صندوق النقد الدولي يعترف بتقدم الصين في تحقيق إعادة التوازن الاقتصادي الخارجي
قال صندوق النقد الدولي يوم الأربعاء إن فائض الحساب الجاري في الصين قد شهد مزيدا من الانخفاض في عام 2018، حيث قيمت الصين موقفها الخارجي ليكون متوافقا مع الأسس والسياسات الاقتصادية المرغوب فيها، لينعكس ذلك على إعادة التوازن الاقتصادي.
وقالت غيتا غوبيناث، الاقتصادية البارزة بصندوق النقد الدولي، خلال مؤتمر صحفي، إن “هناك تطورا جديرا بالملاحظة يتمثل في مواصلة خفض فائض الحساب الجاري في ظل مرونة أكبر لسعر الصرف وتقييم (سعر الصرف الفعلي الحقيقي) على مدى العقد الأخير”.
وورد في تقرير القطاع الخارجي لصندوق النقد الدولي الصادر مؤخرا، وهو تقرير سنوي، أن فائض الحساب الجاري في الصين واصل انخفاضه في عام 2018، ليصل إلى 0.4 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي.
ويعكس هذا بالأساس انكماشا في الميزان التجاري مدفوعا بنمو عال في حجم الواردات، وزيادة مستمرة في العجز في الخدمات، يرجع معظمها إلى السياحة وارتفاع أسعار بعض المنتجات.
وفي السنوات الأخيرة، أصبح الاقتصاد الصيني أكثر اعتمادا على الطلب الداخلي بدلا من الصادرات. ووفقا لأحدث البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء، فإن مبيعات التجزئة للسلع الاستهلاكية ارتفعت 8.4 بالمائة على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2019، مع زيادة المبيعات عبر الانترنت بنسبة 17.8 بالمائة.
ومن منظور أطول، تراجع فائض الحساب الجاري للصين “بشكل كبير” مقارنة بذروته حوالي 10 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي في 2007، ما يعكس النمو القوي للاستثمارات، والتقييم الحقيقي الفعلي لسعر الصرف، والطلب الضعيف في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية، والتحديثات التكنولوجية في قطاع الصناعة التحويلية، وتوسع العجز في الخدمات.
وفي التقييم الشامل، اتفق الموقف الخارجي للصين في 2018 بشكل واسع مع المستوى الذي يتمشى مع الأساسات متوسطة الأجل والسياسات المرغوب فيها، مما يمثل تغيرا عن تقييم ” أقوى بشكل معتدل” السابق.
وقالت غوبيناث إن تحقيق إعادة توازن خارجي دائم سيتطلب كبحا تدريجيا لسياسات الاقتصاد الكلي التوسعية واعتماد المزيد من الإصلاحات الهيكلية.
وقال التقرير إن متوسط سعر الصرف الفعلي الحقيقي للصين في 2018 ارتفع بنسبة 1.4 بالمائة مقارنة بـ2017، مدفوعا بارتفاع سعر الصرف الاسمي الفعلي، مضيفا أن تقييم التوازن الخارجي أوضح أن سعر الصرف الفعلي الحقيقي للصين عند نفس المستوى الذي تقتضيه الأساسيات والسياسات المرغوب فيها.
وبخصوص الاقتصاد الصيني، قالت غوبيناث إنه من المهم للصين أن تواصل تحولها باتجاه النمو المدفوع بالمزيد من الطلب الداخلي، لضمان أن يكون هناك اعتمادا أقل على الائتمان ولتشجيع نمو القطاع الخاص.
وأظهر التقرير أن الفوائض في الحسابات الجارية في 2018 ظلت متمركزة في منطقة اليورو، مدفوعة بألمانيا وهولندا وفي اقتصادات أخرى متقدمة مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، في حين ظل العجز مستمرا في بريطانيا والولايات المتحدة وبعض الاقتصادات الناشئة مثل الأرجنتين وإندونيسيا.
وبعد الأزمة المالية العالمية، تراجعت الفوائض والعجوزات في الحساب الجاري بشكل حاد من حوالي 6 بالمائة من الناتج إلاجمالي المحلي العالمي في 2007 إلى حوالي 3.5 بالمائة في 2013. ومنذ ذلك الحين، تراجعت اختلالات الحساب الجاري العالمية بشكل طفيف إلى 3 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي العالمي في 2018، وفقا للتقرير.
وقالت غوبيناث إن المخاطر الناجمة عن التكوين الحالي للاختلالات الخارجية “تم احتوائها بشكل عام” على الأقل على المدى القريب حيث تتركز عجوزات الحسابات الجارية ومواقف المدينيين في الاقتصادات المتقدمة التي تصدر عملات احتياطية.
وأضافت أن التوترات التجارية لم تؤثر بشكل كبير حتى الآن على عدم توازن الحساب الجاري بالعالم، ولكنها تلقي بظلالها على الاستثمار والنمو بالعالم، مطالبة جميع الدول بالعمل معا على هذه القضية.
وقالت أيضا إن “التحركات الثنائية التجارية الأخيرة لم تحدث تأثيرا كبيرا على عدم التوازن بالعالم، في وقت تعكس فيه أوضاع عدم التوازن بالعالم السياسات الكلية التي تؤثر في الادخار والاستثمار التراكميين”.
وألقت الخبيرة الاقتصادية الضوء على تأثير التوترات التجارية، مشيرة إلى أن التعريفات الجمركية العالية ظلت ترافقها أسعار متزايدة على المستهلكين، وتسبب تآكل الثقة وتشوه سلاسل الإمداد بالعالم.
وقالت غوبيناث إن صندوق النقد الدولي وجد أيضا أن تأثيرات أسعار الصرف على التدفقات التجارية ” صامتة نسبيا” على المدى القصير، وخصوصا في الاقتصادات التي يكون فيها تحرير فواتير التجارة إلى حد كبير بالدولار.
وأضافت:” هذا يعني أن فوائد مرونة سعر الصرف من حيث إعادة التوازن الخارجي أو عزل الاقتصاد أمام صدمات سعر الصرف الفعلي الحقيقي ربما تكون محدودة على الأجل القريب”، مؤكدة أن ” هذا يشير الى ضرورة تكامل مرونة سعر الصرف مع أدوات السياسة الدورية الأخرى”.
وقالت غوبيناث إن الدول التي تعاني من عجز مفرط في الحساب الجاري مثل بريطانيا والولايات المتحدة يجب أن تبنى أو تواصل التوحيد المالي الصديق للنمو، فيما حثت الدول التي تتمتع بفوائض مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية على استخدام الحيز المالي لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية العامة وإمكانات النمو.
وأشارت الخبيرة الاقتصادية إلى ضرورة أن تركز الدول صاحبة العجز والفائض على حد سواء على معالجة المصادر الأساسية والهيكلية للاختلالات بدلا من اللجوء الى الإجراءات التجارية المشوهة، داعية إلى “سياسات هيكلية مصممة بعناية وتسلسلية”.
وقالت غوبيناث: “يتعين على الدول أن تعمل معا من أجل إحياء جهود التحرير وتعزيز النظام التجاري القائم على القواعد الذي خدم الاقتصاد العالمي على مدار السنوات الـ75 الماضية”.