مؤلف كتاب “المصيدة الأمريكية” لـ “الشعب”: أمريكا تعتمد على أسلحة سرية لضرب الشركات الدولية المنافسة
صحيفة الشعب الصينية اليومية أونلاين
ترجمة وتحرير : د. فايزة كاب
“المصيدة الأمريكية”.. كتاب يروي قصة مؤلفه الفرنسي فردريك پيروتشي، المدير التنفيذي السابق لشركة ألستوم (Alstom)الذي قبع في السجون الامريكية 25 شهرا بتهمة رشوة بهدف الحصول على صفقات تجارية لصالح الشركة. وقد ذاع صيت الترجمة الصينية للكتاب الذي صدرت في يونيو 2019 لما تحتويه من شروحات وآراء حول الحرب الاقتصادية التي تشنّها الولايات المتحدة على الشركات الدولية المنافسة بما فيها الشركات الصينية. ولفهم أكثر أسباب وتداعيات هذه الأسلحة القذرة التي تعتمدها الولايات المتحدة لضرب منافسيها الدوليين، أجرت صحيفة الشعب اليومية أونلاين لقاءً صحفياً حصرياً مع فردريك مؤخرا بمقر مكتبته بالعاصمة الفرنسية باريس.
عنوان الكتاب .. دلالات ومغزى
قال فردريك پيروتشي، مؤلف كتاب “المصيدة الأمريكية” أن الولايات المتحدة وخاصة نظام الاستخبارات لديها اعتقدتا أنه لا وجود لعدو بعد الحرب الباردة، وركز نظام الاستخبارات الامريكي خلال فترة رئاسة كلينتون على مجال الاستخبارات الاقتصادية والتجارية، وهي حرب اقتصادية وتجارية أيضا. منوّها الى أن الولايات المتحدة قد أخرجت قانونا قديما يسمى ” القانون الأمريكي لممارسات الفساد الأجنبية” ، والذي دخل حيز التنفيذ في عام 1977، ولم يطبق على مدار 25 عامًا، ويهدف هذا القانون في الأصل إلى معاقبة الشركات الأمريكية التي تدفع رشاوي في الخارج، لكن الأمريكيين يعيدون تشغيل القانون اليوم لتنفيذه خارج الحدود الإقليمية، حيث تعتقد الحكومة الامريكية أن لها الحق في التدخل في أعمال الشركات غير الامريكية طالما تستخدم الدولار الأمريكي في معاملتها، وعناوين البريد الإلكتروني لهذه الشركات خوادم الولايات المتحدة. مضيفا، أن في الواقع الحكومة الامريكية تستخدم قنوات مختلفة بما في ذلك القنوات المالية، مثل المدفوعات بالدولار، وأنظمة التحويل، إلخ، والعديد من القنوات عبر الانترنت لفرض القانون الأمريكي على الشركات غير الأمريكية التي تستخدم هذه الخدمات. وبعد أن منحت حكومة الولايات المتحدة هذا القانون والقوانين ذات الصلة الوصاية خارج الحدود الإقليمية في عام 1998، قامت بالضغط على منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لحثّها على فرض قوانين مكافحة الفساد على الشركات في الدول الأعضاء، ما تمخض عنه “اتفاقية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لمكافحة الرشوة” التي أُطلقت في نهاية عام 1997. بالإضافة الى ذلك، استخدم الامريكيون في عام 2005 “قانون باتريوت الأمريكي” لتعزيز تقنين التجسس على الشركات، لذلك، عندما رأينا الخطوات المذكورة أعلاه، أدركنا أن غرامات الحكومة الامريكية تستهدف الشركات الاوروبية منذ عام 2005.
وقد لوحظ أنه منذ عام 2005، أنتج ” القانون الأمريكي لممارسات الفساد الأجنبية” أكثر من 100 مليون يورو من الغرامات، 60٪ من الشركات التي تمت معاقبتها هي شركات أوروبية، 15٪ فقط من الشركات الأمريكية. ويعتقد پيروتشي أن هذا القانون يستهدف الشركات الاوروبية بشكل أساسي، وأنه ابتداءًا من عام 2010، دفعت الشركات الفرنسية بموجب هذا القانون ما مجموعه 14 مليار دولار من الغرامات للخزينة الامريكية، لكن في الآونة الأخيرة، بدأ يستهدف الشركات الروسية، غدًا، قد يستهدف الشركات الصينية، قائلا:” ما يجب أن يعلمه الجميع أن هذا ليس مصيدة للمؤسسة فحسب، بل مصيدة للأفراد أيضًا.”
الشركات الأوروبية .. أولى ضحايا الحرب الاقتصادية الامريكية
قال فردريك پيروتشي، إنه خلال فترة سجنه في الولايات المتحدة، قام بتحليل الشركات التي تدفع غرامات مالية بموجب ” القانون الأمريكي لممارسات الفساد الأجنبية”، وأدرك أن العديد من الشركات أصبحت هدفًا للحكومة الأمريكية، حيث تستهدف أولا عدة قطاعات صناعية، مثل الاتصالات، النفط، الطاقة، وأن أول شركة استهدفتها الولايات المتحدة كانت من النرويج، بالإضافة إلى سيمنز ودويتشه تليكوم الالمانيتين، ورولز رويس للمملكة المتحدة، وألستوم، ألكاتيل ، توتال من فرنسا. في الواقع، تستهدف وزارة العدل الأمريكية أي بلد لديه صناعات وشركات استراتيجية، وتتخذ الولايات المتحدة الاخلاق و”القانون الأمريكي لممارسات الفساد الأجنبية” كغطاء فقط. مشيرا إلى أن الشركات الروسية باتت هدف وزارة العدل الأمريكية تستهدف في الآونة الأخيرة.
وحول استهداف الحكومة الامريكية شركة ألستوم، أوضح پيروتشي أنه في عام 2014، من أجل تجميل عملية استحواذ شركة جنرال إلكتريك لشركة ألستوم، دفعت الشركتان رسومًا ضخمة مقابل الدعاية، وتم تأكيد هذه الحقيقة من خلال تقرير التحقيق الصادر عن الجمعية الوطنية الفرنسية في عام 2018، الذي ذكر أن ألستوم وجنرال إلكتريك قد استخدمتا أكثر من 500 ألف يورو في مصاريف شركات الدعاية والعلاقات العامة والمحامين والبنوك، إلخ ، بهدف جعل هذا الاستحواذ أكثر منطقية في نظر الشعب الفرنسي والسياسيين والجميع، لتغطية حقيقة الاستحواذ، وقد نشرت خلال هذه الفترة مقالات اعلامية عديدة تدعم الاستحواذ بنشاط. وأكد پيروتشي أن ما كان يقال عن فشل الستوم الفرنسية كذبة كبيرة لا أساس له من الصحة، قائلا:” لقد أدركنا اليوم أن كل هذه المعلومات مزيفة.” مضيفا، أن الكل يعرف بأن ألستوم الفرنسية قوية جدًا في مجال الطاقة النووية، احتلت المرتبة القيادية على مستوى العالم، بالإضافة إلى ذلك، تعد ألستوم من بين الأفضل في العالم في مجال توليد الطاقة من الماء والفحم، ولا يمكن التشكيك في قدرتها التنافسية بالرغم من أنها لا تعد الاولى في العالم، علاوة على ذلك، فإن توليد الطاقة النووية لشركة ألستوم هو حقل يتمتع بآفاق تطوير جيدة، ومن جهة أخرى، فإن أعمال شركة جنرال إلكتريك هي أساسًا توليد طاقة بالتوربينات البخارية، وسوقها ضعيف ايضا، بدأت سوق توليد طاقة التوربينات البخارية في الانخفاض بشكل حاد منذ عام 2013 ،وعليه، فاذا تطور شركة جنرال إلكتريك الستوم في ذلك الوقت ستكون أسوأ دون الاستحواذ على شركة ألستوم.
القضاء الأمريكي .. أحد الأسلحة الامريكية في حربها الاقتصادية
قال پيروتشي حول تجربته مع القضاء الأمريكي:” الاجراءات القضائية في المحكمة الامريكية بالنسبة لهذا النوع من التهم، يطلق الحكم دون مقاضاة المتهم، سواء ضد المؤسسة أو الفرد، وإذا قررت رفع دعوى، وهذا أيضا قرار يستفز المدعي العام الأمريكي، ما يؤدي الى نتائج حكم مبالغ فيها للغاية، لذلك، تضطر 9 حالات ضمن 10 حالات اختيار الاعتراف بالذنب، حتى لو لم يكن لديهم أي دليل على وجود الذنب بغرض تقليل مدة الحكم لا غير.” واستعرض پيروتشي ظروف اعتقاله قائلا:”كنت أعيش في سنغافورة عندما تم القبض عليّ، في ذلك الوقت، كنت أقوم في الكثير من الأحيان برحلات عمل إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وفي ابريل عام 2013، أُعتقلت من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي في مطار كينيدي بأمريكا. وقد لاحظت أمورا غير طبيعية، أولا، عدم علمي بقضية اعتقالي ومقاضاتي التي تمت بالفعل قبل ستة أشهر، في نوفمبر 2012، ولكنني لم أتلق الخبر إلا بعد أن رأيت المدعي العام بعد إلقاء القبض عليّ، وقال لي: “السيد بيلوتشي، لقد تم مقاضاتك منذ ستة أشهر، لكننا نبقي هذا السر دائما، لأنك فرنسي، وفرنسا لا تسلم سكانها المحليين بالخارج للمقاضاة بالخارج، إذا رفعنا عليك الدعوة علنا، سوف تتقدم بطلب العودة إلى فرنسا ولن نكون قادرين على اتخاذ إجراء ضدك “. وهذا طبعا لا يتوافق مع الإجراءات القضائية. ثانيا، لقد تم اصطحابي إلى المدعي العام مباشرة بعد القبض عليا، وطلب مني المدعي العام عدم الاتصال بالسفارة الفرنسية، ولا بالقنصلية الفرنسية ولا بشركتي، وهذا أمر غير طبيعي، فعادةً ما يكون للأجانب الحق في الاتصال بسفارتهم أو قنصليتهم عند اعتقالهم في الخارج، لقد كان يريد أن ألعب دور الخائن داخل الستوم.” مضيفا:” أمضيت الليلة الأولى التي وصلت فيها إلى الولايات المتحدة في السجن، وفي اليوم التالي، تقدمت بطلب، على أمل أن يتم إطلاق سراحي بكفالة، حيث أنه يمكن للمتهم في غير قضية قتل الحصول على الافراج بكفالة في الولايات المتحدة بغض النظر عن التهمة، وحتى برنارد مادوف (الرئيس السابق لبورصة ناسداك للأوراق المالية)، الذي احتال على 50 مليار دولار تمكن من الحصول على الافراج لبضعة أسابيع، لكن في اليوم التالي، قرر قاضي المحكمة عدم إطلاق سراحي بكفالة، وتحويلي الى سجن يخضع لحراسة مشددة، محاط بمجرمين محترفين بعضهم حكم بالسجن مدى الحياة، والظروف الصحية هناك سيئة للغاية، حيث يوجد أكثر من 50 شخصًا في المهجع يستعملون مرحاضا واحدا دون باب ولا حيط، وغيرها من الظروف السئية…وأن معالجة وضعيتي بهذه الطريقة غير طبيعي أيضا.” وقد أشار پيروتشي إلى العديد من المخالفات في العملية القضائية بالولايات المتحدة في كتاب ” المصيدة الامريكية”، حيث مكث في الحجرة الأكثر حراسة بالسجن لمدة 9 أشهر، ولا يستطيع حتى الذهاب إلى الفناء، وخلال فترة سجنه التي دامت 14 شهرًا، رأى زوجته مرة واحدة فقط، في حين لم يرى أولاده، لم يكن يسمح لهم بمقابلته في السجن. وقد كان لتجربة السجن تأثير خطير على حياة پيروتشي وعائلته التي كانت تعيش في سنغافورة حين ذاك، وعلى جميع أفراد الاسرة.
الحرب الاقتصادية الامريكية .. أدوات المواجهة
أشار پيروتشي إلى أن مواجهة التدخل القضائي الامريكي في الشركات الدولية يتطلب الرد من كل دولة على المستوى القضائي، وأن فرنسا قد أصدرت القوانين واللوائح لحماية الشركات المحلية، وينبغي على الدول الأخرى الحذو حذوها. كما ينبغي التفكير في الجانب السياسي ايضا إذا ما أدركنا أن حكومة الولايات المتحدة مهتمة بالقوة الوطنية للدول فقط. وأن قانون مكافحة الفساد ينبغي أن يشمل الشركات الأمريكية أيضًا حتى يحقق التوازن بين الدول. وعدم إنشاء الدول المقيدة من قبل الولايات المتحدة آلية توازن للعدالة الأمريكية سيجعلها تواجه العديد من الحالات المتشابهة لتلك التي حدثت خلال 15 عامًا ماضية، أي أن الحكومة الأمريكية ستستخدم النظام القضائي للتدخل في تطوير مؤسسات الدول الأخرى. ونوّه پيروتشي إلى أن الولايات المتحدة ستستخدم مختلف الوسائل للحفاظ على سيطرتها على الاقتصاد العالمي، وعيونها على الاقتصاد الصيني الذي تراه مهددها الرئيسي.
ويعتقد پيروتشي أنه لا توجد خيارات كثيرة أمام بلدان أخرى في ظل هذا الوضع، وليس أمامها سوى الرد فقط وهو استجابة منظمة. وأن الدولة الأكثر تضرراً من الولايات المتحدة، قلقة بالتأكيد، إذ غالبًا ما يكون لهذه الدول قاعدة صناعية معيّنة، وتنافسية تقنياً مع الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فرنسا، ألمانيا، الصين، البرازيل، إلخ. موضحا أن أوربا لا يمكنها الرد بلسان جماعي لأن مصالح كل بلد مختلفة، لكن في كل الاحوال، من الضروري الرد في أسرع وقت ممكن، وعلى سبيل المثال، أدخلت فرنسا القوانين واللوائح ذات الصلة تسمح بمعالجة قضايا الشركات الفرنسية في فرنسا، بدلاً من السماح للحكومة الأمريكية بالتدخل، وفي الوقت الحالي، لا يوجد قانون لمكافحة الفساد أو النيابة على المستوى الاوروبي، للرد على الإدارة القضائية الأمريكية، ولا يمكن لأوروبا اتخاذ موقفا أكثر صرامة، مثل اتهام شركة أمريكية بالرشوة، لذلك، بات من الضروري لتلك الدول المتأثرة بالقانون الأمريكي لممارسات الفساد الأجنبية، تقوية الحوار بين بعضنا البعض، والرد بشكل إيجابي، لان غير ذلك سيؤدي الى إخضاع العالم بأسره للقوانين واللوائح الأمريكية .