تعليق: دعوة ترامب الشركات الأمريكية لمغادرة الصين… الواقع يجيبه
افتتحت كوستكو، وهي ثاني أكبر شركة عملاقة للبيع بالتجزئة في العالم وعملاق الاسواق التجارية الكبرى الأمريكية أول متجر لها في البر الرئيسي الصيني يوم الثلاثاء. حيث وجد اقبالا كبيرا من المستهلكين الذين اصطفوا في طوابير للتسوق. وتشير البيانات الرسمية إلى أنه منذ فتح عمليات التسجيل في المفتوح للزبائن الأوفياء في 1 يوليو الماضي، بلغ عدد المسجلين عشرات الآلاف، بما يفوق التوقعات.
ولا شك في أن العديد من الشركات الأمريكية والأجنبية تغبط كوستكو اليوم على هذه البداية الناجحة، والتي تبيّن بأن دعوة ترامب الشركات الأمريكية لمغادرة الصين، كانت دعوة متهورة وغير مسؤولة.
تمتلك السوق الصينية جاذبية شاملة للشركات الأمريكية، وتبقى شراهة المستهلك الصيني للسلع الأجنبية فرصة لا يمكن لأي شركة أجنبية أن تتجاهلها. وهو ما دفع شركة مثل تسلا إلى الاستثمار بكثافة في شنغهاي رغم الحرب التجارية الصينية الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، أبدت شركة “ثيرمو فيشر” العملاقة للأجهزة الطبية الأمريكية رغبة في الاستفادة من التطور السريع للسوق الصينية، وقررت هذا العام زيادة رأس مالها في سوتشو. في الواقع، سجّل رأس المال الأجنبي الذي يدخل إلى الصين في النصف الأول من هذا العام بنسبة 7.2 ٪ عن العام الماضي.
في الأثناء، تسعى بعض النُخب الأمريكية لفصل اقتصاد بلادها عن الصين والسباحة ضد التيار، لكن دعواتها لا تجد اذان صاغية من الصين.
تشكل الصين في الوقت الحالي طبقة من أصحاب الدخل المتوسط تفوق الولايات المتحدة. وبشكل واقعي، لا توجد نية حقيقية من الجانب الأمريكي للتفريط في السوق الصينية، إلا اذا كانت لا ترغب في تنمية أعمالها في العقد أو العقدين القادمين وتدمير اقتصادها.
ليس هناك دولة أخرى في العالم تمتلك سوقا بحجم السوق الصينية، وليس هناك بلد آخر يمتلك قدرات البنية التحتية والتكامل القطاعي التي تمتلكها الصين، ما يجعلها تحتوي على قاعدة تصنيعية لا يمكن لأي شركة كبرى في العالم ان تتخلّى عنها.
في يوم الثلاثاء، أعلن مجلس الدولة عن 20 اجراء جديد لتحقيق الاستقرار في توقعات الاستهلاك وتعزيز ثقة المستهلك، مما يدل على تصميم الحكومة الصينية على زيادة توسيع سوق المستهلكين المحليين. وهو ما سيلعب دورا مهما في خفض آثار الحرب التجارية على الاستهلاك وتوسيع الانفتاح.
تعتقد أمريكا دائمًا أنها بإمكانها أن تجد بديلا عن الصين، والحقيقة هي أنه كلما طال أمد الحرب التجارية، زادت قوة الاقتصاد الصيني وقدرته على الاستعاضة عن قوى الدفع الأمريكية داخليا وخارجيا.
لقد اقتربت الضغوط المترتبة عن الحرب التجارية على الصين من ذروتها، والى جانب أنها لم تحدث ارباكا لوضع الاقتصاد الصيني، ولم تؤثر على خريطة طريق الاصلاح والانفتاح. ويمكن القول إن الولايات المتحدة قد فقدت الفرصة الكبرى لإجبار الصين على تقديم أقصى التنازلات. وستكتشف عودة الصين شيئا فشيئا لامتلاك المبادرة في المواجهات التجارية.
ويكفي أن ننظر إلى عدد “العمات الصينيات” في الوجهات السياحية الأكثر شعبية في العالم، وعدد الشباب الصيني في الجامعات الغربية، وعدد الماركات العالمية الفاخرة التي تباع في السوق الصينية، وعدد الطائرات والسيارات التي تبيعها الشركات الأمريكية الكبرى في الصين، وغيرها من المؤشرات لندرك بأن الفصل بين الاقتصاد الأمريكي والصين شيئا شبه مستحيل.
لن نأخذ زمام المبادرة لرفع مستوى الحرب التجارية، ولن تدفعنا الحرب التجارية للتمييز ضد الشركات الأمريكية المستثمرة في الصين. وحينما تجعل الحرب التجارية العالم أكثر فوضوية، فإن الصين ستكون الدولة التي تغدو أقوى وأقوى.