصل بين الرياح الأربعة ” أو “جميع الاتجاهات”.
يوجد بالقرية 74 منزلا يسكنها 324 شخصا، ويعتمد سكانها وهم بالأساس من قوميات التبت و لوبا و مونبا على الزراعة وتربية الماشية، وتحديدا ثيران الياك وحصد موارد الغابات”.
وعملت الحكومة المحلية على تطوير وتحديث القرية من جميع الجوانب، وإنشاء مصنع للورق، كما أقامت متحفا لبيع المشغولات اليدوية التي ينتجها أبناء القرية. وتبدو المنازل في القرية كلها حديثة ومزودة بكافة الخدمات من مياه وكهرباء وصرف وإنترنت.
وأضاف باي متحدثا عن واقعه الحالي:” أنا أزرع في حوالي 9 فدادين شعيرا وأعشابا طبية. وأكسب الآن ما يعينني أنا وأسرتي على حياة كريمة”. وأضاف أنه يخطط لإرسال طفليه إلى الجامعة، لأنه يرى بأنه يعيش ظروفاً أفضل بكثير تجعله قادراً على تحقيق ذلك، قائلا بكل ثقة: “لدينا الآن ما يكفي ويزيد من دخل وطعام وملابس”.
يذكر أن متوسط دخل الأسرة في القرية يتراوح الآن بين 3 آلاف و3500 يوان ( دولار واحد يساوي 6.9 يوان) شهريا، مضيفا أن القرية باتت تعتمد أيضا على إنتاج الورق والسياحة وإنتاج الفواكه فضلا عن مواردها التقليدية.
وفي مصنع الورق الكائن داخل القرية، لوحظ انهماك العمال بالعمل مُفعمين بالسعادة والفخر بما تصنعه أيديهم من مواردهم المحلية. كما لوحظ ازدحام المصنع بالمعدات الحديثة والخامات المحلية المُنتجة من نبتة محلية تسمى لانغ دو تساو.
وبجوار المصنع؛ تم تدشين سوق أو بازار لبيع منتجات القرية للزائرين يضم أشغالا يدوية وتحفا فنية وورقية من إنتاج سكانها، بالإضافة إلى بخور وروائح تستخدم في صناعتها نبتات محلية.
ويتم تصدير جزء كبير منها إلى الخارج حيث يكمن سر الطلب عليها في آثارها الطبية الجيدة.
ومع تزايد أعداد الزائرين، أقيم أيضا متحف يُخلد تاريخ التبت وتقاليدها وموروثها الحضاري والثقافي من أواني وأوعية لإعداد الطعام والشاي، وأدوات قنص وأحذية وأقفال تقليدية باتت تستخدم الآن كديكور لثقل وزنها، فضلا عن ورق تبتي يعود تاريخه إلى 800 سنة، ومنتجات ورقية مصنوعة من أعشاب طبية.
وتنتصب قرية شيغا مونبا كشاهد على إمكانية نجاح التنمية رغم وعورة التضاريس في نينغتشي التي تضم فجوة كبيرة ارتفاعاً تتراوح بين أقل من 3 آلاف متر وأكثر من 7 آلاف متر فوق سطح البحر.
وقال ما شنغ تشانغ نائب رئيس اللجنة الدائمة لمجلس نواب الشعب بمنطقة التبت ذاتية الحكم، سكرتير لجنة نينغتشي للحزب الشيوعي الصيني، في حديث الى الزائرين الأجانب إن إجمالي الناتج المحلي لنينغتشي وصل إلى 15.01 مليار يوان في 2018 ، ما يمثل زيادة بنسبة 9.3 بالمئة، كما بلغ إجمالي مبيعات السلع الاستهلاكية في نفس العام 4.151 مليار يوان بزيادة 14.9 بالمئة.
وارتفع نصيب الفرد من الدخل القابل للتصرف في المناطق الريفية إلى 14 ألفا و820 يوانا بزيادة 10.5 بالمئة في العام السابق، فضلاً عن انتشال 7 محافظات وضواحٍ في نينغتشي من قائمة المناطق الفقيرة.
وضربت الصين نموذجا في انتشال الفقراء وتحسين حياة الريفيين. ففي عام 2015، حددت الحكومة الصينية هدفا للقضاء التام على الفقر بحلول عام 2020 لإنشاء مجتمع رغيد الحياة على نحو معتدل. وقد نجحت في انتشال 13 مليونا و860 ألف نسمة من الفقر في الريف عام 2018.
وفي نهاية نفس العام انخفض تعداد الفقراء في الصين إلى 16 مليونا و600 ألف، مقابل 98 مليونا و990 ألف نسمة في 2012.
وحققت منطقة التبت تقدما حاسما في قضية التخفيف من الفقر في عام 2018، بانتشال 180 ألف شخص من تحت خط الفقر. ففي العام الماضي، أطلقت أكثر من 700 مشروع لتخفيف وطأة الفقر، ودرّبت 36 ألفا من المزارعين والرعاة المنكوبين بالفقر، ووفرت 47 ألف وظيفة جديدة في مجال الحماية البيئية، وفقا لما ذكر تشي تشا لا رئيس الحكومة المحلية.
ويصادف هذا العام الذكرى الستين للإصلاحات الديمقراطية في منطقة التبت ذاتية الحكم، وتعد سنة أساسية للقضاء على الفقر هناك، حيث تعهدت المنطقة بانتشال 150 ألف شخص من الفقر والقضاء على الفقر هذا العام.
وقال تشي إن المنطقة تعتمد في تحقيق هدف عام 2019 على الجمع بين “استراتيجية تخفيف وطأة الفقر مع استراتيجية التنشيط الريفي، ومواصلة اتخاذ التدابير بما في ذلك التنمية الصناعية وخلق فرص العمل، واستكمال مشاريع نقل الفقراء، وتسريع بناء البنية التحتية والخدماتية في المناطق الفقيرة”.
ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي الناتج المحلي للتبت بنسبة 10 بالمئة هذا العام، ومتوسط دخل سكان المناطق الريفية بنسبة 13 بالمئة، والسكان في المناطق الحضرية بنسبة 10 بالمئة.
والمُضيئ في تلك الجهود أن مدينة لاسا حاضرة منطقة التبت أعلنت مؤخرا عن إخراج آخر 44 ألف شخص من تحت خط الفقر في العام الماضي، ما يشير إلى انتصار الحملة ضد الفقر، الذي كانت الظروف الطبيعية القاسية جزءا من أسباب رسوخه في المنطقة.
إن نجاح الصين في انتشال مواطنيها من براثن الفقر أمر مهم للعالم كله، فبالإضافة إلى إسهامها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يمكن للبلدان الأخرى أن تستفيد من تلك التجربة في ضوء سياساتها ومساراتها التنموية لإحداث تحول في حياة الناس، مثلما حدث مع باي وقريته، وتكرار قصص النجاح.