هل يستعيد التنين الصيني شبابه بسياسة الطفلين؟
موقع الصين بعيون عربية ـ
بشار جابر*:
تعتَبر الإحصاءات الديموغرافية وتائر التزايد البشري مرتفعة في الدول النامية، بعكس وقائعها في الدول الصناعية المتطورة التي تعاني من انخفاض في إجمالي معدل الخصوبة -عدد الولادات لكل امرأة-، ويَجُر ذلك الى انخفاض في النمو السكاني، ونقص في اليد العاملة، أو ما يُدعى “بشيخوخة الدول“. وتُعتبر الصين من الدول النامية، كما هي تُصنّف نفسها، وعلى الرغم من ذلك فإنها تواجه “شيخوخة” الدول المتقدمة، متمثلاً ذلك بانخفاض إجمالي معدل الخصوبة ليبلغ (1.6) وهو أقل من (2.1) وهو المعدل العالمي المطلوب للحفاظ على التعداد السكاني مسبباً نمو سكاني سلبي، (1) وترجع هذه المشكلة في الأساس الى السياسة الصينية المعروفة باسم “الطفل الواحد”، والتي استمرت خلال الفترة من 1980 إلى 2015.
في العام 2015 تم التحول من سياسة الطفل الواحد الى الطفلين، وأبرز البيان الرسمي للرئيس “شي جين بينج” بأن الانتقال الى سياسة الطفل الثاني هدفها تحقيق النمو السكاني “المتوازن ودعم للتنمية”، (2) حيث يوجد خلل كبير بين نسبة الذكور والإناث في الصين بسبب سياسة الطفل الواحد، حيث يصفها المحللون بأنها أقرب إلى القنبلة الديموغرافية الموقوتة، حيث كان هنالك إجهاض “انتقائي” من قبل الوالدين للحصول على مولود “ذكر”، وبالطبع معظم الاجهاضات من فئة الإناث؛ ويرتبط هذا “الانتقاء” بأسباب اجتماعية واقتصادية مرتبطة بالثقافة الصينية، فيرى المجتمع بأن الإناث تشكل عبئاً مالياً بينما الذكور عوناً للوالدين بمشاركتهم بأعبائهم المالية، وهذا أدى لخلل بين الجنسين؛ فحسب بيانات المكتب الوطني الصيني للإحصاءات يتبين بأن هناك (100) فتاة لكل (105) شاب للعام 2016، (3) لذلك لن يتمكن بعض الشباب من العثور على زوجة، مما سيخلق مشاكل اجتماعية ويدفع الكثير من الشباب إلى الاحباط لعدم قدرته على ايجاد شريكة له، ويتندر البعض بأن كل الفتيات في الصين سيجدون شريك بغض النظر عن مدى جمالها.
ولكن يبدو أن “سياسة الطفلين” الجديدة لا تحقق أهدافها بزيادة معدل الخصوبة وللتذكير فإن فترة التطبيق قصيرة 4 أعوام، فمعدلات الخصوبة لا تلامس المستهدف من قبل الحكومة بعد الانتقال الى سياسة الطفلين – مع العلم بأن عدد مواليد الطفل الثاني ارتفع-، (4) بالإضافة الى “البهجة” حسب استطلاعات الرأي للأمهات اللواتي أنجبن طفلاً ثانياً، (5) ولكن تبيّن الدراسات المختلفة للباحثين في الشأن الصيني بأن معدلات سن الزواج بارتفاع ونسب المتزوجين حديثاً بانخفاض، خاصة في المدن ذات التنمية الاقتصادية المرتفعة – مثل شنغهاي وبكين، والأهم من ذلك فإن الأزواج يفضلون طفلاً واحداً عن طفلين والأسباب من وجهة نظرهم متعددة، منها التكاليف المرتفعة لتربية الطفل، بالإضافة الى ندرة الوقت في مجتمع يعمل كخلية نحل، وخوف أحد الزوجين بالتضحية بوظيفته – غالباً الزوجة – لرعاية أكثر من طفل، بالإضافة الى تأثير ذلك على صحتهما، والجهد المبذول من قِبلهما خاصةً لمجتمع تعود على تربية طفل واحد، (6) وأيضاً لم تقدم الحكومة الصينية الدعم الكافي – مادياً ومعنوياً- للأزواج الشباب لتشجيعهم على الحصول على الطفل الثاني، مع العِلم بأن الحكومة الصينية خفضت الضرائب لمن يحصل على الطفل الثاني بقيمة (148) دولار أمريكي شهرياً لكل طفل على مقاعد الدراسة من الحضانة إلى الجامعة، (7) ولكن هل هذا يكفي في نظر الأزواج الذين يخططون لطفل ثاني؟
بالنسبة لمجتمع يتّجه للشيخوخة، يجب أن يتخذ نموذجاً متقدماً لرفع معدل الخصوبة، وأفضل نموذج حالياً قد يكون النموذج “الفرنسي”، فالدولة الفرنسية عَانَتْ من معدل خصوبة منخفض سابقاً وعالجته من خلال توفير نظام داعم للعائلات، والذي تطور حتى أصبح يدعم حتى الأجانب الذين يقيمون في فرنسا!!! ويشمل هذا النظام دعم الأساسيات للطفل والولادة والرعاية وأيضاً دعم التعليم وعلاوة على ذلك دعم للسكن والنقل وغيرها!! (8) بالإضافة إلى تشجيع الهجرة إليها، وتمكين المهاجرين، وهي مزايا ليست لأسباب انسانية، بل هي أسباب “اقتصادية ومجتمعية”، وذلك لحمايتها من الانهيار والاندثار بسبب عادات المجتمع التي اصبحت تفضل إنجاب طفل أو عدم الانجاب أصلاً، والبعض يَذْكُرْ التندر الذي حدثَ عندما فاز منتخب فرنسا بكأس العالم لكرة القدم العام الماضي، فالبعض ألمح إلى عدد اللاعبين – من أصول إفريقية – بالفريق الفرنسي، والبعض الآخر كان أكثر تندراً وصولاً إلى الاستهزاء، وأشاروا بأن إفريقيا من أخذت الكأس وليست فرنسا!!!
بالرغم من كل ذلك فعلى الصين أن تكون أكثر حذراً بتبنّي أية سياسات داعمة لزيادة إجمالي معدل الخصوبة للخروج من هذه المعضلة، فالتكلفة المتوقعة للإنفاق على “الطفل الثاني” من أية سياسة تُعْتَمَدَ سيتحملها الشباب العامل، وبنفس الوقت، ستتحمل هذه الفئة تكاليف دعم برامج الشيخوخة التي ستتزايد مع الوقت، مما سيثقل كاهل فئة الشباب وَيَثْبُطُ عزيمتهم.
(المعلومات الواردة في المقال على عهدة الكاتب)
- #بشار جابر: مُحلِّل سياسي واقتصادي أردني، وحاصل على ماجستير “سياسة عامة” من جامعة بكين – جمهورية الصين الشعبية، وصديق مُقرّب من الاتحاد الدولي للصحافيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء و (حُلفاء الصين).
هوامش:
(1) World Health Organization, Health situation and trend assessment, http://www.searo.who.int/entity/health_situation_trends/data/chi/TFR/en/ access date:19/7/2019
(2) صحيفة الشعب، ” شي: تعديل سياسة انجاب الاطفال مرتبط بالتنمية طويلة الامد للبلاد”، منشور بتاريخ 4/11/2015، متاح على: http://arabic.people.com.cn/31664/845869/7.html تمت الزيارة بتاريخ:20/7/2019
(3) المكتب الوطني الصيني للإحصاءات، التقرير السنوي للعام 2016، متاح على: http://www.stats.gov.cn/tjsj/ndsj/2017/indexeh.htm تمت الزيارة بتاريخ:21/7/2019
(4) صحيفة الشعب، “تقرير: قريبا ستدخل الصين عصر النمو السلبي لعدد السكان”، منشور بتاريخ 4/1/2019، متاح على: http://arabic.people.com.cn/n3/2019/0104/c31664-9534846.html تمت الزيارة بتاريخ:22/7/2019
(5) موقع الصين بعيون عربية، منشور بتاريخ: 21/2/2017 ” سياسة الطفل الثاني تزيد من سعادة الصينيين”، https://www.chinainarabic.org/?p=30014 تمت الزيارة بتاريخ: 22/7/2019
(6) صحيفة الشعب، ” صحيفة: نقص الدعم الأسري وانخفاض التوقعات الوظيفية أهم أسباب احجام الصينيات عن انجاب طفل ثانٍ”، منشور بتاريخ: 23/1/2019http://arabic.people.com.cn/n3/2019/0123/c31664-9540857.html تمت الزيارة بتاريخ:22/7/2019
(7) صحيفة الشعب، “ماذا تستطيع الصين أن تفعل لتشجيع شعبها على إنجاب الأطفال؟”، منشور بتاريخ: 21/1/2019http://arabic.people.com.cn/n3/2019/0121/c31664-9539604.html تمت الزيارة بتاريخ:23/7/2019
(8) Cleiss, (The French Social Security system’s), available at http://www.cleiss.fr/docs/regimes/regime_france/an_4.html accessed date: 23/7/2019