«الأضحى» في «شينجيانغ»..
صحيفة الدستور الأردنية ـ
مروان سوداح:
الصينيون عموماً يُحبون الأعياد واستمراريتها الى آجال طويلة، والمُتعة في العيد عندهم فعاليات طافحة بالبهجة، برغم أنهم قوم عملٍ، مايؤكد على أنهم شرقيون، متكاتفون واجتماعيون لأبعد الحدود، واحتفاءات المسلمين في الصين بالأضحى تتواصل حتى بعد انقضاء المدة المحدّدة له دينياً، وفي هذا العام على وجه الخصوص تطول فترة الاحتفالات، لأن عيد الأضحى يتزامن في الصين مع «عيد المحبة» (تسي سي).
حكايتي مع الصين قديمة قديمة، وها هي بلاد «هان» مازالت تبتسم لي منذ نيّف ونصف قرن، مُرحّبةً ومُستضيفة لزياراتي الكثيرة إلى مختلف أصقاعها، إذ تعرّفت أولاً إلى شرقها، ومن هناك دلفت إلى غربها لِسبرِ أغواره، ولذلك تختزن ذاكرتي الصور الجميلة لهذه الرحلات، بخاصة في شينجيانغ و نينغشيا، وهما منطقتان تفاخران بطابعهما وعاداتهما الشرقية والإسلامية، وبتعدديتهما القومية، والسلام الإجتماعي والتضامن المدني فيهما، وهي قِيم يتفق الجميع عليها هناك ويُفاخِرون بها.
في الجغرافيا، تقع منطقة شينجيانغ الويغورية الذاتية الحكم في قلب آسيا وعلى حدود الصين الشمالية الغربية، وتتميز بأهمية جيوسياسية وإقتصادية بالغة لا سيّما على طريق الحرير القديم، وهي مَمرٌ مثالي لـ»مبادرة الحزام والطريق» التي أعلن عنها الرئيس شي جينبينغ، وتنطلق من غرب الصين نحو كل آسيا والعالم العربي، وتمثل سبيلين: تجاري وإنساني، ومساحتها 900ر664ر1 كيلومتر مربع، وتحتل سُدس مساحة الصين. ويبلغ طول حدودها البرية 600ر5 كيلومتر، وتحدّها 8 دول. وعموماً، فإن عديد مسلمي الصين، ومن ضمنهم الشينجيانغيين، يَفوق عديد المواطنين المسلمين في بعض الدول العربية.
وشينجيانغ تلفت الزائر بمساجدها الأكثر من 24 ألفاً، وبخاصة تلكم التي أُعيد بناؤها خلال السنوات الأخيرة، ومنها مسجد تانغهانغ بمئذنته العالية، أما مساجد الصين فيفوق عددها 40 ألفاً وفقاً لإحصائيات قديمة نسبياً، وهي عَامرة بالمُصلّين المَحليين والعرب. وخلال تجوالي في الصين، إطّلعت على المواقع الإسلامية الصينية وتلك الخليجية التي شُيّدت بأموال وخبرات صينية وعربية وإسلامية، وتخصّص لأهداف شتى، وتزخر بالمسلمين وعائلاتهم مع أطفالهم، لقضاء إجازاتهم التي تمتد لأسابيع.
وهناك في شينجيانغ، وفي نينغشيا، التقيت على مدار سنوات عديدة قيادات إسلامية، ومشايخها، وأئمّتها، ومؤسساتها الدينية، وألقيت المحاضرات في جُموعهم، وأُقيمت لي الاجتماعات مع تلامذتها وطلبتها الصِّغار منهم والبالغين، ولقاءات على مستويات رفيعة، ومع العائلات المحلية في بيوتاتها، لألمس مباشرة نمط حياتهم وتفكيرهم، وليعرضوا أمامي واقعهم المُعَاش، آمالهم وأحلامهم، والتقيت مع ممثلي الحكومة المركزية، وممثلي سلطة المنطقة للحديث بشأن الوضع الديني وحرية المُعتقد، والقِيم المدنية والدينية للمواطنين المؤمنين من قوميات المنطقة، وعددها 48قومية من إجمالي 56 قومية صينية.
يَشتهر عيد الأضحى لدى مسلمي شينجيانغ والصين، بعروض للكثير من الفعاليات الدينية والمدنية، العائلية والتضامن الإجتماعي والوطني. واللافت، أن المسلمين يتبادلون التهاني بحلوله في الشوارع والأماكن العامة، بغض النظر عَما إذا كانوا يعرفون بعضهم بعضاً أم لا، ولا تجد لنفسك مكاناً بينهم في المساجد، وبخاصة في صلاة العيد، كذلك الأمر في الحدائق والمواقع المفتوحة، التي تكون عادة مكتظة بهم، وتعلو فيها ضحكاتهم وأحاديثهم إلى جانب رقصاتهم القومية، ذلك أن قضاء أوقات العيد خارج البيت مُتعة كبيرة للصينيين، فهذا الأمر لا يُعتبر عبئاً على ميزانية العائلة، وبضمنها الأُسرة المسلمة، فتكاليف احتفالات العيد خارج المنزل مُستطاعة جداً، ذلك أن الدولة الصينية توفّر لمواطنيها رحلات سياحية، ومواقع مَخدومة ونظيفة، ومدعومة من ميزانيتها، مشابهة تماماً لبرامج الدعم الحكومي للتعليم العام بكل مراحله، والتأمين الصحي، وغيرها من المتطلبات الأساسية لحياة الصينيين.
الأمر الآخر اللافت للانتباه في عيد الأضحى، هو أن عديد المصلين المسلمين في المساجد والمساحات المحيطة بها كثيف، وأحياناً يصل عددهم لمئات الأُلوف. وبعد ختام الشعائر الدينية، يَندفع المصلون لزيارة الأسواق القومية التي تتسم بطابع إسلامي، وهي تحيط بمعظم المساجد، لشراء لحوم البقر والضأن، الحلويات الشرقية والصينية والفواكه، ومستلزمات العيد، أو حتى لشراء الأضاحي، والعيد مناسبة لتبادل التحايا والحكايا الكثيرة، واستعادة الذكريات، لاسيّما بين كبار السن، ويَجد الشباب المسلم هناك متعة في الإصغاء إليهم.
* صحفي وكاتب أردني، ورئيس الاتحاد الدولي الالكتروني للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.