الحملة على الصين بشأن شينجيانغ: حقد وجهل.. ومنطق القطيع
موقع الصين بعيون عربية ـ
د. شاهر إسماعيل الشاهر*:
تتعرض الصين هذه الأيام لحملة إعلامية كبيرة تصل حد التجييش وزراعة الكراهية تجاه هذا البلد، قوام هذه الحملة دول ومكنات إعلامية كبيرة ومنظمة، أما أدواتها فهم بعض الحاقدين وأكثر الجاهلين، الجاهلين من المسلمين الذين يرددون ما يسمعون دون التمحيص والتدقيق. ومن يتابع مواقع التواصل الاجتماعي في العديد من الدول الإسلامية وبعض الدول العربية يدرك جيداً مدى سيطرة “منطق القطيع” في ترديد ما نسمع دون فهم أو دراية.
ليتني سمعت أو قرأت رأياً لمثقف أو مواطن عربي أو مسلم انتقد سياسة الصين عن معرفة أو دراية حقيقية بما شاهد أو قرأ أو حلل، أما أن تسيطر علينا مكنة الاعلام الغربية بعد كل ما حدث في بلداننا من خراب كان نتيجة لإعلامهم (اعلام ما بعد الحداثة) الذي لم يعد ناقلاً للخبر، بل أصبح صانعاً لهى ومفبركاً ومزيفاً لنشره، والسعي لخلق رأي عام يدغدغ عواطف العامة ويحرض فيها منطق القطيع، ليقتصر دورها على النشر لكل ما تسمع.
وفي هذا المجال لن أتكلم وأنظر كثيراً، بل سأتحدث عن مشاهداتي في هذا البلد الجميل، وهذا الشعب الطيب المسالم المحب للخير. فبحكم عملي كأستاذ جامعي في الصين وبحكم تخصصي في العلوم السياسية والعلاقات الدولية أرى أنه من المفيد أن أقدم رأياً لمن يحب أن يقرأ، أو يفهم أو يسعى للوصول الى الحقيقة، فكلامي ليس موجهاً لمن لديه مواقف مسبقة، لمن أغلق عقله وأطلق العنان لغرائزه وانتماءاته الضيقة (الدينية أو الطائفية أو المذهبية…). فمنذ وصولنا إلى هذا البلد، أول شيء تم تعريفنا عليه هو مطعم الحلال في الجامعة الذي يقدم الطعام للمسلمين ويرتاده الكثير من غير المسلمين من الأساتذة والطلبة، الصينين والأوربيين ومن مختلف الدول والأديان. وبعد استقراري هنا رأيت الكم الوفير من هذه المطاعم (الحلال) كما تسمى هنا، ومن يعمل فيها من الصينيون المسلمين رجالاً ونساء، وكل النساء في هذه المطاعم يرتدين الحجاب مما يدل على أن هذه المطاعم ليست ممنوعة مطلقاً، كما أن ارتداء الحجاب لا يشكل أي مشكلة في الصين، فكم من الطالبات العربيات والمسلمات يرتدين الحجاب في الجامعة، ولم أر أو اسمع أو ألاحظ أي استهجان أو رفض لهذا الموضوع. وفي المنهاج الدراسي يتم الحديث عن الحجاب ولباس المسلمين والطعام الحلال بطريقة إيجابية جداً تنم عن الاحترام والتقدير للأخر، فيوصف الطعام الحلال بأنه الطعام النظيف الشهي ذو الرائحة الطيبة…إلخ. فالحديث عن منع الحجاب أو مطاعم الحلال لا أساس له من الصحة مطلقاً.
وشاءت الظروف أن يأتي شهر رمضان الماضي ونحن في الصين، فأصبحت مطاعم الحلال تعمل كثيراً وقت الإفطار وبشكل واضح لا يشي بأن هناك تخوف من ممارسة هذه العبادة على وجه الاطلاق، أما في الجامعة فقد كان المطعم قبل شهر رمضان ربما يغلق قبل آذان المغرب، فالصينيون يتناولون طعام العشاء بوقت مبكر، لكن عندما جاء رمضان أصبح المطعم يبقى مفتوحاً ما يتيح للصائم تناول طعامه في هذا الشهر. ووصلتنا رسالة تهنئة بقرب عيد الفطر وموعد صلاة العيد في المسجد، وأن الصلاة تقام مرتين على ما أتذكر ليتسنى لمن يتأخر أن يؤدي هذا الفرض. أي أني لم ألمس ما يمنع أو حتى يثير القلق أو الخوف لدى أحد من ممارسة هذه الشعائر، والجاليات العربية تتنشط في هذا الشهر وترسل التهاني والتبريكات دون حرج أو خوف.
وفي المدينة التي أعيش يوجد مسجد بعيد عنا قليلا ذهب إليه بعض الأساتذة وتقام فيه صلاة الجمعة ويتم بيع الطعام الحلال من لحوم ودجاج أمام هذا المسجد، فلا خوف ولا قلق ولا منع وإلا لما كانت الأمور تسير بهذه البساطة….
كل هذه المقدمة البسيطة لنفند بعض الادعاءات الرخيصة، ولنصل إلى سؤالنا الجوهري وهو لماذا الصين بلد إرهابي من وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية؟
من يصل الى الصين سيعرف النهضة الحقيقية المذهلة التي يعيشها هذا البلد، فخطورة الصين ليست في أنها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بل الأهم والأخطر أن الصين تقدم اليوم نموذجاً جديداً للدول العظمى التي تسعى إلى نشر المحبة والسلام وتحقيق المصالح المشتركة، بعيداً عن القوة والسيطرة والظلم ونهب خيرات الشعوب، هذا النموذج يجعل من القوة الناعمة الصينية القوة الأهم في العالم، ويجعل القيم والمبادئ السياسية للصين تلقى اهتماماً وترحيباً من غالبية دول العالم. أما الحديث عن قتل واضطهاد المسلمين فكلنا في المنطقة العربية نعرف من يقوم بقتلنا ونهب ثرواتنا، فبينما يعلن الرئيس الأمريكي صراحة أنه يقوم بسرقة ونهب النفط وحرمان الشعب السوري منه، نرى رد الفعل العربي بمهاجمة سياسة الصين تجاه المسلمين، أي حماقة وغباء وصلنا له في مجتمعاتنا العربية، ألم ندرك أن من يقتل المسلم هو المسلم، هذا ما عشناه في وطننا الحبيب سورية، فباسم الدين أرسلت العديد من الدول العربية الأموال لتدمير سورية، وباسم الدين جاءنا بعض من يدعون الإسلام من الايغور بعد أن كانوا طلبة في السعودية، وتشبعوا بالفكر الوهابي التكفيري المتطرف، فكيف نقنع السوريون أن هؤلاء الايغوريين حمائم سلام يتعرضون للقهر والظلم من الحكومة الصينية…؟ المتطرفين من الايغور ليسوا سوى امتداد لسياسة عثمانية ووهابية تغذي التطرف والتكفير وتسعى إلى نشره في جميع دول العالم، وهم ورقة بيد الولايات المتحدة تستخدمهم لإثارة القلائل أمام بلد أصبح من المستحيل إيقاف نهضته….
*بروفيسور في كلية الدراسات الدولية ـ جامعة صن يات سين ـ الصين