العملة الصينية جوهر المشكلة
صحيفة البيان الاماراتية:
الأوساط الاقتصادية والسياسية الأميركية تتابع مشروع القانون المطروح مؤخراً على الكونغرس، ويقضي بالضغط على الصين لمطالبتها برفع سعر عملتها الوطنية الرومبيني التي مازالت « بكين» تحافظ على خفضها مقابل الدولار، وهو ما يزود الصادرات السلعية الصينية بميزة نسبية، خاصة وأنها تغمر أسواق الاستهلاك الأميركية حيث تقبل عليها جماهير المواطنين بالولايات المتحدة. وتحذر جريدة « النيويورك تايمز » مما يسفر عنه مثل هذا الإجراء، خاصة وأن الصين تُعد الدائن الأول لخزانة الأميركية ويمكن أن ترد باتخاذ إجراءات جديدة ضد وارداتها من السلع الأميركية، من ناحية أخرى يصدر في الفترة القريبة المقبلة كتاب لباحث أميركي كبير في ميدان الاقتصاد يتوقع من خلال الدراسات والإسقاطات التي قام بها مستخدما الحاسوب الالكتروني أن يحل عام 2030 ليجد الصين وقد واصلت مسيرتها المتفوقة بوصفها الدولة الدائن رقم واحد في العالم، وبحيث تشغل مكانة القطب العالمي المهيمن، الواحد أيضا بدلا من الولايات المتحدة التي مازالت تُعد الطرف المدين رقم واحد بحكم اختلال الميزان التجاري لصالح الصادرات الواردة من الصين إلى السوق الأميركية. ويحدد المحلل الاقتصادي الأميركي قدرة الدولة على احتلال تلك المكانة رقم واحد في اقتصاد العالم على أساس تزايد حجم ناتجها المحلي الإجمالي، وسلامة ميزان التبادل التجاري بما يحقق مصالحها إزاء الأطراف الأخرى فضلاً عما يتمتع به اقتصاد الدولة الصينية من عافية تجعلها طرفا دائنا ومن ثم قادرا على تفعيل إرادته وتحقيق مصالحه كي تتجاوز مصالح المنافسين.
وتشهد الفضاءات السياسية والاقتصادية الدولية عديدا من غيامات السحب المتوقع أن تجلل سماء العلاقة بين أكبر قوتين في عالمنا وهما الولايات المتحدة غربا والصين إلى الشرق من العالم.
صحيح أن علاقات الطرفين ما برحت منذ عقد التسعينات بالذات تشهد حالات من التوتر الظاهرة والخافية، وكانت أحيانا تسترها ابتسامات المسؤولين الصينيين التي لا تعكس سوى الأدب والتهذيب الآسيوي التقليدي ولكنها تخفي في الأساس جوهر التنافس الصراعي، كما نسميه، بين القوتين الكبيرتين، خاصة وقد استقبلت الأسواق الأميركية ومازالت تستقبل، تدفقات بل سيولا من السلع والمصنوعات الصينية، منها الاستهلاكية ومنها المعمّرة، ومنها ما يعد نتاجا للتكنولوجيا المتقدمة فيما يدخل بعضها في خانة الدمى ولعب الأطفال. ويحدث هذا بينما يتبع الطرف الآسيوي الصيني أسلوبا أقرب إلى الإغراق التصديري وهو ما أوصل الأمور إلى أن أصبحت الصين، أو تكاد تصبح أكبر دائن في العالم فيما أصبحت أميركا أكبر مدين في العالم، ليس فقط بسبب سياسة الإغراق أو شبه الإغراق التي ألمحنا إليها، ولكن السبب الجوهري في هذا كله، هو إبقاء الصين على سعر وقيمة منخفضين لعملتها الوطنية الرومبيني وهو ما يحفظ لبكين ميزة نسبية مازالت تتمتع بها وتجيد استغلالها في أسواق العالم أجمع، وفي السوق الأميركية بالذات بحكم اتساع حجم تلك السوق ونزعة الاستهلاك التي تسود جنباتها فضلاً عن ارتفاع قيمة الدولار الأميركي على نحو لا يتيح أي تنافس مع نظيره من عملات الصين.
المشكلة الأساسية هنا تتمثل في سعر العملة، وكم تابعنا، وتابع أيضا المحللون الاقتصاديون والمراقبون السياسيون، حملات دأبت واشنطن على تنظيمها وتوجيهها صوب بكين، واستخدمت بدائل شتى ما بين الضغط إلى الإقناع وما بين الاستمالة إلى التهديد، ولكن كان هدفها في الأساس هو إقناع الصين، أو حملها على خفض سعر صرف عملتها الوطنية، دون أن تعود هذه الحملات الأميركاني بنتائج عملية يعتد بها.