إحياء الكونفوشيوسية وإعادة تشكيل الهوية الثقافية الصينية في ندوة بالقاهرة
عقد خبراء صينيون ومصريون مساء أمس الثلاثاء في القاهرة ندوة حول “إحياء الكونفوشيوسية” لشرح تقاليد هذه الثقافة في الصين ومدى تأثيرها على الهوية الثقافية الصينية.
وعُقدت الندوة بمقر المجلس الأعلى للثقافة المصري، بالتعاون مع المركز الثقافي الصيني في القاهرة، تحت عنوان “إحياء الكونفوشيوسية وإعادة تشكيل الهوية الثقافية الصينية”.
— الكونفوشيوسية ..التناغم
تعد الكونفوشيوسية جزءا أساسيا ومهما من التقاليد الثقافية الصينية بشكل عام، وتتضمن الكثير من القيم والمبادئ والمفاهيم، من أبرزها التناغم.
وقال المستشار الثقافي للسفارة الصينية مدير المركز الثقافي الصيني بالقاهرة شي يوه ون، في كلمة في بداية الندوة، إن الثقافة الكونفوشيوسية أثرت ومازالت تؤثر على الشعب الصيني وعلى الشعوب الآسيوية وبعض شعوب العالم.
وأوضح شي أن الكونفوشيوسية تدعو إلى التقارب بين البشر، ونشر السلام ونبذ الحرب، والتعاون والتناغم لبناء المجتمع العالمي.
وتابع قائلا “نحن نحتاج اليوم إلى هذه المبادئ حتى تساعدنا جميعا في البناء والتقدم وتحقيق السلام الدولي”.
وفي رأي الدكتور تشن نا الباحث بمركز دراسات التنمية الاجتماعية بجامعة (فودان) الصينية، فإن الأفكار الكونفوشيوسية هي “تلخيص لتجارب الماضي ورؤية للمستقبل”.
وقال تشن خلال محاضرته، بحسب ترجمة إلى العربية، إن الثقافة الكونفوشيوسية جزء أساسي ومهم من التقاليد الثقافية الصينية بشكل عام.
ويعد مفهوم “التناغم”، الأبرز في الثقافة الكونفوشيوسية، بحسب تشن.
وأوضح أن هذا المفهوم يعني التناغم بين الإنسان والآخر، وبين الإنسان والطبيعة، مشيرا إلى أن هذا التناغم وفق الكونفوشيوسية يتحقق من خلال التفاهم والعطاء المتبادل.
وشدد على أهمية انعكاس هذا التناغم على سلوك الفرد والأسرة والمجتمع ككل.
ورغم أن الكونفوشيوسية متداخلة بشكل كبير جدا في كل جوانب حياة الشعب الصيني لا ينظر لها باعتبارها ديانة روحية، ولم يحدث أن تم تشكيل أي مكونات لاعتناق فكر كونفوشيوس باعتباره ديانة، بحسب تشن.
وأردف تشن قائلا إنه عبر التاريخ لم تعرف الكونفوشيوسية كديانة، موضحا أن مفهوم الدين قادم من خارج الصين، والصينيون يعتبرون الأديان السماوية هي فقط الإسلام والمسيحية واليهودية.
لكن الكونفوشيوسية أثرت كثيرا في إعادة بناء الصين، خاصة مع بدء سياسة الإصلاح والانفتاح قبل أربعين عاما، بحسب الدكتورة فان لي تشو.
— الكونفوشيوسية وسياسة “الإصلاح والانفتاح”
وتناولت فان في محاضرتها، تأثير الكونفوشيوسية على سياسة “الإصلاح والانفتاح”، التي أطلقها دنغ شياو بينغ، في العام 1978، وكيف استمد الكثير من القيم والمبادئ من الكونفوشيوسية.
وقال فان، إن السلوك والفكر الصيني لم ينفصل في أي مرحلة من مراحل تاريخه عن الكونفوشيوسية حتى خلال الثورة الثقافية الكبري، تمكن الشعب الصيني من المحافظة على الكونفوشيوسية، التي كانت كامنة في نفوس الصينيين.
وتابعت، بحسب ترجمة لحديثها، “لقد انعكست الكونفوشيوسية كثيرا وأثرت في إعادة بناء الصين، ونبذ الروح الانتقامية بعد الثورة الثقافية، والتركيز على مساحات الاتفاق، خاصة مع بدء سياسة الإصلاح والانفتاح، التي قصرت المسافة كثيرا بين الصين والعالم، وجعلت الصين أكثر قربا من المجتمع الدولي”.
وأشارت فان إلى أن مبادئ السياسة الخارجية الصينية في الوقت الحالي مستمدة من تعاليم كونفوشيوس، والتي تقوم على الدعوة لمجتمع ذى مصير مشترك للبشرية، والتوافق والتعاون رغم الاختلاف، مؤكدة أن هذا ما لايستطع الأمريكان فهمه حتى الآن.
— إنسانية واحدة وثقافات متعددة
ولخص رئيس وزراء مصر الأسبق الدكتور عصام شرف، في مداخلة خلال الندوة، الكونفوشيوسية بأنها “إنسانية واحدة وثقافات متعددة”.
وقال شرف إن “الحضارة الإنسانية الحالية دمرت العلاقات الإنسانية سواء بين الإنسان وأخيه الإنسان أو بين الإنسان والطبيعة، ونحن نحتاج إلى حضارة أيكولوجية جديدة تحفظ العلاقة بين الإنسان والطبيعة”.
وأضاف أن “الحضارة الايكولوجية تحظى باهتمام كبير في توجهات الرئيس الصيني شي جين بينغ، لأنه إذا استمرت الحضارة الإنسانية بهذه البشاعة فإن الحياة ستنتهي ولابد من وجود هذا النموذج من الحضارة التي تقوم على محور أساسي، وهو الآخر سواء كان إنسانا أو طبيعة”.
من جانبه، قال أستاذ الفلسفة بجامعة بنها الدكتور الصاوي أحمد، لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن هناك توافقا كبيرا جدا بين مبادئ كونفوشيوس وتعاليم الأديان السماوية الإسلام والمسيحية واليهودية.
وأوضح أن الكونفوشيوسية اهتمت بالأخلاق بشكل كبير جدا، وهي تعتبر محورا مهما من مبادئها أثرت بشكل كبير في الثقافة الصينية.
وأشاد أحمد بالمحاضرة، وما أضافته من معرفة للجمهور المصري بالثقافة الصينية، خاصة ما يتعلق بركيزة أساسية بها وهي الكونفوشيوسية.
بدوره، قال رئيس مؤسسة بيت الحكمة للاستثمارات الثقافية الدكتور أحمد السعيد، والذي قام بالترجمة، لـ(شينخوا) إن الندوة قدمت مزيجا من التطور التاريخي الصيني وتأثيرات الكونفوشيوسية فيه عبر حقب تاريخية مختلفة مع التركيز على الأربعين عاما الأخيرة، التي شهدت سياسة الإصلاح والانفتاح.
وأشار السعيد إلى أهمية الكونفوشيوسية وتأثيرها على الثقافة الصينية، مؤكدا أن من يفهم مبادئ وقيم الكونفوشيوسية يستطيع بسهولة أن يستوعب السياسة الخارجية الصينية، ويفهم طبيعة الشعب الصيني.