أوروبا تفتح ذراعيها للطلبة الصينيين
وكالة أنباء الصين الجديدة ـ شينخوا:
يعتزم وانغ، طالب الدراسات العليا بجامعة صينية مرموقة، الالتحاق ببرنامج تدريب مدته ثلاثة أشهر في جامعة بريطانية هذا الصيف. لا يوجد شيء مميز في اختياره، باستثناء حقيقة أن الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة دفعت وانغ وأقرانه إلى النظر إلى أوروبا كوجهة أولى للدراسة.
ما سبب هذا التغيير؟ اللوم يقع في ذلك على نظام منح التأشيرات الذي يزداد تشددا في أمريكا.
وذكر وانغ، الذي رفض اسمه بالكامل، أن” الكثير من الصينيين يقولون إن تأشيراتهم لدخول الولايات المتحدة خضعت للمراجعة عدة مرات”، مضيفا بقوله إن “هناك طالب دكتوراه أعرفه اضطر، بعد قضاء عطلة في الصين، إلى تأجيل عودته إلى الولايات المتحدة، وتأثرت أبحاثه بشدة بسبب ذلك”.
لقد كانت الجامعات الأمريكية الخيار المفضل للدراسة في الخارج بالنسبة لمعظم أقران وانغ في الجامعة. ولكن وانغ قال لـ((شينخوا)) “إنني أضع خطة بديلة لبرنامج أبحاثي للدكتوراه. والآن علي أخذ المزيد من عوامل عدم اليقين في الاعتبار”.
— أوروبا مرحبة
بالنسبة للطلبة الصينيين الساعين إلى الحصول على تعليم في الخارج، تمثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة خيارين شائعين.
فقد أظهر تقرير صدر عن معهد التعليم الدولي ومقره الولايات المتحدة أن الكليات والجامعات الأمريكية سجلت أكثر من 363 ألف طالب صيني في العام الأكاديمي 2017-2018، وهو ما يمثل 33.2 في المائة من الطلبة الدوليين. وأصبحت الصين أكبر مصدر للطلبة الدوليين على مدى تسع سنوات على التوالي في الولايات المتحدة.
ولكن بسبب قيود منح تأشيرة الولايات المتحدة للطلبة الصينيين عقب حدوث الاحتكاكات التجارية بين البلدين، فإن 3.2 في المائة من عدد يتجاوز 10300 شخص تدعمهم المنح الدراسية الحكومية الصينية في عام 2018 للدراسة في الولايات المتحدة ألغوا رحلاتهم، وفقا للإحصاءات الصادرة عن مجلس المنح الدراسية الصيني. وفي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، ارتفعت نسبة الإلغاء إلى 13.5 في المائة.
ولكن في البلدان الأوروبية، استمرت أعداد الطلبة الصينيين في الازدياد في السنوات الأخيرة نتيجة البيئة المقبولة.
فوفقا للإحصاءات الرسمية، درس أكثر من 303 آلاف طالب صيني في الاتحاد الأوروبي حتى نهاية عام 2015، وهو ما يمثل 24 في المائة من جميع الطلبة الصينيين في الخارج، بزيادة نسبتها 7.5 في المائة عن عام 2014.
وفي فرنسا على سبيل المثال، يبلغ إجمالى عدد الطلبة الصينيين الآن ما يقرب من 40 ألف طالب بعد زيادة سنوية تراوحت بين 2 و3 في المائة منذ عام 2015، وفقا لبيانات (كوباس فرانس)، وهي هيئة فرنسية لتعزيز التعليم العالي.
وفي العاصمة السويدية ستوكهولم، أصبح الطلبة الصينيون يمثلون أكبر مجموعة من الطلبة الدوليين، وفقا لتقارير منتدى ستوكهولم الأكاديمي.
وقامت مؤسسة ألكسندر فون همبولت في ألمانيا حتى الآن برعاية حوالي 2400 فرد صيني. وقالت جوديث ويلين رئيسة الإستراتيجية والعلاقات الخارجية في هومبولت إنه “في عام 2018، احتلت الصين المرتبة الأولى من حيث عدد طلبات أو موافقات الزمالة البحثية في هومبولت”.
ينجذب الطلبة الصينيون إلى الجامعات الأوروبية بسبب البيئة الداعمة للبحث العلمي ونوعية الحياة.
وذكر ليو يي جيا المتخصص في الترجمة بجامعة بون أن “جمال الطبيعة والتنوع الثقافي في ألمانيا يجعلان منها مكانا صالحا للعيش. وتعليمها العالي يعد أيضا بمثابة علامة عالمية. وبالإضافة إلى ذلك، أشعر بالأمان للغاية هنا”.
ووصف تسنغ شي طالب الدكتوراه الذي تدور أبحاثه عن الأجهزة الكهربائية، الدراسة في جامعة لوفان البلجيكية بأنها “اختيار رائع”، قائلا إن “الجامعة توفر لنا منصات تجريبية ممتازة وأساتذتها يهتمون بالطلبة كثيرا”.
كما تميز الجامعات الأوروبية أنفسها من خلال سماتها الأكاديمية المختلفة. ففي الوقت الذي ينخرط فيه معظم الطلبة الصينيبن في روما في دراسة الفنون، يدرس نظرائهم في فرنسا نطاقا واسعا من المجالات.
ومن جانبه، قال سيغفريد فو رئيس مكتب (كوباس فرانس) بشانغهاي إن “حوالي 40 في المائة من الطلبة الصينيين يختارون دراسة الإدارة والمالية في فرنسا، تليها اللغة والأدب بنسبة 15 في المائة”، مضيفا أن “الهندسة والتصميم الفني يمثلان أيضا خيارين شائعين”.
وتضمن بلدان أوروبا الشرقية عدم تخلفها عن الركب في سباق جذب الطلبة الصينيين. فقد وقعت جامعة ديبرتسن المجرية شراكة إستراتيجية مع شركة صينية ذات صلة بتعزيز التبادلات الأكاديمية الثنائية وبرامج البحوث الدولية وكذلك زيادة عدد الطلبة الصينيين في الحرم الجامعي.
وترى تشانغ يين نان، التي تدرس في الجامعة التقنية التشيكية في براغ، ترى مزيدا من الطلبة الصينيين في محيطها. وقالت “عندما جئت إلى هنا في عام 2016، لم يكن هناك سوى خمسة طلبة صينيين بمن فيهم أنا. والآن، أصبح العدد أكثر من 70”.
— علاقات محسنة
أدت الإجراءات المطولة والمعقدة، والتي تتطلب أحيانا الحصول على معلومات إضافية حول تاريخ السفريات وأفراد الأسرة وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي بالإضافة إلى إعطاء مدد أقصر لصلاحية التأشيرة، أدت إلى تخويف العديد من المتقدمين الصينيين الطموحين وإلغاء خططهم للدراسة في الولايات المتحدة.
أما البلدان الأوروبية فهي ترحب بقدوم المزيد من الطلبة الصينيين، متطلعة إلى علاقات وثيقة وطويلة الأجل مع الصين، وتبدى أعجابها الشديد بتميزهم الأكاديمي.
بالإضافة إلى ذلك، يقدم الطلبة الصينيون مساهمة كبيرة للاقتصاد الأوروبي، إذ يبلغ إنفاقهم السنوي 30 ألف دولار أمريكي للفرد في المتوسط، ما ساهم بنسبة 0.25 في المائة من إجمالي الناتح المحلي للاتحاد الأوروبي في عام 2015، وفقا لتقرير صدر عام 2017 عن (بروغل) وهو مركز أبحاث اقتصادي مقره بروكسل.
وقال ألكسندر مارياني مدير الشؤون الدولية بمعهد باريس للدراسات السياسية (ساينسيس بو)، الذي يعترف بنتائج امتحان القبول بالجامعات في الصين عند قبوله خريجي المدارس الثانوية، “لدينا الآن حوالي 500 طالب صيني، يأتي عددهم في الترتيب بعد الولايات المتحدة وفرنسا فقط. والطلبة الصينيون هم بالتأكيد من بين أفضل الأكاديميين”.
وفي بروكسل، علق دينيس فلاندر الأستاذ في كلية الهندسة بجامعة لوفان البلجيكية قائلا إن “طلبة الدكتوراه من الصين لديهم خلفيات علمية ممتازة ويحصلون على نتائج بحثية عالية المستوى بسرعة كبيرة. كما إنهم يندمجون بصورة جيدة جدا”.
ووصفت دونا سامسون نائبة رئيس جامعة لوفان البلجيكية للشؤون الدولية، الطلبة الصينيين بأنهم ميزة ثمينة في إقامة شراكات بحثية طويلة الأجل مع الصين، مشيرة إلى “أنهم قد يعودون إلى الصين لإنشاء مختبراتهم الخاصة ويظلون على اتصال بجامعة لوفان، ومن ثم بناء شبكة دولية للعلماء للعمل معا على معالجة التحديات الكبيرة”.
وفي جامعة لوفان، قالت سامية باتساليديس مسؤولة العلاقات الدولية لشؤون آسيا “نحن نتطلع إلى استقبال المزيد من الطلبة الصينيين، من الواضح أن هذا تعاون مثمر للغاية للجانبين”.
وأكد ماسيميليانو فيوروتشى رئيس إدارة التعليم بجامعة روما على أنه من الضرورة بمكان أن تقوم أوروبا بتطوير العلاقات مع الصين وإن إحدى طرق تحقيق ذلك تأتي من خلال الطلبة الصينيين، “فعلينا تطوير وتحسين العلاقات من خلال تبادل المعلمين والطلبة في مجالي التدريس والبحوث”.