الصين تثير مخاوف وسط أزمة اليورو لكنها ليست سيدة الموقف
جريدة ايلاف الالكترونية:
وجدت الصين نفسها بعد النداء الذي وجهته إليها أوروبا خلال قمتها في بروكسل لمساعدتها على تخطي أزمة ديونها، في موقع القوة قبل قمة مجموعة العشرين في كان الخميس والجمعة، لكن خلافًا لما يخشاه البعض فإن بكين ليست سيدة الموقف، أو على الأقل ليس حتى الآن.
وان كانت طلبات منطقة اليورو الرازحة تحت عبء ديونها رفعت مكانة الصين، إلا ان بكين تلقت هذه الطلبات بحذر شديد، ولا تعتزم تقديم اي اموال بدون مقابل، ومقابل بالحجم الذي توده هي.
في هذا السياق يأتي الرئيس هو جينتاو إلى كان، التي ستحتل ازمة اوروبا القسم الاكبر من مناقشاتها، ممثلاً لبلاد تؤكد “دعمها الكامل” لأوروبا بدون تقديم ادنى التزام، ولو ان قدرته الشخصية على اتخاذ القرارات تبقى محدودة. يبقى ان اوروبا بتوجهها الى ثاني اقتصاد عالمي، نصبت الصين الشيوعية في موقع “أمين خزينة العالم”، في وقت تموّل حاليًا العجز المالي الاميركي الهائل.
فور انتهاء قمة بروكسل، كان هو جينتاو أول من اتصل به الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الرئيس الحالي لمجموعة العشرين، قبل اسبوع من القمة التي تستضيفها بلاده. وسيلتقي الرئيسان على عشاء عمل الأربعاء في كان. ورأى جان بيار كابيستان من جامعة هونغ كونغ المعمدانية في هذه البادرة تكريسًا لدور بكين من جانب باريس التي “تريد الحصول على شيء ما من الصينيين حتى لا تنهي فترة رئاستها (لمجموعة العشرين) بدون تحقيق اي نتيجة”، في حديث مع وكالة فرانس برس. وقال ساركوزي معلقًا على اليد الممدودة الى بكين ان “ذلك لن يؤثر اطلاقًا على استقلاليتنا”.
غير ان منافسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة المرشح الاشتراكي فرنسوا هولاند لا يشاطره هذا الرأي، وقد صرح أخيرًا لصحيفة لوموند ان “الصين باتت سيدة اللعبة، حيث إن قمة مجموعة العشرين .. ستكرّس الامبراطورية الاقتصادية الصينية”.
وتلقى العديدون بقلق دروس الاقتصاد التي وجهتها بكين للولايات المتحدة، القوة الاقتصادية الاولى في العالم، اذ دعتها الى “التوقف عن العيش بمستوى يفوق امكاناتها” ولأوروبا، اذ طالبتها “بترتيب” حساباتها.
وكانت مشاعر الريبة قوية حتى قبل الازمة الاوروبية حيال الصينيين الذين اشتروا امتيازا في مرفأ بيريوس اليوناني وسندات ديون برتغالية واسبانية، ويقومون بشق طرقات في افريقيا، وقد يصدرون قريبًا قطارات فائقة السرعة الى كاليفورنيا. لكن كابستان يؤكد ان “الصين ليست سيدة الموقف”، و”اوروبا لديها الخيار بعدم وضع نفسها في موقع التبعية المسرفة” حيالها. واشار الى ان “الصين بلد تبقى أوضاعه هشّة، علينا الا ننسى ذلك”.
فإن كانت الصين تملك احتياطات هائلة من العملات الأجنبية (3200 مليار دولار)، الا انها تواجه تحديات كبرى مثل اعادة توجيه اقتصادها لتركيزه على الطلب الداخلي، واخراج 150 مليون نسمة يعادلون نصف سكان منطقة اليورو من الفقر، واقامة انظمة رعاية اجتماعية باهظة الكلفة ومواجهة الحالات البيئية الطارئة.
ورأت فاليري نيكيه من معهد الابحاث الاستراتيجية انه “من المبالغ به كثيرًا” القول إن الصين “باتت تتحكم باللعبة المالية في اوروبا”. وقالت ان “نقطة التحول على صعيد صورة الصين لم تكن هذه القمة (بروكسل) بل تعود إلى أزمة 2008 واول قمة لمجموعة العشرين نجحت فيها الصين في فرض نموذجها الذي خرج من الأزمة بدون أن يتأثر بها، على النموذج الديموقراطي الغربي الذي نددت بعدم فاعليته”.
وتابعت فاليري نيكيه إن ما ستقوم به الصين “سيتوقف على الصورة التي تود إعطاءها عن نفسها، وما ستتمكن من تمويله قبل كان”، مشيرة في الوقت نفسه الى ان “تنويعًا لاحتياطي عملاتها الاجنبية يمكن ان يكون مثيرًا للاهتمام”. ولفتت الى انه من مصلحة بكين ان تتخطى اوروبا ازمتها، لا سيما وانها تعتبر سوقها الاولى.
وقال كابيستان ان “الصين التي باتت في موقع قوة لن تكون على استعداد للمساومة كثيرا، بل ستطالب على العكس بتنازلات، تنازلات من الاوروبيين ومن الغربيين عموما”. فهي لا تزال تنتظر من الاتحاد الأوروبي منحها وضع اقتصاد السوق، ومن شركائها الاوروبيين والاميركيين التخلي عن “الحمائية” التي تقف بوجه صادراتها.
كما تود من شركائها ان يتوقفوا عن طرح قضية سعر صرف اليوان، الذي “يفوق قيمته الفعلية في السوق”، وتطالب بلعب دور اكبر داخل صندوق النقد الدولي.
وقال الخبير الاقتصادي ليو جيانغكسيونغ مبديًا ارتياحه للوضع الحالي ان “ازمة منطقة اليورو اعطت الصين فرصة لاعادة تصحيح علاقاتها مع اوروبا” معتبرا ان “عليها ان تفرض شروطها”.