((أخطأنا الحكم على الصين)) يكشف الوجه الحقيقي للصين
مجلة الصين اليوم ـ
هناء لي ينغ:
هزت “النهضة الصينية” العالم أجمع، وأصبح “النموذج الصيني” أيضا موضوعا ساخنا في الأوساط الأكاديمية والنظرية الدولية، وقد كانت تنبؤات العالم الخارجي عن الصين متباينة منها المتشائم ومنها المتفائل. وشاعت تعبيرات مختلفة بين وسائل إعلام غربية وسياسيين غربيين حول “نظرية التهديد الصيني”، بعد أن انهارت “نظرية انهيار الصين”. من حسن الحظ أنه تظهر تدريجيا في العالم أصوات متزايدة أكثر عقلانية، حيث أدرك بعض السياسيين والخبراء الأجانب تدريجيا أن النظام الحزبي الصيني يبرز حيوية هائلة وأصبح مساهمة مميزة من الصين للعالم، وأن القوة المحركة للتنمية الصينية لا تأتي من الحاجة إلى التوسع، بل تأتي من رغبة الصينيين العاديين في حياة أفضل. إن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية علاقة تنافس وليس حياة أو موت، بل يمكن تحقيق التعايش والازدهار المشترك. أصدرت دار هواون للنشر كتاب ((أخطأنا الحكم على الصين- إعادة البناء المعرفي للنخبة السياسية في الغرب تجاه الصين))، سعيا إلى إطلاع الجميع على الوجه الحقيقي للصين. تعاونت دار هواون للنشر مع مكتبة أوزيريس المصرية في إصدار النسخة العربية لهذا الكتاب في أغسطس 2019.
يتضمن هذا الكتاب مقابلات صحفية أجراها مراسلو صحيفة ((هوانتشيو “جلوبال تايمز”)) التابعة لصحيفة الشعب اليومية الصينية في السنوات الأخيرة مع كثير من ساسة وعلماء الغرب المشهورين ومراكز البحوث وبعض المقالات النظرية والنقدية لهم حول العالم، مثل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنرى كيسنجر والبروفيسور جوزيف ناي الأستاذ بجامعة هارفارد والكاتب الأمريكي جون نايسبيت المتخصص في مجال الدراسات المستقبلية والعالم والفيلسوف والاقتصادي السياسي الأمريكي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما والرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر والمفكر الإستراتيجي ومستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق كارتر د. زبغنيو بريجينسكي وغيرهم من 41 شخصية من النخبة السياسية الغربية. وقام هؤلاء العلماء بالبحث العميق ولفترات طويلة حول الصين ويتمتعون بقوة تأثير، وقدموا انتقادات لاذعة من قبل تجاه الصين، كما أنهم اتسموا بالشجاعة أيضا لاعترافهم بحقيقة النهضة الصينية واعترافهم بأخطائهم. تعكس كل المقالات في هذا الكتاب مفاهيم الغرب الأكثر حداثة تجاه “معرفتهم الخاطئة عن الصين”، كما تعكس إعادة البناء المعرفي والحكم الغربي تجاه الثقافة الصينية وحقيقتها واتجاهاتها.
ينقسم هذا الكتاب إلى خمسة أبواب، هي: مفاهيم القيم الثقافية العميقة، ونمط جديد للعلاقات بين القوى الكبرى، ونظام الحكم السياسي الفريد، ونموذج اقتصادي ناجح، والنهضة السلمية الصينية.
في مقدمة هذا الكتاب، قال البروفيسور تشانغ وي وي رئيس معهد الصين في جامعة فودان بشانغهاي: “في الأكثر من الثلاثين عاما الماضية، كانت بعض تنبؤات العالم الخارجي للصين تدعو للتشاؤم، وبعضها الآخر يدعو للتفاؤل. أما التنبؤات المتفائلة فقد كانت جميعها في الغالب صحيحة والتنبؤات المتشائمة كانت جميعها في الغالب خاطئة، وكلما ازداد التشاؤم ازداد الخطأ وصار أمرا شائنا. إن الذين تنبئوا بانهيار الصين كانوا الأشد فجعا، ليس لانهيار الصين، وإنما لانهيار تلك النظريات التي ادعت انهيار الصين، وفي الوقت ذاته وقع الغرب- الواثق بنفسه لأعلى درجة- في أزمات، الواحدة تلو الأخرى مما دفع كثيرا من الغرب لإعادة التفكير، فكانت إعادة التفكير على نطاق كبير تتضمن إعادة التعرف على الصين وإعادة التفكير في كثير من المشكلات الخاصة بالغرب. ويحتوي هذا الكتاب على معلومات ثرية جدا، ويستحق الكثير من مضمونه أن يُستمتع بقراءته على مهل، كما يمكن أن يلهمنا الأفكار، ويساعدنا في التعرف على نواقص وحدود معرفة علماء الغرب والمراكز البحثية الغربية تجاه الصين والعالم.”
في الثالث والعشرين من أغسطس 2019، أقيمت مراسم احتفالية لإصدار النسخة العربية لكتاب ((أخطأنا الحكم على الصين)) على هامش فعاليات الدورة السادسة والعشرين لمعرض بكين الدولي للكتاب. قال السيد سونغ تشي جيون، مدير دار هواون للنشر، إن داره تعمل على سرد قصة الصين بشكل رائع وشرح التقاليد التاريخية والتراث الثقافي للصين وقد صدرت بعض الأعمال الصينية الممتازة إلى مختلف دول العالم. وعبر سونغ عن أمله في أن يكون هناك تعاون أعمق مع الناشرين العرب في المستقبل.
مترجم النسخة العربية لهذا الكتاب الدكتور محمد أنور الشيخ، وهو صينولوجي شاب مشهور، بدأ تعلم اللغة الصينية منذ مرحلة الدراسة الثانوية، وحصل على درجة الماجستير في جامعة عين شمس، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة بكين للغات والثقافة. ولديه مشاعر عميقة للصين، ويعمل أستاذا للغة الصينية في قسم اللغة الصينية بكلية الألسن في جامعة المنيا المصرية وقسم اللغة الصينية بكلية الألسن في جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا المصرية. وقام بزيارات استطلاعية عديدة في الصين وشارك في كثير من الدورات التدريبية والنشاطات الأكاديمية والثقافية، وأنجز ترجمة بعض الروايات الصينية إلى اللغة العربية، ونُشرت هذه الأعمال في الصين والدول العربية.
عن كتاب ((أخطأنا الحكم على الصين))، قال الدكتور محمد أنور الشيخ: “لم تكن تتجاوز معلومات الإنسان العربي والمصري على وجه الخصوص روايات التاريخ عن التتار والمغول وتاريخ العلاقات التجارية بين الشرقين الأوسط والأقصى، ثم كانت الطفرة السياسية والاقتصادية والتي تجلت في ثمانينات القرن الماضي والتي أنتجت تواصلا ثقافيا متزايدا وحركة نشيطة في الترجمة والتعريب والنشر ملأت آفاق العالم العربي وزاد الاهتمام العربي بها بعد صعود نجم الصين سياسيا واقتصاديا وبرزت أهميتها كبديل للقوى التقليدية المهيمنة على منطقتنا العربية. تغيرت صورة الصين إلى حد كبير في عيون الأكاديميين العرب ليس ذلك فحسب ولكن على المستوى الشعبي أمام حجم الشراكة الاقتصادية الهائل بين الدول العربية والصين ومع تدوال كتاب ((أخطأنا الحكم على الصين)) الذي قمت بترجمته إلى العربية، أحدث صدى واسعا في أوساط الأكاديميين والمثقفين، فبدأت تتغير رؤية الإنسان العربي للصين. تناول الكتاب جانبا تاريخيا عن مكونات الشعب الصيني وأعراقه وحدود الدولة قديما وحديثا وما دار من صراعات عرقية واجتماعية، وعالج التشويه المتعمد بفعل الثقافة الغربية التي هيمنت على المنطقة العربية لعقود طويلة، وخلق الكتاب جوا من التفاؤل في النظرة نحو الصين وغير كثيرا من المفاهيم القديمة الخاطئة التي كانت في ذهن المواطن العربي، وكما نرى فقد أصبح التمدد الصيني في الشرق الأوسط محل ترحيب واسع على مستوى الأنظمة الحاكمة وحتى على المستوى الشعبي، وينظر كثيرون إلى الصين الآن كبديل يدفعون به الهيمنة الغربية وكشريك اقتصادي هام ويتطلعون إليها كشريك سياسي أكثر فعالية وأكثر حضورا في قضايانا.”
حاليا، بدأ الدكتور محمد أنور الشيخ ترجمة كتاب ((تاريخ الصين في خمسة آلاف سنة)) إلى اللغة العربية، وسيُصدر في الدول العربية.
وأضاف الدكتور محمد أنور الشيخ: “لا يصح أن تقف الصين موقف المتفرج حيال القضايا السياسية والصراعات القائمة في المنطقة كما هو الحال الآن، ولابد أن تراقب الصين الضغوط الغربية التي تعرقل تمددها الثقافي، وأن تعمل على استغلال الصراعات الحالية وتستغل أوراقها الفاعلة وتمارس ضغوطها عند الضرورة وتناور بل وتزاحم عسكريا وتذهب إلى موقع متقدم في مواجهة الغرب، لأن حضورها سياسيا وعسكريا واقتصاديا يلفت النظر إلى أهميتها ويساهم إلى حد كبير في نشر الثقافة الصينية. هناك أهمية كبيرة في زيادة حجم البعثات العربية للدراسة في الصين وأن تكون هناك برامج مدروسة لتعريف الدارسين بالثقافة الصينية وأهميتها وسبل نشرها من خلال المبعوثين. جدير بالذكر أن نلفت نظر الصينيين إلى أهمية وجود نفوذ مؤثر في الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي وفتح قنوات تخاطب كل دولة عربية بلسانها ووفق مصالح الصين معها، وهذا يتطلب زيادة في حجم الإنفاق على الصحف والمجلات والإعلام المرئي والمسموع ومنتديات الكتاب السنوية واستغلال الإنترنت كمنفذ يفرض نفسه على المتابع العربي، والأهم من ذلك لابد من تأسيس معاهد دراسات إستراتيجية في كل بلد عربي لموافاة الدولة الصينية بحقيقة الواقع الثقافي وأوجه القصور وسبل تطويره، وقد سبق الغرب إلى ذلك منذ سنوات طويلة، حتى يتحقق ما تصبو إليه الصين في هذا الاتجاه.”
طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة “الحزام والطريق”، مما أطلق المسيرة العظيمة للتعلم المتبادل والاستفادة المتبادلة بين الصين والدول العربية، فتولي دور النشر الصينية مزيدا من الاهتمام للتعاون مع دور النشر العربية في إصدار الأعمال الممتازة التي تمثل تاريخ وتقاليد وثقافة الأمة الصينية وتعكس النموذج الصيني الحديث، إلى الدول العربية، سعيا إلى تعزيز معرفة الشعوب العربية عن الصين في مختلف المجالات ومن زوايا متعددة وعلى مستوى عميق، وعرض الصورة الحقيقية للصين في خارجها.
أصدرت دار هواون كتاب ((نحن متفائلون بالصين.. أحاديث نخبة كبار الساسة في العالم عن الصين)) الذي يعتبر شقيق ((أخطأنا الحكم على الصين))، ونتطلع أن يظهر المزيد من الأعمال الصينية الممتازة في سوق كتب الدول العربية لتقديم صورة الصين الحقيقية للقراء العرب والقراء في كل دول العالم.