قصة نجاح الحزب الشيوعي الصيني بعيون الساسة والخبراء الأوروبيين
بعد 98 سنة على تأسيسه، تطور الحزب الشيوعي الصيني إلى أكبر حزب سياسي في العالم مع عدد أعضاء يصل حاليا إلى 90 مليون.
ومن واقع متابعتهم على المدى الطويل لفلسفة الحزب في الحكم ومفاهيمه إزاء العالم، قال سياسيون وخبراء أوروبيون إن نجاح الحزب لا يرجع إلى تحقيقه للتوازن بين النمو الاقتصادي وإعادة التوزيع الاجتماعي فحسب، وإنما يرجع لاسهاماته الفريدة في الحوكمة العالمية أيضا.
— نمو متوازن وإعادة التوزيع الاجتماعي
وقال روبرت غريفثس، الأمين العام للحزب الشيوعي البريطاني، لوكالة ((شينخوا)) “لا شك، إن الحزب الشيوعي الصيني ونجاحه في إقامة جمهورية الصين الشعبية في 1949 والتنمية أدى إلى تحويل حياة المئات من الملايين من الصينيين إلى الأفضل”.
وزار غريفثس الصين 6 مرات وشاهد “التغيرات الهائلة التي حدثت في السنوات العشرين الماضية”. وأضاف “هذا سجل يدعو الشعب الصيني إلى الفخر”.
ويصادف هذا العام الذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، أي قبل عامين من هدف إكمال بناء مجتمع رغيد العيش على نحو معتدل من جميع الجوانب.
وقطعت الصين طريقا طويلا. فقد أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم. واُنتشل أكثر من 700 مليون شخص من سكانها من براثن الفقر في السنوات الـ40 الماضية.
واعتبر جوفان بالاليتش، الأمين العام للحزب الشعبي الصربي، الحزب الشيوعي الصيني بأنه “القوة المولدة الأهم للنمو الشامل في الصين”.
وقال بالاليتش “الحزب الشيوعي الصيني حكم الدولة بنجاح، وأوضح استراتيجياتها الوطنية، وحقق النمو الاقتصادي”.
وأضاف أنه من خلال الحفاظ على الاستقرار السياسي، أتاحت الصين الامكانيات لرواد الأعمال للتطور دون عوائق.
ومن خلال متابعته لمسيرة الحزب الشيوعي الصيني، لاحظ فرانشيسكو مارينجيو، الخبير الإيطالي في الشؤون الصينية، اتجاهين هما “تقليل التفاوتات في الثروة محليا وتقليل الفجوة في الثروة مع الدول الأخرى”.
وقال مارينجيو، وهو ايضا رئيس إدارة الشؤون الأجنبية بالحزب الشيوعي الإيطالي، إن الحزب الشيوعي الصيني يسعى في الوقت الحالي تحت قيادة الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ إلى تحقيق التوازن بين الاتجاهين: القضاء على الفقر لبناء مجتمع رغيد العيش باعتدال مع تحويل نمط النمو الاقتصادي لتعزيز التنمية في الدولة.
كما أشار بعض السياسيين والخبراء إلى أهمية طبيعة التحسين الذاتي للحزب الشيوعي الصيني، الذي لم يتخلف أبدا عن مواكبة العصر.
وقال بالاليتش إن الحزب الشيوعي الصيني “يعترف تماما بالاتجاهات والتيارات الحديثة التي تحدث عالميا ويطبقها بشكل تام من أجل تعزيز التنمية في الصين”.
وأضاف “هذا دور تاريخي للحزب الشيوعي الصيني وبالتأكيد ستنمو أهميته أكثر بمرور الوقت”.
وشاطره الرأي رئيس الوزراء المجري السابق بيتر ميدغيسي، الذي قال إن “السياسة الصينية تم تكييفها جيدا مع اتجاهات التنمية الجديدة. بهذه الطريقة استطاعت الدولة أن تتجاوز الأوقات الصعبة وتحتل موقعا رياديا في العالم”.
وأشار ميدغيسي إلى أحد أبرز خصائص فلسفة الحكم للحزب ألا وهي “التناغم بين التغيير والثبات” بحسب قوله.
وبرأيه، فإن التفكير طويل المدى مثل وضع الخطط والأفكار لـ20 و30 سنة يجعل تقدمه أمرا قابل للتنبؤ. “الاستقرار مهم جدا ويعطي الشعور بالأمان للشعب الصيني والشركاء الدوليين”.
وقال أندراس أنوتاي، أستاذ الأبحاث بمركز الدراسات الاقتصادية والإقليمية في أكاديمية العلوم المجرية، إن التوازن المدروس للصين بين النمو الاقتصادي وإعادة التوزيع الاجتماعي، وكذلك بين التخطيط المركزي والشركات المملوكة للدولة والقطاع الخاص القوي، قد أثبت نجاحه على الرغم من عدد من التحديات المتوقعة.
وأضاف أن “الاستقرار المستدام سيتم المحافظة عليه. هذا لن يصب في مصلحة الصين فقط وإنما النظام الدولي أيضا”.
— طريق بديل للمضي قدما
في عام 2017، انعقد اجتماع الحوار الرفيع المستوى بين الحزب الشيوعي الصيني والأحزاب السياسية العالمية في بكين.
واعتبر مارينجيو المنصة مثالا جيدا على المساهمة الإيجابية للحزب الشيوعي الصيني في الحوكمة العالمية.
وقال إن هذا يمثل طريقا اختاره الحزب الشيوعي الصيني لتحقيق نوع جديد من العلاقات بين الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم، مشيرا إلى أنه جزء أساسي من رؤية بناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية.
وأفاد مارينجيو بأن الغرب يشهد ميلا إلى إعطاء مركزية سياسية لمجموعات المصالح الاقتصادية الخاصة، مضيفا أن الحوار العالمي المتعدد الأطراف بين الأحزاب في العالم يسهم في عكس مثل هذا الاتجاه، الذي إذا ما استمر، سيؤدي إلى بلوتوقراطية.
حظيت كل من رؤية مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية ومبادرة الحزام والطريق بتأييد واسع. وحتى إبريل، وقعت أكثر من 150 دولة ومنظمة دولية وثائق تعاون خاصة بمبادرة الحزام والطريق مع الصين.
من 2013 وحتى 2018، تجاوز حجم التجارة بين الصين وغيرها من دول الحزام والطريق 6 تريليونات دولار أمريكي، وتجاوزت استثمارات الصين في دول الحزام والطريق 90 مليار دولار.
وأوضح غريفيثس إن مبادرة الحزام والطريق مثال رائع، حيث تعتزم الصين الاستفادة من نموها الاقتصادي ومواردها لمساعدة مجموعة من الدول على تنمية اقتصاداتها ومجتمعاتها.
وأشار غريفيثس إلى أن طريق التنمية السلمية للصين هو “في الواقع طريق بديل للمضي قدما لكوكبنا، وللبشرية”.
ولفت إلى أن هناك نوعين من العولمة. ما يختبره الناس في معظم الوقت هو ما يسميه “العولمة الرأسمالية أو العولمة الإمبريالية”، مما يعني خفض الحواجز أمام رأس المال الغربي مع الفشل كثيرا في إفادة السكان والاقتصادات المحلية.
وقال إن المفهوم الصيني للعولمة يبدو قائما على أساس مختلف، على أساس المنفعة الدائمة المتبادلة، وليس على أساس الاستغلال الفائق”.
وصّف ميدغيسي ما تنوي الصين تحقيقه بأنها تريد “أن تكون شريكا موثوقا به، وأن تعيش في سلام، وأن تحل النزاعات في العالم عن طريق المفاوضات، وأن يكون لديها إستراتيجية واضحة”.
وقال ميدغيسي “علينا أن نقبل بأن الصين تتبع طريقها الخاص”، مضيفا أن “الصين تستند إلى التعددية والمنافسة والتجارة الحرة. سياستها الخارجية ليست عدوانية، لكنها تمثل مصالحها الوطنية بنشاط وكفاءة. بالتالي، تلعب الصين دورا مهما في تحقيق التوازن في العالم”.
وصرح فابيو ماسيمو بارينتي، أستاذ الدراسات الدولية في معهد لورينزو دي ميديسي الدولي في فلورنسا بإيطاليا، بأن بناء نوع جديد من العلاقات الدولية وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية هما “المقترحين الأكبر ابتكارا وتحديدا” للحزب الشيوعي الصيني.
وذكر بارينتي أن الصين تثبت للعالم أنه من الممكن زيادة الترابط والقيام بأعمال تجارية وتعزيز التعاون دون الهيمنة ودون التوسع العسكري.
وأشار غريفيثس إلى أنه رغم وجود اختلافات ثقافية، فإنه “بناء على مدار فترة وجوده بأكملها، مثّل الحزب الشيوعي الصيني قوة كبيرة لتقدم الشعب الصيني وعلى نحو متزايد قوة للتقدم في جميع أنحاء العالم”.