زعزعة إقليم شينجيانغ الصيني.. من المستهدف؟
موقع الصين بعيون عربية ـ
د. يربان الحسين الخراشي*:
لا شك أن تاريخ الصين الطويل يفيض بكثير من القصص، والوقائع التاريخية عن التهديد القادم لها من سهول آسيا الوسطى بدءاً بالشعب الهون، ثم الترك، والعرب، والمغول وغيرهم. التهديد الذي كان سببا في بناء سور الصين العظيم، و اكتشاف المناطق الغربية أو شينجيانغ، وضمها رسميا تحت سيادة مملكة هان الغربية الصينية (206 ق م- 25 م) حوالي 60 سنة قبل الميلاد، وكذلك سببا في عودة السيادة الصينية حوالي سنة 1755 ميلادية على المنطقة، وذلك بعد عدة قرون من المغادرة غير الطوعية.
لكن المختلف هذه المرة أن التهديد القادم بدوافع خارجية مدى تأثيره لا يقتصر على الصين وحدها بل يمتد ليشمل العالم بأسره، إذ من المتوقع هذه المرة وقوع ضحايا كثر بين حبائل شيطان القرن الذي باتت تخنقه الابتكارات ذات التنقية العالية القادمة من الشرق، والتي هي بدون شك من سيحدد سادة العالم الجدد.
الصين قد تكون الضحية الأولى المستهدفة، إذ لا يخفى على أحد أن إقليم شينجيانغ هو الحلقة الرئيسية في إعادة إحياء طريق الحرير البري، الذي هو الجزء الأهم في مبادرة ” الحزام والطريق” نسخة الصين بثقافتها، وحضارتها، وتاريخها للعولمة، التي من خلالها تسعى جاهدة إلى تحقيق نمط جديد من الانفتاح أكثر على العالم، يتيح له ولها معاً تطوراً تشاورياً تشاركياً منفعياً، حيث يمثل إحياء طريق الحرير البري الطريق إلى خلق ظروف جيوسياسية عالمية جديدة، نظراً لإبراز دورالتجارة القارية على حساب التجارة البحرية، ونظراً لكونه يشكل طريقاً إلى تدويل العملة الصينية، وخروج شركاتها إلى العالمية، وإدخال المزيد من العناصر الصينية في صياغة القواعد الدولية، وكذلك هو الطريق إلى تحويل مركز الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق؛ ومن هنا يتجلى لنا أن خلق قلاقل جديدة في إقليم شينجيانغ قد يشكل تشويشاً مؤقتاً إن لم يكن عائقا أمام طموحات الصين، وسعيها الدؤوب والمشروع إلى تحقيق حلم الأمة الصينية، وتمكينها من استعادة مكانتها الريادية بين الأمم.
الضحية الثانية هي العالم الإسلامي الذي ينتمي له حوالي نصف البلدان الواقعة على طول نطاق طريق الحريرالقديم. وطريق الحرير هو طريق يربط إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية المسلمة بمدينة بخارى، وسمرقند بطهران، وبغداد، وأنقرة، ودمشق، والقاهرة، وعدن، حواضر العالم الإسلامي التي عبرها يتم التبادل الثقافي، والحضاري، والاقتصادي، وحتى الأمني بين الشرق والغرب، والأهم من ذلك أنه يشكل الطريق إلى التجربة الصينية الرائدة للتنمية الشاملة، فلا ننسى أنه عبر طريق الحرير القديم تم نقل حرفة صناعة الورق التي تعد مساهمة صينية في بزوغ العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، فمن يدري قد يشكل قطار التنمية الصيني فائق السرعة فرصة جديدة للعديد من الدول الإسلامية للنهوض باقتصادها عن طريق الاستفادة من سياسات تعميق الإصلاح والانفتاح، التي تنفذها الصين حالياً،على سبيل المثال لا للحصر انفتاح القطاع المالي الصيني، تحويل الصين من أكبر مصنع في العالم إلى أكبر سوق في العالم، تحويل الصين من أكبردولة مصدرة إلى أكبر دولة مستوردة، وغيرها من السياسات التي تتيح فرصاً تنموية كثيرة، وتخلق الظروف الملائمة لإحلال السلام في المنطقة؛ وهذا ما يجعل من التفاهم، والتعاون والتقارب الإسلامي الصيني مفتاحاً لإعادة إحياء طريق الحرير الجديد، كما يجعل من خلق عداء لا وجود له تاريخياً وحاضراً بين الأمة الإسلامية والأمة الصينية محاولة خبيثة لحفر خندق يحول بين أمتنا، والاستفادة من التحولات والتغيرات العميقة الجارية في بنية النظام الدولي، ومرحلة مخاض ميلاد عالم جديد متعدد الأقطاب، والأخطر من ذلك أنها محاولة لخلق سور إسلامي، وجبهة متقدمة جاهزة للحرب بالوكالة قد تحرقنا أكثر مما تحرق أعدائنا الحقيقيين، والوهميين، فنحن لم ننسَ بعد أن الجهاد في أفغانستان كان بطلب أمريكي، ولحاجة أمريكية بحتة، أمتنا الإسلامية لم تستفد إلا بتدمير بلدانها، وإلصاق تهمة الإرهاب زوراً وبهتانا بديننا الإسلامي الحنيف.
أما شعب الإيغور المسلم فهو الضحية الأكثر تضرراً من الفخ الأمريكي الجديد، الشعب الذي كان بإمكانه العيش بسلام، ووئام في محيطه مثل باقي الأقليات الصينية الخمس والخمسين، الذين من ضمنهم عشر قوميات تعتنق الإسلام. لكن النزعة الانفصالية المبنية على معطيات تاريخية كانت جزءاً من استراتيجيات قوى دولية اندثرت أو تلاشت لا بد أن يكون لها ثمن، وقد يكون الثمن غالياً، فالجزاء من جنس العمل، عادة خاصة بعد تدويل القضية، والركون إلى أجندة خارجية مرتبطة بدولة تجاهر بعدائها للصين وللأمة الإسلامية معاً.
الأمة الإسلامية لا ينقصها إضافة مقعد جديد لدولة فاشلة أو الملايين من المشردين، والمهاجرين.
الأمة الإسلامية بحاجة إلى من يكون سنداً وعوناً لها على المستقبل، وينتهز نعمة كونه جزءاً لا يتجزأ من دولة تملك الريادة في مجال التقنيات الحديثة، ومن المتوقع أن تكون الدولة العظمى الأولى على الأقل اقتصاديا، ولا حاجة لها إلى من يسعى إلى تحويل النعمة إلى نقمة بإظهار أن الصين تستهدف المسلمين حصراً، فهذه تهمة يكذّبها تاريخ الإسلام في الصين، التي دخلها، وعمرت مساجدها قبل الكثير من البلدان الإسلامية بقرون، و يدحضها وجود أقليات أخرى مسلمة أكثر عددا تعيش بسلام، واتخاذ البعض من الإسلام ذريعة لتحقيق مكاسب سياسية، وربما القيام بعمليات إرهابية ضد الأبرياء، وكسب التعاطف من أصحاب العواطف والقلوب الطيبة لن يزيد الطين إلا بلة، ومن يطالب بحقوقه عليه الاعتراف بالوطن أولا.
إن كانت الصين قد نجحت في حماية نفسها قديماً عن طريق سورها العظيم، فحالياً هناك من يسعى إلى حماية نفسه منها عن طريق خلق سور من القلاقل حولها يمتد من هضبة التبت مرورا بإقليم شينجيانغ، وصولا إلى جزيرة هونغ كونغ، وضحايا هذا السور الجديد كثر على رأسهم شعب الإيغور، وأمتيه الإسلامية والصينية.
*كاتب موريتاني متخصص بالشؤون الصينية